المشاركة المجتمعية ليست بديلا عن الخطط التنموية وإنما عامل مساند لها
تركز منهجيات المشاركة المجتمعية على إدارة مساهمة المجتمع حيث تعجز المجالس التي تدير المشروعات عن الاستمرار في إقناع أنفسهم أو المجتمع بتدعيم المشروعات التي شاركوا فيها. وقد يكون هذا ناتجًا عن تفشي الفساد في المجالس الإدارية، أو الحماسة الزائدة للإدارة التفصيلية للموارد أو الاختلال الوظيفي بالكلية أو مجلس الإدارة الفقير أو علاقات القوة العاملة أو التخطيط التنظيمي غير المرضي.. وقد يأتي الحاجة إلى المشاركة المجتمعية نظرًا لتراكم تلك المشكلات بعضها فوق بعض.
الثورة / يحيى محمد الربيعي
مُجتمعات استهلاكية
يؤكد خبراء اقتصاد أن التنمية الاقتصادية الحقيقية والشاملة تمثل بشكلٍ عام تحدِّياً كبيراً يواجه جميع الدول، والتي تعد مُعظمها ضمن الدول النامية، وبالرغم من تطبيقها لمناهج تنموية مُختلفة، صاغها الفكر الرأسمالي، والاشتراكي إلاَّ أنها أثبتت فشلها في تحقيق التنمية الاقتصادية الحقيقية، والمُستدامة لها، لاسيَّما وأن النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا، أصبح لا يُنظر إلى الدول النامية، إلاَّ باعتبارها منبعّاً لنهب الثروات، وأسواقٍ لتصريف المُنتجَات، وأداة من أدوات سيطرته على العالم.
مشيرين إلى أن ربط اقتصاديات الدول النامية باقتصاديات الدول الاستعمارية عملتْ على تقييدها عن طريق الاعانات والقروض والاستثمارات الأجنبية المباشرة، عبر المنظمات الدولية، وبرزت على السطحِ قضايا مشاريع التنمية، حيث صورَّت الدول الرأسمالية، مشاريع التنمية بأنها طوق النجاة للدول النامية، وخاتم الرضا، وبالتالي فلا مفَّر من الارتباط بها، والخضوع لها، لاسيَّما وأنها حالت دون إحداث تنمية اقتصادية حقيقية لتلك الدول، وعملت على إبقائها مُجرَّد مُجتمعات استهلاكية، غير منُتِجة، وأسواقٍ لمُنتجَاتها، وذلك عبر منظمة التجارة العالمية، والشركات “مُتعدِّدة الجنسيات”، ناهيك عن المنظمات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين) التي تتخذ من مشاريع التنمية، وبرامج الإقراض، ستاراً للهيمنة، والسيطرة على العالم، ووسيلة لرهن إرادة شعوب، وحكومات الدول النامية، فأغرقت كاهلها بالقروض الربوية، وفوائدها المُحَّرمة، تحت مُبررات مشاريع التنمية، التي تحدد هي مجالات إنفاقها، وتوظيفها في مشاريع استهلاكيه، غير إنتاجيه، وصناعية، والحيلولة دون نهوضها اقتصادياً.
عمليات أفقية مشتركة
ويرى باحثون في العلاقات الدولية أن العادة جرت على تلغيم المفهوم السياسي بزيف أن الحكومات هي الفاعل الأساس للتنمية، ولا إيمان مطلقا بقدرة الشعوب على المبادرة، بل ووصل الحال بالبعض إلى اعتبار أن “المشاركة المجتمعية” نوع اًمن “قلب الهرم” إن لم تكن مخاطرة غير محمودة العواقب، لافتين إلى أن الحقيقة تؤكدـ وبما لا يدع مجالاً للشك- أن المشاركة المجتمعية لا تحل كبديل للخطط التنموية للدولة وانما تمثل عاملا مساندا لها وعصبا مهما من عصب الاقتصاد.. وللرد على تساؤل: على افتراض عجز الحكومة بأدواتها عن توفير موارد للتنمية، فما هي فرص “المشاركة الشعبية” في تحقيق ما عجزت عنه الحكومة؟
قال خبراء في السياسة: بالتأكيد أن فرص المشاركة المجتمعية سانحة، فالشعوب مبعث الوجود وهدفه.. بل ويمكن من خلال تفعيل المبادرة المجتمعية كبح غرور “الأنا” السلطوية المحتمل وقوفها في وجه المشروع باطنا أو ظاهرا من منطلق السائد والمألوف في أن الوحدات الإدارية مرتبطة بالمركز وليس بقواعدها.. وتحويلها العملية من نظرة فوقية بين السلطات والمجتمع إلى غرف عمليات أفقية مشتركة تتخذ من التنسيق بين امكانيات الجهات الحكومية وعطاءات وجهود المبادرات المجتمعية منطلقات لتحدي كافة الافتراضات التي رسمتها دول العدوان في استراتيجية السيطرة على مقدرات الأمة اليمنية واخضاعها للوصاية والاستسلام لأمر واقع تضع هي محدداته.
وسيلة التنمية وغايتها
ويأتي الرهان على المشاركة المجتعية في رسم ملامح المستقبل_ حسب مختصين_ من منطلق التعريف الوظيفي للتنمية، الذي ينص على أنَّ التنمية هي: “تنمية النَّاس بالنَّاس من أجل النَّاس”، يُصبحُ الإنسان وسيلة للتنمية الاقتصادية الشاملة، وغايتها، في إدراك ملموس لأهميَّة الإنسان، فرداً، وجماعة، في سُلم اهتمامات النهوض الاقتصادي، والتنموي.
وتدور التنمية بكل أبعادها، واتجاهاتها، وأهدافها، حول محور رئيسي واحد، هو الإنسان، لاسِيَّمَا وأنَّ الإنسان هو غايتها، ومحورها الرئيسي في الحاضر، والمستقبل، ورأس المال، والاستثمار الحقيقي لأي أُمَّة.
ومن وجهة نظر ناشطين فإنه لابُدَّ من إدراك أنَّه لا تنمية اقتصادية، سواءً كانت زراعية، أَوْ صناعية وعلمية، دون تنمية الإنسان، وذلك بتعليمه، وتثقيفه، وتدريبه، على كل الفنون، والمهارات، التي تساعده على النهوض، والتطور، فالإنسان هو المحور الأساسي في التنمية، وهو الفاعل الأول في هذا الكون، خاصَّةً إذا ما أدركنا أنَّ الكون موجود لخدمة الإنسان، ومُسخَّر له، والغاية هي عمارة الكون، وبنائه، وتشييده، ذلك أن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها، وأن التنمية لا تقوم إلا على أساس من الشراكة الجمعية بين المجتمع والدولة والتكامل الخبراتي والمعرفي.
التنمية الزراعية
وفي ورشة عمل تحت عنوان “التنمية على هدى الله”والتي نظمتها وزارة الزراعة مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا بالتنسيق مع مؤسسة بنيان التنموية أكد محمد المداني المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية أن الزراعة وتطوير وتحسين إنتاجها يأتي في أولويات الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.. ولذلك وجب على الجميع استنهاض الهمم والاعتماد على الذات والتكامل والاستفادة من القدرات العلمية في الإنتاج وتعدد وسائل الزراعة لتنمية الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات المجتمع من الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض فاتورة الاستيراد.
وقال: يأتي الاسهام في تطوير المشاركة المجتمعية لتنفيذ المشاريع الزراعية وتعزيز دور المجتمع بما يكفل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء من خلال خروج السلطة المحلية برؤية عمل موحدة حول كيفية المشاركة المجتمعية في إنجاح مشاريع التنمية الزراعية، وما ستقدمه من التسهيلات اللازمة لتنفيذ مشاريع زراعية ناجحة بمشاركة المجتمع المحلي والمزارعين باعتبار القطاع الزراعي أحد القطاعات الواعدة لتوفير الغذاء وتحقيق الاكتفاء والتصدير ورفد الاقتصاد الوطني.
مشيرا الى أن المشاركة المجتمعية تتسم بقدر كبير من التكامل والاستقلالية محلياً، وهي شكل من أشكال تعويد أفراد المجتمع على العون الذاتي وعلى تحمل مسؤوليتهم الذاتية في تحقيق غايات لا تشمل أهدافاً اقتصادية فحسب ولكن تشمل أيضاً أهدافاً اجتماعية وبيئية، من قبيل القضاء على الفقر، وتفعيل العمالة المنتجة وتشجيع الاندماج الاجتماعي.
مشيرا الى أن زيادة الوعي بشأن المشاركة المجتمعية يعزز نطاق الشراكة الوطنية وتوسيعها بين المبادرات التعاونية والجهات الفاعلة الأخرى، بما فيها الحكومات، وعلى الأصعدة المحلية.
لافتا الى أن معظم مناطق الريف اليمني يعتمد على الزراعة كنشاط اقتصادي مركزي، وهو الآن يعيد بنجاح تجربة التعاونيات الزراعية في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي التي لعبت وقتها دورا أساسياً في دعم القطاع الحيوي وفي تصريف الانتاج وتشجيع الناس على تأسيس تعاونيات في المجالات الحيوية المختلفة.
وتابع: لقد أثبتت التعاونيات بمختلف أشكالها وأنواعها قدرتها الفائقة والفاعلة في تعزيز مشاركة كافة الناس في مختلف البيئات والثقافات، بمن فيهم النساء والشباب والمسنون والأيتام والأشخاص ذوو الإعاقة، على أتم وجه ممكن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما جعل التعاونيات عاملاً رئيسياً من عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاسهام في القضاء على الفقر من خلال تفعيل تعاونيات خاصة بكل قطاع من أجل تحقيق أعلى مستويات الإنتاج الجانبي، وتوزيع الموارد بأكثر الطرق انصافاً واستدامة.
واليوم تعد الجمعيات والاتحادات التعاونية من أهم الكيانات الاعتبارية الجاري إعادة تفعيلها وتمكينها من الدفع بعجلة التنمية والبناء نحو التقدم والازدهار.
مبادرات أهلية
يعيش اليمن منذ مطلع العام 2015م عدوانا مستمرا من تحالف الشر السعودي الإماراتي، أسفر عن انهيار في الوضعين الإنساني والاقتصادي، في حين وجد 80 % من سكان البلاد أنفسهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، غير أن تلك الأوضاع لم تمنع اليمنيين من تكوين مبادرات مجتمعية تساند الأجهزة الحكومية، من بينها مبادرات شق الطرق في القرى بعد أن غاب العمل بهذه الروح التعاونية منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
اكد فاعلون محليون من قادة العمل الاجتماعي أن من محاسن العدوان أنه أعاد تذكير الأهالي بضرورة الاعتماد على أنفسهم، وأن على كل فرد لديه شعور بالمسؤولية أن يشارك في مشروع مبادرة لشق طريق أو حفر بئر أو إنشاء وحدة صحية بما يتناسب مع إمكانياته.
مشيرين إلى أن البلاد تحتاج إلى موجة من المبادرات المجتمعية، ولابد أن نعرف أن أحدا منا لن يكون في منأى عن تحمل مسؤوليته تجاه مجتمعه، خصوصا أن الأهالي في حاجة ماسة للعديد من الخدمات.
لافتين إلى أن آثار العدوان كانت تعصف بالبلاد فإن الاعتماد على الحكومة لتنفيذ مشاريع في أي مجال بات غير متاح في ظروف كالتي تمر بها اليمن جراء العدوان، فقد اتجه الأهالي في قرى عدة من الريف اليمني إلى المبادرات الطوعية.. وهذه قرية الشرف والقرى المجاورة لها بمديرية وصاب محافظة ذمار تبادر بجهود أهاليها لجمع تكلفة شق الطريق التي وصلت في مرحلتها الأولى إلى أكثر من 20 مليون ريال يمني (36 ألف دولار).. الطريق الرابط بين قرى الشرف كان حلما للسكان وأصبح واقعا.
وقالت مصادر محلية أن المبادرات المجتمعية ما لبث أن انتقلت كالعدوى إلى قرى ومديريات المحافظة، حيث بدأ الأهالي في المديرية ذاتها بشق طريق جبلي يكلفهم حسب التكلفة الأولية قرابة 50 مليون ريال يمني (100 ألف دولار) بعدما استعصى عليهم منذ عقود.
ثمرات آنية
كما أكدت ذات المصادر أن المبادرات المجتمعية لاقت رواجا كبيرا بين السكان المحليين، وظهرت بصورة أكبر في صناديق خيرية للقرى والمجتمعات المحلية..وأن المبادرات انبنت على مساهمات شهرية للأهالي بمبالغ رمزية تصرف في علاج الفقراء أو دفع رواتب المعلمين أو شراء كتب للطلاب.
كما شكل الأهالي مبادرات لحفر الآبار وإنشاء خزانات المياه ودعم الزراعة بالبذور والأسمدة، ولم يقتصر ذلك على الريف فقط، بل شكلت المبادرات نوعا من المقاومة ضد العدوان التي عصفت بأغلب البنية التحتية، حيث فرض الأهالي إعادة الحياة إلى أحيائهم ومدنهم.
ولا يوجد إحصاء بعدد المبادرات الأهلية في اليمن لكن المعلوم أن المبادرات في مجملها تعمل وفق آليات مستدامة وأهداف مختلفة لتحقيق التنمية في ظل العدوان من خلال تقوية شبكة حماية المجتمع، وتوفير فرص العمل وسبل المعيشة والخدمات الأساسية طويلة الأثر.