لن يتكرر التأجيل ..!! 

بقدر ما يحدو الجميع من تفاؤل بنجاح الحوار بين القوى السياسية والحزبية ممثلة في المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه¡ وحل الخلافات في ما بينها عن طريق الحوار¡ والتوصل إلى شراكة حقيقية وفعلية تقود الجميع إلى السير معا صوب الاستحقاق الديمقراطي القادم وخوض منافساته بصورة بناءة تجسد روح الديمقراطية والمصلحة الوطنية¡ فإنه وبالقدر نفسه لا بد وأن تدرك مختلف ألوان الطيف السياسي أنه لا أحد في هذا الوطن سيسمح باتخاذ اتفاق 17 يوليو كوسيلة للمناورة وإهدار الوقت¡ وإيجاد الذرائع مرة أخرى للتهرب من هذا الاستحقاق الديمقراطي¡ خاصة وأنه لا مجال ولا فرصة ولا إمكانية أيضا لأية ذريعة ترمى إلى تأجيل هذا الاستحقاق أو تأخيره عن موعده المحدد في الـ27 من ابريل 2011م.
وهذا يعني أن الجميع ينتظرون من المصفوفة الحزبية والسياسية سرعة الالتئام والجلوس على طاولة الحوار¡ بالتزامن مع السير في عملية التحضير والإعداد للانتخابات القادمة وما سيكون موضع خلاف أو تباين يمكن مواصلة الحوار بشأنه وفق توقيتات زمنية يتم التوافق حولها¡ حتى لا يتكرر ذلك الهدر الذي أفضى إلى تأجيل الانتخابات النيابية لمدة عامين ضاعت معظم أيامها وشهورها في مماحكات ومكايدات لا مبرر لها.
وإذا كان مثل ذلك التأجيل مقبولا في حينه وقبل به الناس على مضض لإتاحة الفرصة أمام القوى السياسية للتوصل إلى توافقات تنهي حالة القطيعة في ما بينها فإن من غير الممكن اليوم القبول بمعاودة تلك الأسطوانة سواء نجح الحوار أو لم ينجح¡ اتفقت الأحزاب السياسية أو لم تتفق باعتبار أن الاستحقاقات الديمقراطية هي حق دستوري للشعب وليس من حق حزب أو أحزاب أو جماعة أو أفراد رهن مثل هذه الاستحقاقات لمشيئتهم ورغباتهم ومراميهم وأهدافهم واتفاقاتهم وخلافاتهم.
وتخطئ الأحزاب السياسية خطأ فاحشا إذا اعتقدت أن بوسعها أن تضع الشعب في مخنق جديد يدفع به إلى التنازل مرة أخرى والقبول بتأجيل آخر لاستحقاق طال انتظار الوفاء به.
حيث وأن كل المؤشرات الأولية تؤكد على أن هذا الشعب سيتصدى بكل قوة لمن يحاول التلاعب بحقوقه الديمقراطية وإجراء استحقاقاتها في مواعيدها¡ ومثل هذه المؤشرات يمكن استشرافها بكل جلاء ووضوح في المواقف التي عبرت عنها منظمات المجتمع المدني بمختلف تكويناتها وتنوعاتها الفكرية والسياسية والمهنية والتي أوضحت فيها بصدق بالغ بأنها لن تسمح لأي كان بتحويل الاستحقاقات الديمقراطية والانتخابية إلى ساحة للمساومة والتجاذبات وتصفية الحسابات وأنها ستتمسك بحقها الدستوري في منع أية محاولة للتأجيل أو التعطيل.
ولأنه لا وجود في هذا الأمر لأي منطق يبني خياراته على إضاعة الوقت¡ فإن من مصلحة المصفوفة السياسية والحزبية تدارك الوقت وعدم الاستغراق في التفاصيل¡ ومباشرة الحوار¡ والاتفاق على الأسس الضامنة لإجراء الانتخابات في موعدها¡ والترفع فوق الصغائر¡ وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الذاتية والحزبية.
وبمقدور هذه الأحزاب إذا ما أحسنت النوايا التوافق على تفاصيل الحوار خاصة وأن ما تم تضمينه في اتفاق فبراير قد تكفل بتحديد الرؤى حول شروط إجراء الانتخابات والإعداد لها ووسائل مراقبتها وما تبقى من القضايا قابل للنقاش ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يصبح عائقا أمام استحقاق استراتيجي أو أن يغدو التباين حوله مبررا للتهرب من ذلك الاستحقاق.
وبعد كل ذلك فإن من الأجدى أيضا للمصفوفة الحزبية والسياسية أن تظهر أنها حينما أعلنت تمسكها بالحوار لم يكن الهدف من وراء ذلك تأجيل الانتخابات وإنما تحقيق الاصطفاف الوطني في مواجهة مستصغرات الشرر وإخمادها وأنها اختارت الاحتكام للحوار لتثبت ما وصلت إليه من وعي ونضوج وأنها تستند في مساراتها على رؤية وطنية تغلب العام على الخاص والتواصل والتفاهم على التقاطع والتشابك.
وليس هذا وحسب بل أن من الواقعية أن تعي هذه الأحزاب أن الشعب صار يرقب كل المواقف ويراقب أداء كل منها وصار بتلقائية قادرا على التمييز بين من يحترم استحقاقات الديمقراطية وبين من لا يزال غير قادر على تأهيل نفسه لمواكبة متطلباتها ويلجأ إلى الأساليب الملتوية بغية الالتفاف على الديمقراطية واستحقاقاتها وإخضاعها للأمزجة والرغبات الذاتية بهدف وأدها وذبحها من الوريد إلى الوريد.
ويؤسفنا أن نقول أن هؤلاء هم أعداء الديمقراطية الحقيقيون الذين لا هم لهم سوى اللهث وراء مصالحهم الشخصية والأنانية حتى ولو كان ذلك عبر تدمير الوطن والإجهاز على مقدراته وإنجازاته.
وواهمون هؤلاء إذا ما اعتقدوا أنهم سينجحون هذه المرة.

قد يعجبك ايضا