في محراب أدب المرحوم اللوزي

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي
لم أتوقع يوماً أني سأرثي الصديق العزيز الأديب والشاعر والمثقف حسن أحمد اللوزي “رحمه الله تعالى”.. منذ عرفته كان دائماً يظهر نوعاً من التحدي والقول بأن العمر سيمتد به أكثر من الآخرين، وهذا ما حدث بيني وبينه والشاعر الكبير المرحوم إسماعيل الوريث “رحمة الله عليه” ونحن في الطريق من تعز إلى صنعاء ، كنا قد توقفنا لدى الأديب والمثقف المعروف عبدالله أمير أطال الله عمره وكان يومها مديراً للإعلام في محافظة إب ، ودار حوار حول من سيرثي الآخر ، وقد تحققت نبوءة حسن اللوزي فيما يتعلق بالشاعر الكبير إسماعيل الوريث فقد سبقنا إلى الرفيق الأعلى ولم تتحقق بشأني وبشأن الأستاذ عبدالله أمير ، فها هو اللوزي يترجل قبلنا ويفارق الحياة بعيداً عن مسكنه وعن وطنه ، وهذا هو الدور المُخزي للعدوان الذي فرَّق اليمنيين ، ما يُحسب للوزي أنه تراجع في موقفه ورفض أي مشاركة بعد مشاركته الأولى التي تمت في اجتماعات “أوسلو” وكأن قصائده الملحمية وقصصه القصيرة التي كان يتحدث فيها عن جحافل الصحراء وبدو الصحراء ويحذر من غزوهم اليمن أيقظت فيه روح الإباء والكرامة ، فعاد ليستقر في القاهرة مع بعض المشاركات التي كانت من باب رفع العتب فقط – أعتقد هذا – لأني أعرف اللوزي وأعرف توجهه منذ أن كان مسؤولاً للإعلام والثقافة في نادي الوحدة، بعد ذلك تدرج في المناصب إلى أن تولى منصب وزير الإعلام والثقافة وتنقل في مناصب أخرى .
الحقيقة التي لا ينكرها أحد أن الإعلام عندما تولاه الأستاذ يحيى حسين العرشي شهد نقلة نوعية كبيرة في مجال الإعلام والثقافة والأدب، إذ كانت الندوات تُعقد بشكل أسبوعي إن لم يكن يومي ، وأول ما عرفت حسن اللوزي حين كُنا في ندوة قصصية أُلقيت فيها قصص قصيرة من قبل المرحوم الأستاذ المحامي عبدالرزاق الرقيحي والأستاذ المرحوم عبدالله الرديني وأنا ألقيت قصة في نفس الندوة كانت بالنسبة لي القصة اليتيمة ، وهذا ما جعل اللوزي يعتب عليّ كثيراً ويطلب مني أن أُسلمه المجموعة ليتولى طبعها بعنوان (السقوط على الأسطح العارية) كان قد زكاها وأشاد بها وكذلك لقيت ترحيباً وتزكية كبيرة من الأديب والشاعر الكبير الأستاذ محمد علي الشامي أطال الله عمره .
من لا يعرف اللوزي ومن لم يجلس معه أكيد أنه سيخطئ كثيراً في تقييمه ويعتقد أنه إنسان مجرَّد من الحنان والعطف والمشاعر الإنسانية والوطنية، وهذا الاعتقاد غير صحيح تماماً ، وإن كان قد ركب الموجة في فترة من الفترات عندما تولى وزارة الإعلام والثقافة ، إلا أنه في أعماقه كان إنساناً طيباً بسيطاً يمتلك صفات إنسانية نادرة ميزته في كثير من المواقف وجعلته أكثر نقاء.. هذا هو اللوزي الذي عرفته كان لا يتحرج أحياناً عن مصارحة الأصدقاء بما يدور في أعماقه من أفكار لا يستطيع الإفصاح عنها ، وهذه التلميحات سمعتها منه كثيراً وسمعها غيري ممن كانوا يعرفون حسن اللوزي عن قرب ، ففي ذات يوم حدثني عن المطلوب منه قائلاً : مطلوب أن أعاديكم أنتم الهاشميون جميعأً ، وهذا هو توجه الدولة المسنود بمؤازرة الإخوان والمدعوم سعودياً ، ماذا أصنع ؟! كل أصدقائي هاشميون .. وذكرني بزيد المنصور ومحمد علي الشامي وإسماعيل الوريث وآخرين ، مثل هذا الاعتراف بالفعل يدل عن نفسية راقية وجدت نفسها فجأة في معترك الصراع ، لكنها لم تضل الطريق بل ظلت متمسكه ببعض القيم وغير مستعدة لأن تفرِّط بها، وذلك ما عبَّر عنه المرحوم في بداية العدوان فقد واصل الكتابة في صحيفة الثورة في يوميات الخميس إلى أن أفزعته صواريخ الأعداء فقرر السفر للعلاج ، وكم كانت المفاجأة بالنسبة له كبيرة جداً عندما تعرض للإهانة والتحقيق في مدينة بيشة أثناء سفره إلى الأردن حيث كانت الطائرات تُفتش من قبل النظام السعودي ، فلقد اتصل بي وحدثني بمرارة عن ذلك الموقف الصعب الذي تعرض له ، حينها ذكَّرته بكتاباته النارية ضد آل سعود سواءً في القصص أو القصائد التي كان يكتبها وينشرها البعض، ومنها نشرها في منشورات خاصة لأنه كان سيتعرض للإيذاء لو نشرت في الصحف الرسمية وهذا ما جعله يتخفى ويميل إلى الرمزية ، كما حدث في كتابته بشكل أسبوعي من خلال عموده في صحيفة 26سبتمبر ، فقد كان العمود عبارة عن مقطوعات شعرية متسلسلة ، أي أن الهيلمان والسلطة لم تفصلا المرحوم عما يعتمل بداخله من قيم ومبادئ وأحاسيس، كان الشعر والأدب هما وسيلته الوحيدة للتعبير والإفصاح عنهما ، قد تكون الأيام أجبرته على أن يكتب بعض القصائد أو المقطوعات التي حملت عبارات التأييد والولاء إلا أنها بدت ركيكة ولم تكن بذلك العنفوان الذي كنا نقرأه في شعره الذي يتعلق بالوطن وبهموم أبنائه ، بالذات عندما يتحدث عن أطماع النظام السعودي ومؤامراته المتواصلة على اليمن واليمنيين ، كان في هذه الحالة يكتب بكبرياء وعنفوان ليُعبَّر عن حسن اللوزي الذي عرفناه على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، بدأت أقرأ للوزي قصائد نارية ضد النظام في نشرة “الديمقراطي” حيث كان حسن من المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الثوري ، وكان يلقى دعماً كبيراً من الأحزاب اليسارية ، أذكر أن الأستاذ يحيى حسين العرشي عندما طلب من الأستاذين عبدالباري طاهر وعبدالله أمير ترشيح وكيلين للوزارة لم يتردد أحدهما ، نطقا بصوت واحد “حسن اللوزي وزين السقاف” ، وفي تلك الفترة تم تشكيل أول فرع لاتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين في صنعاء ، وحاز المرحوم اللوزي على 90% من الأصوات والجميع اختاروه رئيساً للفرع ، وبغض النظر عما جرى بعد ذلك من تبدل في المواقف والانغماس في هموم الحياة إلا أن المرحوم حسن اللوزي ظل متمسكاً بنفس القيم ، وها هو يودع الحياة في المدينة التي أحبها ونهل العلم فيها وارتوى من نيلها ، وهذا ما يجعل رحيله في هذا السن خسارة كبيرة للوطن ولأبنائه ، و لا يسعنا هنا إلا أن نُعزي أبناء وإخوان الفقيد ، سائلين الله سبحانه وتعالى بأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، وأن يسكنه فسيح جناته.. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا