موقف الدين من المُنْبَطِحين المُطَبِّعين

 

العلامة /عدنان الجنيد

الجفري يمهد للتطبيع :
نشرط الجفري في صفحته على الفيسبوك ما هكذا نصّه: “ استسقى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم – فسقاه يهودي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : “ جمَّلك الله “ فما رأى الشيب “ إهـ.
•قلتُ : إن التوقيت في نشره لهذا الحديث المكذوب على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وفي هذا الظرف الذي وجدنا فيه أنظمة عربية تتسارع إلى التطبيع بشكل علني مع العدو الصهيوني له دلالة واضحة إلى تمهيده للتطبيع وشرعنته وإصباغه بصبغة دينية، والدليل على ما ذكرناه أنه قد نشر قبل كلامه هذا منشوراً في صفحته يبرر من خلاله للإمارات تطبيعها مع العدو الصهيوني بهكذا نصه :
1 – إن قرار عقد المعاهدات مع العدو صلحاً كانت أو هدنة هو من وسائل السياسة الشرعية التي أنيطت بولي الأمر وفق ما يظهر له من مصلحة عامة.
2 – أثق في دولة الإمارات وإرادتها الخير، ولا أثق في العدو الصهيوني والتزامه بالعهود.
3 – أثق على وجه التحديد في أخي الشيخ محمد بن زايد ثقة مبنية على معرفة عن قرب في المدة التي كنت فيها مقيماً في الإمارات، وأعلم عن اطلاع بجدية اهتمامه لأمر المسجد الأقصى الشريف… إلخ “
•قلت : قبل أن نرد عليه، نريد أن ننوه إلى أمرٍ هام فحواه أن أمريكا وأدواتها تعمل حالياً على استقطاب الصوفية، وقد ذهب وفد من شذاذ الصوفية منهم علي الجفري والطيب الجد رئيس المجلس الأعلى للتصوف في السودان وآخرون، ذهبوا إلى البيت الأبيض وجلسوا مع الإدارة الأمريكية، وكانوا في الصفوف الأولى من ( الكونجرس – الأمن القومي – الخارجية الأمريكية – المراكز البحثية – الكنائس… إلخ )، وذلك في ورشة عمل تحت عنوان ( من مرتكزات التطرف الفكرية )، وخرجوا بنتائج مفادها: “ أن التصوف هو الإسلام المعتدل، وينبغي التعاون مع الغرب على مظلة التعايش السلمي بين الأديان، وتبادل المصالح والمنافع يتحقق السلام… “(1)
•قلت: مقصودهم بالإسلام المعتدل أي المنبطح الذي يقبل التطبيع والانفتاح للكيان الصهيوني..
هكذا الإدارة الأمريكية تريد أن تحقق أهدافها عن طريق الإسلام المعتدل المتمثل في الصوفية، ولهذا تبنت بعض مؤسساتها بناء شبكات إسلامية معتدلة، وما (مؤسسة طابا) الإماراتية التي يديرها علي الجفري إلا واحدة من هذه الشبكات التي تسعى إلى تحقيق رغبات الإدارة الأمريكية، تعرف ذلك من خلال توجهات المؤسسة إلى قبول التطبيع مع الكيان الصهيوني..
هذا وليعلم الجميع أن المدعو (علي الجفري) إنما يمثل نفسه فقط، ولا يمثل المدرسة الصوفية الحضرمية، فضلاً عن المدارس الصوفية الأخرى..
فأبناء المدرسة الحضرمية الأصيلة ورموزها يرفضون التطبيع رفضاً قاطعاً، وقد أصدروا بيانات وبينوا موقفهم من الجفري..
وهكذا هم صوفية اليمن، جهاديون رافضون لأي شكل من أشكال التطبيع..
* ولنعد -الآن- إلى تفنيد ما ذكره الجفري في صفحته “ من أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – استسقى، فسقاه يهودي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (“جَمَّلك الله”،فما رأى الشيب) إهـ.
• أقول : هذه الرواية التي ذكرها الجفري أخرجها ابن السني (2)، وهي رواية ضعيفة جداً لا يصح أن يستدل بمثلها؛ وذلك أن بعض رواة سندها ممن يضعون الحديث منهم عبدالرحمن بن قريش بن خزيمة، ولهذا قال الذهبي عن هذا الراوي : “ اتهمه السليماني بوضع الحديث “ (3)، وقال الدار قطني عنه :
“ متأخر له أحاديث غرائب “ (4)..
أضف إلى ذلك أن في سند هذه الرواية سلمة بن وردان، وقد قال عنه أحمد بن حنبل: “ منكر الحديث ليس بشيء… “ إهـ (5).
• قلت : وهذا يدل على عدم صحة هذه الرواية التي ذكرها الجفري، فهي من اختلاق الوضَّاعيين..
بينما نجد روايات أخرى تثبت أن الذي سقى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إنما هو الصحابي أبو زيد بن أخطب، واسمه عمرو بن أخطب بن رفاعة، كما في الإصابة (6)، فقد أخرج أحمد بسنده عن أبي زيد – عمرو بن أخطب – قال : “استسقى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ماء فأتيته بقدح فيه ماء، فكانت فيه شعرة فأخذتها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “ اللهم جمله “… إلخ (7).
• قلت : ولم يكتفِ الوضاعون من وضع هذه الرواية التي ذكرها الجفري فحسب، بل زادوا على ذلك روايات أخرى منها عن قتادة قال : “حلب يهودي للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – نعجةً، فقال : “ اللهم جمله “… إلخ “ (8).
وهذه رواية مرسلة غير صحيحة إطلاقاً، قال عنها أبو داود : “ وهذا مرسل من حديث قتادة، وهو من أضعف المراسيل، كما ذكر الوادعي، إضافة إلى أن حديث معمر عن البصريين – وقتادة بصري – فيه أغاليط، قال أبو حاتم الرازي : “ ما حدث بالبصرة فيه أغاليط “ إهـ (9).
• قلت :وهناك رواية تدل على أن الذي سقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللبن إنما هو أحد صحابة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – عن عمرو بن الحمق أنه سقى النبي صلى الله عليه وسلم لبنا فقال: «اللهم أمتعه بشبابه» , فلقد أتت عليه ثمانون سنة لا يرى شعرة بيضاء”(10) اهـ،
قلت : ليعلم القارئ بأن الروايات التي يروونها بأن يهودياً سقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو حلب له نعجةً، أو أخذ من لحية النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – شعرة، ودعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم… إلخ. كلها روايات موضوعة ليس لها وجود في كتب صحاح السنة ولا في السنن الست ولا في كتب الأحاديث المعتمدة، وكذلك لم نجدهم يذكرون اسم اليهودي الذي سقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وماهي المناسبة، ومتى كان هذا السقي هل في حضر أم في سفر !!
كل هذا يدلك على كذب الرواية.
ولكن ما يثير الدهشة والعجب توافق المطبِّعيين كافة في انتقاء الروايات الموضوعة أو الضعيفة التي لا أصل لها كي يبرروا من خلالها التطبيع مع الكيان الصهيوني!!..
•أعود فأقول: إن هدف الجفري من الرواية التي ذكرها في صفحته على الفيسبول – وإن لم يفصح بذلك – هو الدعوة إلى الانفتاح مع الكيان الصهيوني، فكما أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – استسقى اليهودي، فعلينا أن نمد أيدينا إلى الصهاينة للتبادل الاقتصادي والمنافع المشتركة) ضارباً بذلك كل الآيات التي حذرتنا من موالاة اليهود، ناهيك عن الآيات التي بينت لنا خبثهم وعداوتهم للمؤمنين..
هذا ونكتفي بهذا القدر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
الهامش
(1) كل ما ذكرناه عن الجفري وعن ذهابه للبيت الأبيض مع شذاذ المتصوفة..إلخ كل ذلك موثق لدينا، ناهيك عن الوثائق التي تثبت ذلك.
(2) في “ عمل اليوم والليلة “ ص143، ط – دار البيان.
(3) “ الميزان والاعتدال “ للذهبي [ 1 / 327 ] ط – الحلبي.
(4) “ المؤتلف والمختلف “ للدار قطني [ 4 / 1879 ].
(5) “ تاريخ بغداد “ للخطيب البغدادي، [ 10 / 281].
(6) “ الإصابة في تمييز الصحابة “ لابن حجر العسقلاني، [ 4 / 78 ]،دار الفكر.
(7) المصدر السابق.
(8) “ مصنف عبدالرزاق “ برقم ( 19462 ).
(9) “ المراسيل مع الأسانيد” لأبي داود، ص 339.
(10)اخرجه ابن أبي شيبة في “ مصنفه “[322/6]

قد يعجبك ايضا