السفيرُ الأميركي أعدّ «خطّة الأقاليم»والملياردير الصهيوني «سوروس» ساهم بتمويل مؤتمر الحوار
مخرجات لجنة الأقاليم.. السُّم الذي دسّه السفير فايرستاين في عسل موفمبيك
الوحدة الـيَـمَـنية عام 90 كانت بالنسبة للخارج مجرد مصيدة لـ «فيروس الاشْترَاكية» في جنوب الـيَـمَـن
الصحفي الأميركي واين مادسن:
• أبرزُ أهداف أميركا في الـيَـمَـن: القواعد، النفط، إسْـرَائيْل
• اسْتقلَال الجنوب يعرقلُ المُخَطّـط الأميركي في المنطقة
• ربط الحراك الانْفصَالي بإيران دعاية إسْـرَائيْلية خالصة
• التواجد الأميركي في الـيَـمَـن والشرق الأوسط بدأ كـ “دُمل” وتحول إلَـى سرطان
كان نظام الرئيس علي صالح صمام أمان للمصالح السعودية والأمرب كية ثلاثة عقود، لكن سقوطه في ثورة الشباب عام 2011، أربك حسابات داعميه الإقليميين والدوليين، وتحركوا سريعا وبشتى الوسائل والسبل لإبقاء اليمن تحت الوصاية والهيمنة، والبداية من إجهاض ثورة 11 فبراير 2011 عبر المبادرة الخليجية، ومن خلال المبادرة، نقلت ثورة الشباب من الشوارع والساحات إلى فندق خمسة نجوم.
الثورة / عباس السيد
الحراك والجنوب
قبل أن نتحدث عن الدور الأميركي، والسفير الأميركي تحديداً في توجيه مؤتمر الحوار الوطني و مخرجاته، لا بد لنا من العودة قليلا إلى الوراء لتسليط الضوء على الأوضاع التي كان يعيشها اليمن قبل انعقاد مؤتمر الحوار، وكيف أثرت تلك الأوضاع على تزايد الاهتمام والتدخل الأميركي بشؤون اليمن، والحؤول دون أن تذهب الأوضاع مستقبلا على غير ما يشتهي الأميركيون.
وسنتناول الأسباب والظروف التي خلقت ما عرف بـ ” القضية الجنوبية ” التي استأثرت بجزء كبير من الحوار ومخرجاته.
الوحدة كمصيدة للاشتراكي
قبل عام 1990، وجدت الولايات المتحدة في الوحدة اليمنية فرصة جيدة للقضاء على الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جنوب اليمن. وبحسب المعايير الأميركية، تعتبر الأنظمة الاشْترَاكية أحد الفيروسَات السياسية الأَكْثَر خطراً وتهديداً لمصالحها.
استعادة الوحدة التي كانت أملَ الـيَـمَـنيين لتحقيق طموحاتهم. كانت بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، مجرد مصيدة للحزب الاشْترَاكي الـيَـمَـني، وبأقل التكاليف.
هذا ما أدركه الحزبُ الاشْترَاكي في السنوات الأولى للوَحدة بعْد أن فقد المئات من كوادره في عمليات اغتيال.
وحين حاول الخروجُ من المصيدة، والمحافظة على ما تبقى من قدراته، لم يجد أيَّ دعم خارجي لاستعادة جمهورية الـيَـمَـن الديمقراطية الشَّـعْـبية، ليفقدَ ذراعَه العسكري في حرب 1994 وتداعياتها.
وعلى الرغم من تخلّي الحزب عن أيديولوجيته بعد انهيار الاتَّـحَـاد السوفيتي، وتحالفه مع القوى الليبرالية الجنوبية لاستعادة الدولة في الجنوب إلا أن دعواته الجادة لإقامة دولة مدنية حديثة، وسعيه الحثيث من أجل ذلك خلال السنوات الأرْبع الأولى من عمر دولة الوحدة. ودوره في خلق حراك سياسي ديمقراطي حقيقي في دولة الوحدة. كُلّ ذلك كان كافياً للأميركيين وحلفائهم ليفرضوا على الحزب مزيداً من العزلة والمراقبة ومنعه من استعادة دولته في الجنوب.
الجنوب ومشروعات الخارج
منذ استعادة الوحدة بين شطري اليمن، ظل الجنوبُ الـيَـمَـني “منطقة شغل” يجري فيها العمل على قدم وساق لتنفيذ عدد من المشاريع السياسية والأمنية، من توطين التنظيمات الإرْهَـابية والحركات الأصولية، إلى خلق الكيانات الانفصالية والمناطقية. فيما اختفى تأثير الحزب الاشتراكي على الساحة اليمنية، و كاد أن يصبح جزءاً من التراث السياسي اليمني.
تقرير مادسن
في تقرير للصحفي الأميركي، واين مادسن، بعنوان: “هل يشهد جنوب الجزيرة العربية ظهور اشْترَاكية جديدة”؟ نشر في موقع “WayneMadsenReports” في نوفمبر2014، وكشف فيه جوانب متعددة من اللعبة الأميركية السعودية الإسْـرَائيْلية في الـيَـمَـن، كتب مادسن: “بالنسبة لواشنطن، اسْتقلَال الجنوب ليس خياراً، وفي حين تنفذ طائرات الدرونز عملياتها ضد الجماعات الانْفصَالية، تقوم المخابرات الأمريكية بحملة تضليل واسعة لتصوير تلك العمليات بأنها ضد القاعدة. ماكينة التضليل التابعة للمخابرات الأميركية، أيضاً، تحاول زوراً، ربط الحراك الانْفصَالي بالقاعدة”.
ويضيف مادسن: “علاوة على ذلك، تتبنى منظمات المجتمع المدني التي يمولها” جورج سوروس * ” البروبجندا الإسْـرَائيْلية باتّهَام الحراك الانْفصَالي بتلقي الدعم من إيران، ويشدد مادسن على أن هذه الاتّهَامات إسْـرَائيْلية خالصة”.
ويحاول الصحفي، واين مادسن، الإجابة على السؤال الذي جعله عنواناً لتقريره “هل سيكون الجنوب العربي واحة للاشْترَاكية من جديد؟”. ويقول: “ومع ذلك، فإن عودة ظهور جمهورية مستقلة، بنظام اشْترَاكي علماني، في الجنوب وعاصمتها عدن، سيقوض ثبات المنظمات الإسْـلَامية الأصولية التي جلبتها تركيا وقطر وإسْـرَائيْل وأميركا إلَـى منطقة الشرق الأوسط، وغيرها من الذرائع”.
وفي ظلّ هذه المشروعات، يصبح اسْتقلَال الجنوب، بالنسبة لأميركا وحلفائها، مشروعاً مؤجّلاً – إن لم يكن ملغياً -.
وحول نوايا الولايات المتحدة في السيطرة على جزيرة سقطرى، قال مادسن إنها تسعى لتحقيق ذلك منذ زمن، لكنها تفضِّلُ أن يكون ذلك من خلال اتّفَـاق من الحكومة المركزية في صنعاء، وليس من خلال دولة مستقلة في الجنوب عاصمتها عدن، أَوْ من خلال “سلطنة القشن” التي تضم المهرة وسقطرى ـ في حالة استعادتها.
خطة فايرستاين
تقسيمُ الـيَـمَـن إلَـى أقاليم، والذي أثار جدلاً واسعاً ولا يزال، هو خطة أميركية لرسم مستقبل اليمن وفقا للمصالح الأميركية والإسرائيلية ـ بحسب تقرير الصحفي الأميركي واين مادسن الذي جاء فيه: ” المُخَطّـطُ تم وضعه بواسطة السفير الأميركي السابق في صنعاء، جيرالد فايرستاين وحلفائه الموالين لإسْـرَائيْل، والمعادين للشيعة في وزارة الخارجية الأميركية، وبتمويل من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، “WINEP” والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي JINSA””.
وقال: تقضي خطة فايرستاين بتقسيم الـيَـمَـن إلَـى ستة أقاليم، متجاهلة رغبات أنصار الله والحراك الجنوبي الانْفصَالي. وهي ليست سوى اختراع جماعات صهيونية والمحافظين الجدد بهدف إبقاء الـيَـمَـن تحت الهيمنة الغربية.
هادي يتبنّى الخطة
” لقد اتخذت قراراً بأن الـيَـمَـن ستكون دولة اتَّـحَـادية من 6 أقاليم، 4 في الشمال وَ2 في الجنوب.. سنعلن القرار الليلة في نشرة الأخبار، ومن سيعترض على الأمر فإنه سيعتبر معرقلاً، وسيتعرض لعقوبات من المجتمع الدولي.”
هكذا استهل الرئيس هادي حديثه خلال ترؤسه اجْتمَـاعاً لقيادات المكونات السياسية المشاركة في الحوار في 22 ديسمبر 2013م، قبل شهر من اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل في صنعاء.
لم يكن القرار الذي أعلن عنه هادي للحاضرين سوى جزءامن خطة السفير الأميركي في صنعاء جيرالد فايرستاين أَوْ “خطة فايرستاين” التي كانت جزءاً من خطة أميركية أوسع لمعالجة الأوضاع على الطريقة الأميركية، قبل أن تتطور تلك المعالجات إلَـى ” تدخل جراحي ” من الجو والبر والبحر بالصواريخ الموجهة والقنابل النيترونية والعنقودية في عُـدْوَان همجي سافر، بدأ في 26 مارس 2015م، ولا يزال مستمراً للعام السادس على التوالي.
مصادر حضرت اجْتمَـاع هادي بقادة المكونات السياسية قالت لصحيفة الأولى: إن أمين عام الحزب الاشْترَاكي، نائب رئيس مؤتمر الحوار، الدكتور ياسين سعيد نعمان قاطع الرئيس هادي مبدياً اعتراضه الشديد وواصفاً القرار بأنه “استبداد غير مقبول”.
وأضاف الدكتور ياسين: “اسمح لي يا فخامة الرئيس: هذا استبدادٌ وأسلوب غير مقبول وخارج عن مفهوم الحوار الوطني الذي نجتمع تحت رايته، نحن نرفض مشروع المؤتمر والإصْـلَاح، مشروع قوى 94 الذي طرحوه قبل 4 أَيَّـام، وللأسف أراك اليوم تتبناه وبشكل واضح، وتنجر لخيارهم”.
وفي حين أبدى الدكتور عبدالكريم الإرياني ممثل المؤتمر ورئيس الهيئة العليا للتجمع الـيَـمَـني للإصْـلَاح، محمد اليدومي، موافقتهما، وقالا لـ هادي: إمض يا فخامة الرئيس ونحن معك.. هدد ياسين بتقديم استقالته، وقال: “إذا أردتم أن تعتبرونا معرقلين، فاعتبرونا كذلك، سأقدم استقالتي إذا مضيتم في هذا المشروع”.
قالبٌ جديدٌ لخطة فايرستاين
بعد جدل حاد بين ياسين وكلٍّ من الإرياني واليدومي، تراجع هادي عن إصدار قراره، ووجّه بتشكيل لجنة لدراسة وحسم الموضوع من كُلٍّ من: ياسين سعيد نعمان، ومحمد اليدومي، وعبدالكريم الارياني، وَخالد باراس.
أختُتم مؤتمر الحوار الوطني في 25 يناير 2014م، وفي 27 يناير أصدر هادي قراراً بتشكيل لجنة لتحديد الأقاليم برئاسته، وعضوية 22 شخصاً بينهم: الدكتور عبدالكريم الإرياني، ومحمد قحطان، والدكتور أبوبكر باذيب الذي أخذ مكانَ الدكتور ياسين نعمان في الأَيَّـام الأخيرة للحوار.
وبخلاف اللائحة التي نظمت عمل اللجان الأُخْـرَى في مؤتمر الحوار، أشترط قرار تشكيل لجنة تحديد الأقاليم حصول “أقصى توافق”، وهو ما يعني تمرير أية مخرجات دون حصولها على توافق الجميع، كما منح القرارُ الرئيسَ هادي حق الفيتو واعتباره مرجعاً لأي خلاف بين الأعضاء، كما اعتبر مخرجات اللجنة نافذة ونهائية.
وفي أقل من أسبوعين، أعلنت لجنة تحديد الأقاليم مخرجاتها ” خارج إطار الحوار”، وتبنت ـ بعلم أَوْ بدونه ـ “خطة فايرستاين” التي كان الرئيس هادي يعتزم إصدارها في 22 ديسمبر 2013م بقرار جمهوري “دولة اتَّـحَـادية من ستة أقاليم، أرْبعة في الشمال واثنان في الجنوب”.
أعلام الخارج و الأقلمة
كانت لجنة الأقاليم ومخرجاتها بمثابة السم الذي دسّه الخارج في عسل مؤتمر الحوار، وقد كان اهتمامُ السفير الأميركي بالإضافة إلى هادي وحلفائه في السلطة بمشروع الأقلمة عن بقية مخرجات اللجان الأُخْـرَى.. لافتاً كما ظهرت وسائل الإعلام السعودية ودول الخليج وبعض الوسائل العربية والدولية التي تدور في فلكها غداة إعلان مخرجات لجنة الأقاليم بعنوان واحد: “رسمياً.. الـيَـمَـن دولة اتَّـحَـادية من 6 أقاليم” كلمة “رسمياً” تكررت في عناوين الصحف السعودية: الرياض، وعكاظ، والوطن، الشرق الأوسط، كما وردت أَيْـضاً في عناوين: النهار اللبنانية، الغد والدستور الأردنيتين، وكالة الأناضول التركية، سي إن إن الأميركية، القدس العربي ” القطرية ” الشروق الجزائرية، موقع قناة روسيا اليوم، والمصدر أونلاين، وغيرها من الوسائل الدائرة في فلك التحالف. ولعل ورود كلمة “رسمياً” في عناوين الخبر بتلك الوسائل لم يكن صدفة، لكنه يشير إلى مطبخ إعلامي واحد يعمل ضمن مشروع لفرض التقسيم كأمر إلهي لا يحتاج لعرضه على الشَّـعْـب أَوْ مؤسساته الدستورية.
الدُمل يتحول إلَـى سرطان
يلخص الصحفي الأميركي، واين مادسن، Wayne Madsen، اللعبة الأمريكية في الـيَـمَـن بأرْبعة حروف: BOIL، وتعني: الغليان، أَوْ الدُمل ـ ويبدو أن الكاتب قصَدَ المعنى الأخير، كما سيتضح لاحقاً، وقد جمع مادسن الحروفَ الأرْبعة لـ “الدُمل” من الأهداف الأميركية الأرْبعة في الـيَـمَـن، وهي:
1 ـ القواعد ” Basses “
2 ـ النفط ” Oil “
3 ـ إسْـرَائيْل ” Israel “
4 ـ أهداف لوجيستية ” Lojestic”.
ويخلص مادسن إلَـى: وكما هو الحال في مناطق أُخْـرَى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من سوريا إلَـى ليبيا، ومن مالي إلَـى شمال العراق، “BOILs – الدماميل” الأميركية أصبحت سرطاناً.
هامش:
• جورج سورس، ملياردير أميركي صهيوني يحتلُّ المرتبة الـ24 في قائمة أغنياء العالم، ويعد من أهم الداعمين لمنظمات المجتمع المدني حول العالم، في إطار مشروعه الذي يسميّه “المجتمع المفتوح”.