عصام حسين المطري
الفتور ظاهرة صحية تظهر من وقت لآخر عند الملتزمين، فقد يكون الفتور جماعياً يصيب الجماعات العاملة في حقل الدعوة الإسلامية، وقد يكون فردياً يصيب الأفراد كلاً على حدة في كل الأعمال، فما من عمل صغيراً كان أو كبيراً إلا ويعتريه الفتور قال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم (لكل عمل شره وفتره، فمن كانت فترته لسنتي فقد هدي).
إن الفتور في العبادات والطاعات وشتى أعمال البر والتقوى لها مسوغات ومسببات، فقبل أن نخوض في ذلك علينا أن نقف عند معاني الفتور وماهيته إذ نقول وبالله التوفيق: أنك تكون في طاعة من الطاعات نشطاً وشعلة من النشاط تشعر باللذة ولا تكترث من تعب أو لغوب أو نصب، ولكنك فجأة تشعر بملل وإعياء وتعب فتتراخى قواك وتهمد ثورة نفسك وتخلد إلى التقصير فالفتور، فمثلاً تأتي أيام وأنت تصلي جميع الفروض في المسجد جماعة ثم ولأسباب يتبدل حالك ويداهمك التقصير والفتور في أداء الفرائض الخمسة، فتتراجع القهقرى وتلتمس لنفسك الأعذار في أداء الصلوات في البيت، وقد يتغلب عليك الشيطان ويدفعك دفعاً إلى التخلي – والعياذ بالله – عن الصلاة ويقلب لك الأمور ، وتخادنك الراحة، وتذهب الغواية الشيطانية بلب عقلك وعينيك وتذهب مذاهب شتى في الفتور والتقصير.
إننا أمام أخطبوط لعين يدفع بالملتزم النشيط إلى الاتجاه نحو المعصية -والعياذ بالله- من غير دراية أو إدراك بفعل العديد من سلاسل العيوب والذنوب فقد تكون للفرد عيوب أو ذنوب تأخذ به العديد من المآخذ فتحرمه من نبراس الطاعة وألق العبودية لله سبحانه وتعالى، فالفتور يجعل الفرد يرتد عن سنن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وما سواها لتضييع الصلاة وبعض العبادات، فإنه وقوع في المحظور، فنحن هنا سنكتفي بمعالجة الفتور ومسبباته ومسوغاته، وسندلف سويا إلى تجنيب الناس شر هذا الفتور وخطره على سكينة الالتزام، وهو الداء الذي لطالما فتك بالأمة العربية والإسلامية فتكاً بالغاً في عصرنا الحديث مع الغفلة التي تفشت وأتاحت الفرصة للشيطان أن يقض مضجع الأمة ويصيبها في مقتل.
سلاسل العيوب والذنوب وهي من مظاهر الفتور:
ثمة عيوب وذنوب تورث في النفس الدعة والكسل والتراخي والفتور والبعد عن الله والعياذ بالله، وتقوي حظ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء قال الله سبحانه وتعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، فالعيوب والذنوب تختم على القلب وتحرم الإنسان من العمل الصالح ومن لذة الطاعات، ومنها ما يلي:
أولا: هشاشة وغبش النية: فإنما الأعمال بالنيات كما قال سيدنا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فعندما تكون هنالك دافعية صائبة ونية حسنة من وراء ذلك العمل فإن الفتور سيظهر بشكل طبيعي ويستطيع المخلص أن يتغلب عليه باتباع سنة النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وما عدا ذلك فإنها العثرة، فقد قيل إنما يتعثر من لم يخلص.
ثانياً: الإفراط في التلذذ بالمباحات كالسهر بدون فائدة أو لتعاطي القات وإجهاد الجسم والروح عن طريق المغالاة الحادة في إطالة ساعات الحلال، فالسهر أو هذا الإجهاد للجسد له آثار سلبية على الحياة العامة والخاصة للشخص السليم حيث يذبل النشاط الروحي والجسدي تبعاً للإرهاق البدني الأمر الذي يؤثر سلباً على مستوى الأداء التعبدي فيفتر الملتزم بالطاعات العامة والخاصة.
ثالثاً: الحقد والحسد لأشخاص آخرين ذلك لأن الحقد يورث ضنك العيش وكدر الخاطر، وضيق الصدر، كما أن الحسد يمنع الحاسد من الراحة والاعتداد بها إذ تنامت إلى أذهاننا تلك العبارة التي تقول: «لا راحة لحسود»، فالحاقد والحاسد لا يتمتع بنفسية مشرقة تكون مسوغاً للنشاط في الطاعات بل يتمتع بنفسية مظلمة هزيلة في جانب التحصيل الرباني من اليقين فتفتر لذلك قوى وروح الحاقد والحاسد إلى أن يتخلص من حقده وحسده الذي يأكل النفس كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
رابعاً: الإعراض والتقليل من ذكر الله عز وجل فلا ينشرح الصدر وقد يؤدي ذلك والعياذ بالله إلى الانقطاع عن أداء فروض العبادة كالصلاة والصيام مثلاً.
خامساً: الاستمرار في اقتراف السيئات واجتراح الصغائر فلا صغيرة بالاستمرار ولا كبيرة بالاستغفار، فصغائر الذنوب كالنميمة والغيبة وغيرها تجتمع على العبد حتى تهلكه ومثل النظر إلى الحرام والإقبال على العادة السرية والغش وتطفيف الميزان.
سادساً: الانشغال بالدنيا وسفاسف الأمور وعدم الإقبال على الله سبحانه وتعالى وتجديد التوبة إليه والتبكير إلى المساجد وبيوت الله عز وجل.
سابعاً: فساد ذات البين، قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة لا أقول تحلق الرأس ولكن تحلق الدين) فماذا يبقى لمن حلق دينه.. هل يقبل على الطاعات ولا سيما رأس ذروة الطاعات وهي الصلاة؟.
والآن يحلو لنا أن نعدد منظومة العلاج بعد أن عددنا مصفوفة المظاهر للفتور وذلك على النحو التالي:
أولاً: استشعار عظمة الخالق عز وجل في كل سكنة وحركة والإقبال عليه ردعاً للهوى وفلذات النفس ذلك لأن هذا الطريق يؤدي إلى الأمان في الدنيا والآخرة ويورث الجنة قال الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) .
ثانياً: إصلاح النية من أي اعوجاج وتجديدها عند الإقبال على الطاعات اليومية والموسمية وغيرها ليكون الدافع من وراء الطاعات دافعاً عظيماً هو إرضاء الخالق عز وجل وتوخي الأجر والثواب منه سبحانه وتعالى، والإفصاح عن لغة الإخلاص فإنما يتعثر من لم يخلص، والإخلاص سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده.
ثالثاً: رفع درجة اليقظة الإيمانية وجاهزية التدبر والتفكر في الكون ومخلوقات السميع العليم، وتفسير الظواهر الحياتية والطبيعية تفسيراً إيمانياً عظيماً، فالصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا مرتبطين بالمولى عز وجل في كل حركة وسكنة وكان الكون ومخلوقات العلي القدير تشهد لهم بالإيمان وكان كل منهم إذا أتته تكبيرة الإحرام عزا ذلك إلى خلل فيه كذنب أحدثه، حيث كان كل منهم- رضوان الله عليهم- يقول: «إني أرى أثر ذنوبي في سوء خلق دابتي».
رابعاً: التواصل الدائم والمستمر مع الله عز وجل وتأليهه في كل شاردة وواردة والإكثار من تلاوة القرآن الكريم تلاوة تدبر وتمعن، وإشعال فتيل المراقبة الذاتية والخوف الدائم والمستمر من الله سبحانه وتعالى، وتزكية النفس بالابتعاد عن الذنوب والمعاصي مع الإكثار من التوبة والاستغفار في جميع الأوقات ومقاومة الغفلة.
وفي الأخير – وليس بآخر – أرجو الله عز وجل أن يغفر لنا جميعاً فكلنا مقصرون، فنحن لا نقصد أشخاصاً أو جماعات بعينها وإنما هذا هو الحال في رحاب الالتزام بمبادئ وقيم وفضائل ديننا الإسلامي الحنيف الذي يروض النفس على حب وطاعة ربنا العظيم، كما نسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا في ما طرحناه.. والله من وراء القصد.