أرادت الحركة الوهابية من خلال مجزرة تنومة إخضاع اليمنيين للنفوذ السعودي وخنق أي مشروع لنهوض اليمن
اليمن يستعيد هويته الوطنية والحضارية
يجب استمرار الوهج الثوري القوي والرد على العدوان والحصار في العمق السعودي
جرائم مملكة الشيطان يجب أن تكون حاضرة دوماً في الوجدان المعاصر
الذكرى المئوية لمجزرة وادي تنومة وسدوان بحق حجاج اليمن الأبرياء الشهداء الذين استهدفهم الحقد الوهابي النجدي الشيطاني تعيد للذاكرة الإسلامية حقيقة الكيان السعودي الإجرامي وتآمره على الإسلام المحمدي الأصيل منذ خطواته التأسيسية الأولى حتى اندلاع عدوانه الغاشم على الوطن اليمني أرضاً وإنساناً.
ما يحدث اليوم من السعودية ضد اليمن ليس كما يتوهمه البعض نتيجة عدوان استجدّ، أو رغبة عدائية طارئة، بل لم يعرف السعوديون أنفسهم إلا وهم يعتدون على هذا الشعب، ويوجهون إليه مجازرهم، ولكن حينا بالحرب الباردة، أو الهيمنة، وحينا بالحرب الساخنة، والمجازر المروِّعة.
مجزرة تنومة
شاء السعوديون أن يعرِفَهم اليمنيون من أول يوم بأنهم مجرمون وقتلة، وذلك من خلال جريمة مروِّعة ذهب ضحيتها آلاف الحجاج اليمنيين في ما عرف بمجزرة تنومة عام1922م، في منطقة عسير بين بلاد بن لسْمر وبن لحْمر، فحينما كانوا يجتازون وادي تنومة كانت قد ترصّدتهم مجموعات وهابية تكفيرية متطرفة من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، فانقضُّوا عليهم بوحشية منقطعة النظير، وهم عزل من السلاح، فتقربوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض، لقد كان الوهابيون من أتباع قرن الشيطان ولا زالوا يحملون جينات وبذور ما عرفه العالم اليوم باسم (داعش)، بلغ بأولئك أن هنَّأ بعضهم البعض الآخر بكثرة من قتل من الحجاج، فمن قتل حاجا واحدا بشَّروه بقصر في الجنة، ومن قتل اثنين بشروه بقصرين، وهكذا. وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أيضا سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين.
ولأن مملكة قرن الشيطان تمضي على نهج الشيطان في التضليل فقد نحت باللائمة على بعض فرق جيشها تضليلا للرأي العام وتنصلا من عار وشين الجريمة المروعة أمام العالم الإسلامي، لكن القاضي العلامة الحسين بن أحمد بن محمد السياغي في كتابه (قواعد المذهب الزيدي) – والذي كان أبوه العالم المدرس في الجامع الكبير أحد شهداء هذه المجزرة – يلخِّص تعامل الملك عبدالعزيز مع هذه القضية بقوله: “استفتح الملك عبدالعزيز الحجاز بقتلهم، وباء بدمائهم وأموالهم، ولم يتخلّص منهم إلى أن توفي”.
لقد ساهمت الظروف المختلفة المحيطة بالإمام يحيى حميد الدين في أن لا يقتص من الظلمة القتلة كما ينبغي، لكنها وتّرت الأجواء وأفضت إلى حرب الـ7 أسابيع بين الإمام يحيى والملك عبدالعزيز بالإضافة إلى الخلاف على مناطق عسير وجازان ونجران، وانتهت بما عُرِف باتفاقية الطائف عام1934م، والتي في الواقع إنما أقرت واقعا مفروضا، ومع أنها أفضت إلى نوع من التطبيع في العلاقة بين اليمن والنظام السعودي؛ إلا أنه بالعودة إلى نصوصها نجد مملكة قرن الشيطان اليوم بحربها على اليمن قد خالفتها مخالفة صريحة، ونكّلت بمضمونها تنكيلا مبينا؛ الأمر الذي يعني أنها أفرغتها من مضمونها الملْزِم لليمنيين في الكف عن المطالبة بالأراضي اليمنية المحتلة واستعادتها.
لقد أراد النظام السعودي من وراء هذه المجزرة أن يكشِّر عن ناب وحشيته كمدخل لإخضاع اليمنيين وجبرهم على السكوت أمام أي توسع سعودي كان ينوي ابتلاع اليمن، وأن لا يحاولوا تحقيق أي إنجاز حضاري متفوق في يمن الإيمان يثير حساسية الأعراب في نجد مملكة قرن الشيطان خلال أحداث 1962م وبعدها دعم الحرب الأهلية اندفعت السعودية بقوة للتدخل في شؤون اليمن بعد 1962م، ودعمت الملكيين في الحرب الأهلية في الستينات ليس حبا فيهم ولكن لجعل اليمن ساحة لمعارك الدفاع الأمامية في مواجهة الهجوم الناصري الذي كان يجاهر بسعيه الحثيث لتغيير الأنظمة الملكية في المنطقة برمتها وفي مقدمتها النظام السعودي، وخلال هذه الحرب كانت الرياض تنقّب بين قوى الجمهوريين عن العناصر القبلية والعسكرية والدينية التي يمكن شراء ولاءاتها حتى إذا وجدت فيهم من يعطيها المساحة الكافية في الهيمنة على القرار اليمني وأمِنَتْ من خطورة مصر الناصرية ركضت حلفاءها الملكيين بعيدا عن اليمن، ودعمت بسخاء هذه القوى الجديدة في معسكر الجمهورية.
الهيمنة السياسية والفكرية والتربوية
من خلال هذه القوى التي أطّرتها في ما عُرِف باللجنة الخاصة لم تغب مملكة قرن الشيطان عن تفاصيل الحياة اليمنية، حيث دفعت بهم إلى الصفوف الأمامية للسلطة في اليمن فتدخلت من خلالهم في جميع شؤون اليمن، وأمسكت بزمام القرار السيادي والسياسي والاجتماعي والفكري والثقافي، ووضعت بعض الطعم للحكام اليمنيين على شكل دعم مالي لبعض قطاعات الحكومة، لتتوصل إلى الإمساك بتلابيب القرار اليمني كاملا.
لم تكتف مملكة قرن الشيطان بالهيمنة السياسية، بل حركت قوافل الدعاة الوهابيين الذين ينتمون إلى ذات الفكر الذي نفّذ المجزرة الوحشية بحق الحجاج، والذين أُوْكِل إليهم تغيير ثقافة وفكر المجتمع اليمني، وإغراق اليمن الشافعي والزيدي المعتدل بمجموعات أفكار متطرفة وتكفيرية تدعو إلى القتل والوحشية بحق كل مخالف لها في الرأي، لقد نشط هؤلاء الدعاة والشيوخ بهمة عالية وبدعم مالي ضخم، ومن خلال المنابر ومدارس التحفيظ ومعاهد الحديث والجمعيات الخيرية لكي يزيحوا ثقافة اليمنيين المتسامحة والمعتدلة وليُحِلُّوا بدلا عنها ثقافة التكفير والتشدد والغلو لينسجم مع السائد في مملكة قرن الشيطان، أملا أن تكون اليمن قطعة من نجد أو متنفسا للدرعية، ونجحوا نوعا ما في هذا المسلك الذي تظافرت فيه جهود السياسيين والعسكريين والقبليين وشيوخ المذهب الوهابي.
تأطير عملائها
أنتج هذا المسلك السعودي تجاه اليمن شيطنة فئات اجتماعية كثيرة وشرائح مثقفة واسعة فيه، وتغوّل الفكر السعودي الوهابي في الدولة اليمنية ومؤسساتها محدِثا هزات خطيرة ومظالم منتشرة، وأخذت الثقافة النجدية الوهابية بذاتها تقصي الكوادر الوطنية الكفؤة، وتصنِّف الناس على أساس مذهبي ضيق، وتضع المقاييس والمواصفات التي بالطبع كانت لصالح من يدين بالولاء للسعودية أمام جميع الأحرار في هذه الجمهورية السليبة، وأطّرت جميع أدواتها وعملاءها في كيان ارتزاقي سمي باللجنة الخاصة ضمت في قوائمها أسماء مسؤولين وشيوخ قبائل وقادة عسكريين ووزراء ومثقفين وصحفيين وكتاب وأكاديميين حصلوا على مرتبات شهرية وظلوا عصاة السعودية السحرية التي من خلالهم تدير اليمن وتؤثر في قراراته المختلفة وتوجهاته السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وأظهرت كشوفات المرتزقة اليمنيين في اللجنة الخاصة أعدادا كثيرة من فئات مختلفة من اليمن، تظهر حجم التغول السعودي الكبير في الجسد اليمني.
على أن فريق السعودية الحاكم في اليمن كان يظهر بأكثر من حجمه الطبيعي بسبب قدراته السياسية السلطوية، وإمكاناته المالية والإعلامية، وسيطرته على القرار التربوي والثقافي والإعلامي، فأعطى لنفسه مظهرا خادعا وغير حقيقي، سرعان ما تبين لاحقا أنه أقل وأضعف من ذلك الظاهر، بالإضافة إلى تطور الوعي في الأوساط القبلية والشعبية التي أخذت بمرور الوقت تتمرد على سلطة الشيخ والحاكم المرتزِق وتظهر تطلعها نحو الاستقلال والحرية يوما إثر آخر.
من المقاومة إلى الثورة حروب صعدة والفشل السعودي
أحدثت هذه الهيمنة السعودية اضطرابا في النسيج الاجتماعي اليمني، وأحس اليمنيون المتضررون بمظلوميتهم، واتخذ المجتمع اليمني المعتز بثقافته التاريخية وتراثه العريق أشكالا من المقاومة عبّرت عن نفسها بتبني إنشاء المراكز الصيفية ومدارس التعليم الأهلية الموسمية والدائمة، التي تستلهم تراث اليمن وعراقته الحضارية أمام الهجمة الوهابية الشرسة، فعاد إلى صنعاء وصعدة وزبيد وتريم وسيئون وتعز شيءٌ من الحضور الثقافي والتربوي التعليمي من خلال المدرستين اليمنيتين الزيدية والشافعية واللتين كانتا قد اختلطتا باليمنيين اختلاط الروح بالجسد. ولأن الثقافة الوهابية إقصائية بالطبع فإن أربابها انزعجوا من ردة الفعل الثقافية والتربوية المقاومة لهم، وتحركوا للقضاء على هذا الصوت المناوئ لثقافتهم التي لم تربح منه الأمة سوى التدجين والخنوع ضمن مسارات التضليل الوهابي السعودي التي عاكست دائما ثقافة الأمة الواحدة، ومشروع الأخوة الإسلامية والعربية، وخدمت مشروع دول الاستكبار العالمي في التمزيق والتفريق؛ وكانت الحروب الست ضد أبناء صعدة والمناطق الشمالية – نوعا من الرد السعودي الأمريكي على التحرك الثقافي المقاوم والذي أعلنه السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي وعبّر به عن نبض الحاجة اليمنية لمواجهة المشروع الوهابي السعودي المتحالف مع المشروع الأمريكي والصهيوني، والمنفذ الأمين لأجندته. بين إجهاض ثورة 11 فبراير 2011م وانطلاق ثورة 21 سبتمبر 2014م فشلت أدوات النظام السعودي في اليمن في إجهاض الحراك اليمني الثائر في صعدة، في الوقت الذي تغوّل الفساد في التركيبة الحاكمة في اليمن، وتظافرت عوامل عديدة عبّرت بمجموعها عن الحاجة الماسة إلى التغيير السياسي، وجاءت موجة ما سمي بالربيع العربي، فكانت ثورة 11 فبراير في اليمن، عبرت عن الحاجة المجتمعية للتغيير في النظام الذي لم يكن يعبر عن الشعب اليمني، وكان قد أدخل البلد في حروب عبثية في صعدة، وساهم في خلق مظلوميات في الجنوب، فانطلقت الثورة في بدايتها بعفوية وصدق؛ لكن سرعان ما أدركت الرياض وعملاؤها أعضاء اللجنة السعودية الخاصة، والمرتبطون بمشروعها الثقافي والفكري أن التمكين لهذه الثورة إلى نهاياتها يعني الحرية والاستقلال وتحرير القرار السيادي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد؛ الأمر الذي أزعج حكام الرياض وبعض الخلايجة مما دفعهم إلى احتواء هذه الثورة وكتمها وضربها، بما أفضت إليه بما سمي بالمبادرة الخليجية، والتي إنما هدفت إلى جمع شمل تلك الأدوات السعودية مرة أخرى بعد أن تصدعت في الثورة السلمية. لم يؤمن السعوديون يوما من الأيام في أحقية اليمنيين في الحصول على وطن قوي يستفيد من إمكاناته الطبيعية والمكتسبة؛ ولهذا ظلوا دائما حجر عثرة أمام أي مشروع وطني يلوح ولو من بعيد أن فيه مصلحة الأمة وقوتها، لكنهم وإن كسبوا ولاءات ضيقة من زعماء مرتزِقة هنا وهناك؛ إلا أن الشعب ومع مرور الوقت اكتشف بقوة أنه يجب الالتحاق بثورة الشعب اليمني وإسقاط منظومة الفساد والتي لها علاقة مريبة مع النظام السعودي، فنفض يده من زعمائه القبليين والسياسيين والتحق بثورة العزة والكرامة والاستقلال، وظل ثوار الثورة السلمية يواصلون مظاهراتهم واعتصاماتهم رافضين للالتفاف السعودي على ثورتهم السلمية، وتصاعدت وتيرة الحركة الثورية بسبب تسلط حكومة باسندوة وانصياعها لمشروع الإخوان وأخونة الوظيفة العامة، وفي غمرة الثورة على الإخوان في مصر وسقوط قناعهم المزيف في اليمن، من خلال تجربتهم القصيرة في الحكم، والتي كان ذروتها إعلان حكومتهم رفع أسعار المشتقات النفطية؛ وهو ما دعى جماهير الشعب للثورة ضد هذه الحكومة والمطالبة بإسقاطها، فكانت ثورة 21 سبتمبر والتي تحوّلت فيها حركة أنصار الله من حركة نخبوية أقل تأثيرا في المشهد العام إلى حركة شعبية واسعة ذات تأثيرات عالية وصاخبة تستجيب لمطالب الشعب وتعبر عن أحاسيسه وترفع رايته ومصلحته فوق كل اعتبار، وفيها أسقطت أهم القيادات العسكرية والقبلية التي مثلت الذراع الأقوى لمرتزِقة آل سعود وعملائهم في السلطة الحاكمة في اليمن.
القيادة الصادقة
ولصدق قيادة هذه الحركة في مرحلةٍ فقد فيها اللاعبون السياسيون الرسميون وغير الرسميين أيَّ تأثير على حركة الشعب التحررية الثورية فقد هتف لهذه الثورة الملايين من أبناء الشعب، كل ذلك أتى وطاعون القاعدة وداعش وإخوانهم قد فشا ذبحا وتفخيخا وغدرا وقتلا في جسد الجيش ومؤسسات الدولة اليمنية، ولم يجد هذا الجيش سوى حركة أنصار الله والتي يمكن التعويل عليها في نصرته والاعتضاد به لبناء طوق نجاة يمكن أن يحمي رقاب اليمنيين من الذبح والحرق والقتل على يد هذه الجماعات البربرية، فتمّ تحقيق إنجازات رائعة في محاربة هذه الفئات التكفيرية البربرية.
جنون آل سعود
كان من نتائج الحروب الست ضد الشعب اليمني في المحافظات الشمالية أن تساقط عملاء السعودية ومرتزقتها بسرعة قياسية، وقد اتضح لاحقا ومن خلال الوثائق السياسية التي سربها موقع ويكليكس أن كل تلك المنظومة التي وقفت في وجه تطلعات الشعب اليمني بقيادة أنصار الله كانوا مدعومين وممولين من النظام السعودي، وأظهرت تلك الوثائق تمويلا سخيا لإثارة تلك الحروب والنزعات والحصار لصعدة، كما أظهرت أن الحروب التي نشأت باسم القبائل والسلفيين وآل الأحمر وحجور والرضمة والجوف وعمران كانت كلها مدفوعة الثمن من السعودية، حتى إذا ما هزمت هذه المنظومة السعودية أمام مشروع أنصار الله التحرري وسقطت آخر قلاعهم في صنعاء ممثلة في مهندس الحروب السعودية على اليمن ووكيلها الحصري في اليمن الجنرال علي محسن الأحمر – جَنَّ جنون مملكة قرن الشيطان، حيث رأت أدواتها القبلية والعسكرية والسياسية والدينية تتهاوى مثل الفراش أمام هذه القوة الفتية الصاعدة التي لبّت طموح وآمال الشعب، وكان قاصمة الظهر بالنسبة للسعوديين هو تحرك اللجان الشعبية والجيش لتطهير اليمن ولا سيما الجنوب من دنس الدواعش وإخوانهم، حيث رأوا أن هيمنتهم وهمجيتهم ستنتهي إلى الأبد إذا ما تم تطهير اليمن جميع اليمن من هذا الطاعون الشيطاني الذي فتك بالأمة المسلمة فتنة وقتلا وذبحا وإحراقا.
مرحلة الانكشاف
لقد شاءت السعودية أن تظهر كأصيل في هذه الحروب التي سقط فيها وكلاؤها المرتزقة في اليمن، وأن ينكشف عدوانها على اليمن الذي كان يمارس في السر إلى صورة واضحة لا تقبل المواربة والستر، فختمت هذه العلاقة الظالمة بين اليمن ونظامها الفتنوي بما به بدأت، فكما عرفها اليمنيون من أول يوم على إثر مجزرة دامية ختمتها بحرب قذرة ومبررات شيطانية تضليلية، ومجازر إبادة جماعية طالت اليمن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا، هدفت فيه على مدى خمس سنوات كل مقومات الحياة وكان من أبرزها مجزرة فج عطان ونقم ومجازر صعدة وحجة وعمران وذمار وإب والحديدة وتعز وعدن.