وليد احمد الحدي
يقوم مفهوم الشراكة المجتمعية على حشد الإمكانات المادية والفكرية للحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في سبيل إحداث تغيير إيجابي لتحقيق التنمية المستدامة بما يعود بالفائدة على المجتمع والدولة، مع إشراك كافة الشرائح بما فيها الفئات المهمشة للاستفادة من الطاقات في سبيل تحقيق الهدف المنشود .
إن فكرة الاعتماد المطلق على الحكومة في تحقيق التنمية فكرة يعتورها النقص، هي كَيَد وحيدة.
تحاول التصفيق، فالدولة ليس بمقدورها القيام بذلك الدور وتحديد مكامن الضعف والخلل بمعزل عن بقية عناصر المجتمع مهما كانت قدراتها ما يستدعي تضافر جميع الجهود بلا استثناء، المسؤولية تقع على عاتق الجميع والعملية تكاملية سيما ونحن نرزح تحت ظروف قاسية ونعوِّل في جزء كبير من الحل على المشاركة المجتمعية .
ولا ينبغي الانتظار حتى تتوفر الظروف النموذجية والموضوعية للبدء في تأسيس مشاريع خاصة في المجال الزراعي والصناعي، فالمزارع الذي يستثمر جهده وماله في زراعة الأرض وإنتاج الفاكهة والحبوب وغيره من المحاصيل أو تربية الماشية لا تعود الفائدة عليه فحسب, بل على المجتمع المستفيد من ذلك الإنتاج وذلك المحصول بسعر وجودة مناسبة ويستفيد الاقتصاد الوطني من عملة صعبة كانت في طريقها إلى الخارج لتغطية تكاليف الاستيراد، والمستثمر الذي يوظف أمواله في تأسيس مصنع ويوفر فرص عمل لعشرات الشباب العاطلين ويلتزم بدفع الضرائب والزكاة، فهو شريك إلى جانب الحكومة في التنمية والتخفيف من البطالة والفقر, ويُعد مصدراً تستفيد من إيراداته خزينة الدولة، وهنا بيت القصيد.
ست سنوات من عمر العدوان عانى فيها المجتمع اليمني الأمرين نتيجة ظروف اقتصادية قاسية وانقطاع المرتبات وتدهور العملة يفترض أن تكون بداية لتدشين مرحلة جديدة وإحداث تغيير جذري في طريقة تفكيره وإعادة النظر في العلاقة ما بينه وحكومته للمشاركة في مهام البناء والتخطيط بمشاركة جميع فئات المجتمع الزاخرة بالإمكانات المادية والفكرية الكفيلة بتحقيق تحول كبير على جميع المسارات .
يتوجب على الجميع سواءً كان رجل أعمال أو مغترباً أو موظفاً أو مزارعاً أو طالباً أن يضع بصمته ومساهمته المجتمعية في إعادة بناء الاقتصاد ومكافحة الفساد وتقديم الرؤى والخطط الاستراتيجية التي من شأنها اختصار الوقت وتعويض ما دمرته آلة الحرب.. لنلاحظ ماذا طرأ على المجتمع خلال السنوات الماضية بعد توقف كثير من مصادر دخل صنعت من البعض عالة عليها دون إنتاج حقيقي! لجأ البعض إلى ترجمة أفكار خلاقة وتأسيس مشاريع صغيرة في المجال الزراعي والخدمي وفرت الآلاف من فرص العمل وأحدثت استقراراً مادياً نسبياً لكثير من الشباب الذي أدرك المعنى بين أن تصبح مُنتِجاً أو أن تكون مُستهلِكاً .
هذا ما يتوجَّب المُضي عليه، فكّر كيف يمكن أن تخدم بلدك ومجتمعك؟ كيف يمكن أن تقدم خدمة لأقرب أصدقائك، إذا كانت لديك قطعة أرض صغيرة في فناء منزلك, فلا تتردّد في زراعتها بالطماطم أو استغلالها في تربية الدواجن أو النحل، يكفي أن تحقق اكتفاء ولو جزئياً لأية سلعة كانت، وإن كانت لديك إمكانية مادية، فبإمكانك أن تستثمرها في أي مجال يعود عليك وعلى بلدك بالمنفعة، لا تستهن بفكرة أو مشروع مهما كان صغيرا، المشاريع العملاقة ابتدأت بأفكار بسيطة للغاية كان لها الأثر البالغ على أصحابها ومجتمعهم، لا تدَع أفكارك ومشاريعك حبيسة ذهنك، لا تؤجلها حتى ينتهي العدوان، نعم رأس المال جبان ولكن الظرف يستدعي العمل وعدم التسويف، وهنا أشيد بالشباب الذين حطّموا حاجز الخوف وأسّسوا مشاريع في ذروة القصف والدمار, وها هي اليوم قد توسعت وأصبح لها شأن لا يُستهان به.
من اليوم يفترض بنا إلغاء فكرة أن الحكومة مسؤولة عن توظيف مخرجات التعليم، مثل هذه الأفكار لا تؤهل كادراً ولا تبني اقتصاداً وتشجع على الاتكالية، كثير من بلدان العالم المتقدم غير مسؤولة عن ذلك, لكنها في الوقت نفسه تحمل على عاتقها مسؤولية تهيئة المناخات الملائمة وتوفير القروض اللازمة للشباب لإعانتهم على تأسيس مشاريع صغيرة قادرة على خلق شركاء حقيقيين إلى جانبها في عملية البناء والتنمية والقضاء على الفقر والبطالة, لا أن تخلق مستهلكين يشكلون عبئا عليها في ظل مزيج من النمو السكاني ونقص الموارد.
المشاركة المجتمعية مسؤولية الجميع في البناء والتعمير والتخطيط الاستراتيجي والإنتاج الزراعي والاستثمار الصناعي وإقامة مشاريع البنى التحتية والبحث العلمي، ومن يُراهن على الانتظار حتى تتحسن الظروف أو تتوقف الحرب وتستقر الأوضاع ما يدفعه لتأجيل فكرة أو مشروع فهو مُخطئ, لأن توقف الحرب مرهون بمدى استغنائها عن خدمات الخارج، ومتى ما اكتفينا بإنتاجنا الزراعي وتمكّنا من استئصال بؤر الفساد والفاسدين, فسوف نحقق التقدم على جميع المستويات، حينها لن يجرؤ أحد على إلحاق الضرر بنا أو محاربتِنا ومصادرة قرارنا.. ولله عاقبة الأمور .
* رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي
Next Post
قد يعجبك ايضا