فقدت خطوة الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي والتي اشتهرت باسم (اتفاقية العار) عامل الصدمة، والذي احتكره مشهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات بزيارته للقدس المحتلة، وتوقيعه لاحقاً اتفاقية (السلام) والتي على إثرها خرجت مصر من المشهد المقاوم، ولا تزال من وقتها وحتى الآن، تعيش سنوات التيه بحثًا عن دورها ومكانتها المفقودين.
إيهاب شوقي*
ورغم افتقاد عامل الصدمة والتأثير الكبير للخطوة المصرية في سبعينات القرن الماضي، إلا أن الخطوة الإماراتية ربما يكون لها تداعيات أخطر، لما نراه من ارتباط وثيق بينها وبين جوهر “صفقة القرن” المزعومة، وهنا نحاول بيان أسباب افتقاد عامل الصدمة، ونحاول استقراء الخطوة وما يرتبط بها من خطوات لاحقة متوقعة، وبيان جوهر “صفقة القرن” الحقيقية وعلاقته بالخطوة الإماراتية.
أولا: لماذا افتقدت الخطوة إلى عامل الصدمة؟
هناك عدة عوامل جعلت من الخطوة أقرب للإعلان المتوقع بل والمتأخر عن موعده نظرا لعدة أسباب منها:
1 – أن الإمارات دويلة صغيرة وليست من دول الطوق والمواجهة وعلاقتها بالولايات المتحدة وما توفره لها من مظلة حماية تجعلها أقرب للكيان الوظيفي الذي ينفذ السياسات الأمريكية بالمنطقة، وبالتالي فإن أي خطوة مطلوبة لترضي الأمريكيين، هي خطوة متوقعة ومفهومة من قبل هذه الأنظمة التابعة.
2 – العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية لها جذور بعيدة، وهناك إلى جانب التسريبات المتعلقة بالتفاهمات والتنسيق، خطوات عملية أعلن عنها بالفعل، وهو ما جعل إعلان تدشين العلاقات أمرًا متأخرًا عن موعده.
3- الالتزام الإماراتي بالعمل العربي المشترك تقلص في السنوات الأخيرة ليصبح التزامًا بالعمل الخليجي فقط، وهناك شبه إجماع خليجي على التطبيع وإقامة العلاقات مع العدو حتى دون ربط بحالة القضية الفلسطينية وما لحق بها من طعنات ومحاولات للتصفية.
4- من المفهوم ضمنيًا أن العداء المفتعل وغير المبرر لإيران ومحور المقاومة هو عمل بالأساس لصالح العدو الإسرائيلي والمصالح الأمريكية بالمنطقة، وبالتالي ليس مستغربا الإعلان عن ذلك بين لحظة وأخرى.
ومن هنا فإن دعوة الرئيس الإسرائيلي، روفين ريفلين، ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد إلى زيارة القدس المحتلة لم تكن صادمة، كما لم تعد صفعة التكذيب العلني التي قام بها نتنياهو بنفي ربط العلاقات بتأجيل أو إلغاء ضم الضفة، صفعة مدوية لأن الكذبة كانت واضحة وجلية من الأساس.
ثانيا: الخطوات اللاحقة المتوقعة:
في إطار ما ناقشناه بخصوص الإمارات والخليج بشكل عام، فإن مزيدا من الخطوات الخليجية قادمة، والحديث يتواتر عن خطوة سعودية وشيكة وربما بحرينية وعمانية، ولكن هناك ربما تداعيات أبعد يمكن توقعها:
1- السودان وبعد انقلابه المدعوم إماراتيا، وبعد لقاء البرهان بنتنياهو والحديث العلني عن إقامة علاقات وشيكة، يعكس أن دور الإمارات في دعم الانقلابات لم يكن كما يشاع بخلفية العداء لتنظيمات إسلامية مثل الإخوان، بل لغرس أنظمة تقبل بإقامة العلاقات مع الصهاينة وتستطيع بسط سطوتها العسكرية وتمتلك القوة الكافية لتمرير خطواتها، وهو ما يفسر اختيار الإمارات للتعامل مع الجنرالات!
2- ربما تحدث اختراقات في المغرب العربي، وموريتانيا مرشحة بقوة لإحداث هذا الاختراق.
3- الدور الإماراتي في العدوان على اليمن والإصرار على تقسيم الجنوب ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي، حتى ولو اصطدمت مع مصالح السعودية وحدثت حرب عبر وكلاء الدولتين على الأرض، يعكس الدور الإماراتي لتسليم باب المندب خالصا لسيطرة قوى تابعة لـ”إسرائيل”، ولنتأمل تصريحات المجلس الإنتقالي المدعوم إماراتيا، والتي أعلن بها رغبته في الاتصال والتعامل مع العدو الإسرائيلي!
وهنا لا نستطيع تبرئة السعودية بعدم العمل لصالح (إسرائيل)، فالحكومة التي تدعمها التقت بنتنياهو، ولكن هناك وجهات نظر متباينة في شكل اليمن الجديد الذي تحلم كل من السعودية والإمارات بتشكيله، وهو في الحالتين لن يخرج عن نطاق السيطرة الإسرائيلية.
ثالثا: جوهر وفلسفة “صفقة القرن” وعلاقتهما بالخطوة الإماراتية:
عندما يقول رئيس الكيان الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين في خطاب الدعوة لمحمد بن زايد لزيارة القدس المحتلة، إنه يأمل في أن يؤدي الاتفاق إلى الرخاء الاقتصادي والاستقرار في الشرق الأوسط، فهو ربط مباشر بمشروع بيريز المعروف بـ(الشرق الأوسط الجديد)، وهو إشارة إلى تطبيع شامل مع العدو، والشمول هنا يعني كافة الدول وكافة المجالات وهو ما نقرأه في ثنايا تصريحات سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، والذي قال عن الاتفاق “إنه تقدم كبير في العلاقات العربية الإسرائيلية من شأنه أن يخفف التوتر ويخلق طاقة جديدة للتغيير الإيجابي”.
وهو ما نستشفه مما أعلن بخصوص أن الإمارات والعدو الإسرائيلي سينضمان إلى الولايات المتحدة في إطلاق “الأجندة الإستراتيجية للشرق الأوسط”.
وهنا ندخل مباشرة إلى جوهر وفلسفة “صفقة القرن” المزعومة، وقد قلنا مبكرا، أنها أعمق من مسألة تبادل أراض أو وطن بديل أو حتى اتفاقيات سلام، لأن الحاق “صفة القرن” بالصفقة، تعني تغييرًا جذريًا في مفهوم الصراع وعنوانه وأطرافه، عما كان معروفًا في القرن الماضي.
أي أن الصراع العربي الصهيوني، والذي اتسم به القرن الماضي، يراد له في القرن الجديد أن يصبح الصراع العربي الإيراني، أو بشكل أشمل وأدق، الصراع العربي مع محور المقاومة، ووصف كل العرب من المنتمين لمحور المقاومة بأنهم أذرع أو أدوات لمشروع (فارسي) توسعي!
جوهر الصفقة هو استبدال العدو، والعداء بتحالف مع الصهاينة ضد المقاومة، وذلك لاستبدال العزلة الصهيونية التي سادت القرن الماضي، بعزلة للمقاومة، وكأن المقاومة ومحورها هما الخارجان عن الشرعية الدولية والإجماع العربي الذي اتفق على التطبيع وأن العدو هو المقاومة وإيران.
ربما يظهر من تصريحات بومبيو انعكاس لهذا الطرح، حيث عقب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على اتفاق العار بالتعبير عن أمل بلاده في أن “تكون هذه الخطوة الجريئة الأولى في سلسلة تنهي 72 عاما من العداء في المنطقة”.
ولا شك أن هذه الصفقة لا تتعلق بترامب وكوشنير فقط، فهي خطة أمريكية صهيونية عابرة للإدارات ويتم العمل عليها منذ فترة، والدليل على ذلك هو ترحيب المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية جو بايدن بالاتفاق الذي وصفه بـ “التاريخي”!
* كاتب مصري