الحقد يدفع شابا◌ٍ إلى قتل ابن عمه

مؤلم أن تكون في عز شبابك تعيش حياتك طولا وعرضا ترنوا بناظريك نحو عمر رغيد يمتد لمائة عام أو يزيد وفجأة تجد نفسك مرميا داخل قفص في قاعة المحكمة ووصمة المجرمين واضحة على جبينك ولاشيء يشغل بالك غير كم سويعات باقية من عمرك ستعيشها قبل أن يأتي عشماوي حاملا تذكرة خروجك من الحياة وانتقالك إلى عالم الأموات..
هذه القضية بطلها شاب في مقتبل العمر لم يعجبه أن يعيش هو وابن عمه الذي في مثل سنه على كوكب واحد فقرر ذات يوم أن يقتله ويتخلص منه ولكنه لم يكن يعلم انه بقراره هذه يكون قد أنهى حياته وحياة ابن عمه لأن عدالة السماء والأرض لن يتركاه ينجو بجريمته دون عقاب.
اسمه يحيى ويبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاما كان يحلم بعمر أكثر بكثير من هذه السنوات ولكن لا فائدة فلم يبق في رصيد حياته سوى بضعة أيام أو أشهر منتظراٍ الإعدام.
فقبل ثمانية وعشرين عاما ولد يحيى وفرحت به أسرته فرحاٍ كبيراٍ وفي العام ننفسه احتفلت الأسرة بقدوم مولود آخر اسمه نجيب وهو ابن عم يحيى
عاش يحيى ونجيب طفولتهما بسعادة تامة وكان الاثنان أشبه بالأخوين في كل شيء غير أن نجيب كان لديه أخ يصغره بسنتين بينما يحيى كان وحيد عائلته بالنسبة للأولاد الذكور إلا أن ذلك لم يغير من علاقتهما في شيء فنشأ الاثنان اخوين وصديقين حتى تجاوزا العشرين عاما.
وفي عامه الخامس والعشرين تغير سلوك يحيى بسبب إدمانه على شرب الخمر وانفق الكثير من أمواله فأثر ذلك على أخلاقه وتعامله مع الآخرين وبدأت سمعته في التراجع واهتزت الصورة المرسومة له لدى أبناء قريته بينما ظلت صورة ابن عمه نجيب كما هي عليه في الثبات والاحترام. وفي احد الأيام اختفى يحيى من القرية من دون سبب وفي نفس الوقت اختفت معه إحدى الفتيات وحين عاد إلى الحي اتهم بالزنا وارتكاب الفاحشة مع الفتاة ورغم أن هذه الحادثة لم تَثر بشكل كبير وانطفأت شعلتها قبل غليانها بسبب إجباره على الزواج من الفتاة التي هربت معه إلا أنها ظلت وصمة عار في وجه الشاب والفتاة طوال حياتهما.
خلال الثلاث السنوات الأخيرة لوحظ تجنب يحيى الاختلاط كثيرا بأبناء عمه وبالتحديد نجيب صديق الطفولة وسنوات الشباب الأولى فلم يستغرب احد هذا التصرف وارجعوا ذلك للانحدار الخطير الذي حدث في حياة يحيى خاصة بعد إدمانه على السَكر.
وذات مساء شديد الظلمة قضى يحيى ليلته في الشرب وضاعف من كميات المسكرات ومع كل دفعة يتلقاها جوفه كان يحيى يعود بذاكرته إلى الوراء فيتذكر كيف كانت حالته وكيف أصبح وكان لابد من المقارنة بين حاله الضائع على يديه وبين حال ابن عمه نجيب الذي يخطط لحياته وبناء مستقبله المشرق كواحد من أفضل أبناء القرية الناجحين.
فلعبت الخمرة برأسه وقرر أن يتخلص من صديقه القديم نجيب بأي طريقه كانت حتى يستطيع أن يعيش حياته القادمة بحرية وبعيدا عن مقارنة الآخرين له بابن عمه المولود معه في عام واحد.
وفي الصباح حمل يحيى سلاحه كلاشنكوف بعد أن حشاه بالرصاص وخرج من منزله عازماٍ تنفيذ جريمته وقتل ابن عمه والارتياح التام والكامل منه ولأنه يعلم مواعيد خروج نجيب كل صباح للعمل على سيارته وكسب عيشه ومواعيد عودته إلى المنزل فقد حرص على انتظاره خارج القرية والقضاء عليه بعيدا عن أعين الناس معتقدا انه سينجو بفعلته الشنيعة دون أن يشك أحد بأنه القاتل.
اتخذ يحيى موقعا على مقربة من طريق السيارات منتظرا مرور نجيب بسيارته كعادته كل يوم وما هي إلا لحظات حتى لمح بنظره السيارة قادمة نحوه فتبسم يحيى وجهز نفسه للحظة الخلاص لكن الابتسامة سرعان ما تلاشت وانمحى أثرها مع اقتراب السيارة منه إثر ملاحظته أن نجيباٍ ليس لوحده كما كان يتوقع والأدهى من ذلك أن الشخص الذي كان مع ابن عمه على متن السيارة هو الأخ الأصغر لنجيب ولكنه مع ذلك أصر على تنفيذ ما في رأسه وإن أدى ذلك إلى قتل ابني عمه الاثنين..
استغرب نجيب وقوف ابن عمه في هذا المكان من الطريق فأوقف سيارته وألقى عليه التحية مستفسرا عن سبب تواجده هناك ولكنه فوجئ بسيل من الطلقات النارية تنهال عليه من سلاح يحيى وتخترق جسده وكانت كفيلة بالقضاء عليه فضلا عن أخرى أصابت أخيه ولكنها لم تكن قاتلة .. ثم عاد يحيى إلى منزله وكان شيئا لم يكن معتقدا انه تخلص من ابني عمه دون أن يعلم أن أحدهما لا يزال عائشاٍ وسيفضح أمره .
وصل صوت الطلقات النارية إلى مسامع العديد من أبناء القرية فتوجهوا مسرعين إلى مكان الحادث وقاموا بإسعاف سليم فيما وجدوا أخاه نجيب جثة هامدة.
علم الأهالي أن الجاني هو يحيى فحاول عقال واعيان المنطقة التدخل وحل المسألة ودياٍ عن طريق ما يعرف بالصلح القبلي بين أسرتي الجاني والمجني عليه لكن هذه المساعي باءت بالفشل ووصل بلاغ عن حادثة القتل إلى مركز الشرطة وفوراٍ تحرك رجال الأمن إلى القرية المعنية للقبض على الجاني وتقديمه للمحاكمة العادلة أمام القضاء والقانون وليعرفوا منه حيثيات وأسباب قتله ابن عمه.
وصل رجال الأمن إلى تلك المنطقة وطلبوا من يحيى تسليم نفسه وعدم المقاومة ولكنه رفض ذلك وتحصن في منزله وقام بإطلاق الأعيرة النارية على رجال الأمن الذي بادلوه إطلاق النيران وتمكنوا بعد ذلك من القبض عليه..
أثناء التحقيق معه اعترف يحيى بجميع التهم الموجهة إليه وهي قتله عمدا وعدوانا ابن عمه نجيب بأن أطلق عدة أعيرة نارية من سلاحه الآلي وكذلك شروعه في قتل شخص آخر وهو سليم اخو المجني عليه الأول كما اعترف باعتدائه على رجال الأمن أثناء تأدية واجبهم إضافة إلى تناوله الخمر وإدمانه عليه منذ نحو ثلاث سنوات.
استمعت المحكمة إلى أدلة الإثبات التي قدمتها النيابة إليها وأصدر رئيس المحكمة حكما بإعدام يحيى لينهي بذلك حياة هذا الشاب الذي سمح للشيطان بأن يغرقه في وحل الجريمة.

قد يعجبك ايضا