محمد الشامي
إلى الذي مازال حياً الوالد الشاعر الكبير الأستاذ/ حسن عبدالله الشرفي
عيدٌ مضى ، واليوم أقبلَ عيدُ
وأنا بكلّتا الحالتين وحيدُ
أشكو المصائبَ والهموم كأنّني
في كربلاء العالمين شهيدُ
وبداخلي كرْبٌ إذا أبْديتُهُ
هدَّمتْ دُوَلٌ ، وذابَ حديدُ
مَن ذا أنادي ؟! أصدقائي
ربّما أنساهمُو ذكر الصداقةُ عيدُ
رَحَلَ الأحبَّةُ عن فؤاديَ فجأةً
ما عادَ يُجْدي الدَّمْعُ والتنْهِيدُ
ما لي أرى وطنَ السعيدةٍ غافلاً
عن مُبْدعيهِ،هل انْتهى التجديدُ
الموتُ يحْصُدُ كُلّ يومٍ صاحباً
خَدَمَ البلادَ ،وحظُّهُ التنْكِيدُ
من أين أَبْدَئُ والمواجعُ كلُّها
تقْتاتُني .. ويَعُوْزُها التَّفْنِيْدُ
روحي بلا روحٍ ، وقلبي لم يَعُدْ
يجري بشريانِ الدماءِ وريـدُ
حُزْني تَطَاوَلَ ، وَاسْتَطَالَ .. كأنَّني
مَيْتٌ ، وأعْقلُ ما الجميعُ يُرِيْدُ
ما زلْتُ مصعوقاً .. ولسْتُ مُصدِّقاً
من ذا سأَسْأَلُ ؟ جاءني التأْكيدُ
أترجَّلَ العمقلاقُ بعد كفاحِهِ؟!!
وبعزِّةٍ .. أمْثَالُها تقْليدُ
يا خيرَ أستاذٍ ، وأفضلَ والدٍ
بالدمعِ يسْكبُ للرثاءِ قصيدُ
رَبُّ القوافي دونَ أيِّ مُنازعٍ
ولهُ القوافي رُكَّعٌ ، وسجودُ
هوَ شاعرٌ ، هوَ ناقدٌ ، ومُفكِّرٌ
كلُّ القصائدِ في صداهُ تعودُ
هوَ عالمٌ بالمفردات جميعها
ولكلِّ حرفٍ في حِجَاهُ رصيدُ
وهوَ المُعَلِّمُ فوق كلّ مُعَلِّمٍ
في العلْمِ مدرسةٌ للعلومِ يجُودُ
يتلو كلام اللهِ خيرَ تلاوةٍ
كان الوليُّ سمَا بهِ التوحيدُ
أخلاقُه تطْغَى على أشعارهِ
بتواضعٍ ، والعالمون شهُودُ
أبكيكَ في شتَّى الحروفِ تناثرَتْ
حزناً ، وضاقَ بمهجتي التنهيدُ
يا ‘ طائرَ الغرْبِ’ الذي أشعارُهُ
كم حلَّقَتْ.. وحقُّها التمجيدُ
أبتاهُ يا أبتاهُ كيف تَرَكْتَني
لا عيشَ دونَكَ ليْ وأنتَ بعيدُ!!
لا أستطيعُ العيشَ دونَكَ بعدما
فارَقْتَني ، حُزْنُ الفؤادِ عَمِيدُ
حُزْني عليكَ يفُوقُ كُلَّ تَصَوِّرٍ
حَتْمَاً تَصاويرُ الكفيفِ تزِيدُ
يا موتُ وَيحُكَ لو أخَذْتَ لمهجتي
عنْهُ بَديلاً .. فالجميعُ سعيدُ
أفْقَدْتنا وطناً نلوذُ برأْيهِ
إنَّ الحكيمَ لدى الصعابِ مُفيدُ
كم كان يرْعاني كما أبنائهِ
كم كان يلقاني كما سأُريدُ
وهوَ الذي خلَقَ الكثيرَ بداخلي
لولاهُ ما كنتُ القريضَ أُجِيدُ
يا أيُّها السبَّاقُ في أشعارهِ
يا أيُّها المِفْضالُ جُودُكَ جُودُ
وإذا سمعْتُ : ” مَطَرْ مَطَرْ ” فكأنني
في لحنِ هاتيكَ المقاطعِ عُودُ
ومنَ ” الطريقِ الى الشموسِ ” كأنني
عينَا ” عيونِ قصائدٍ” وقصيدُ
” في الغابة “الأولى انطلقتَ مشمِّراً
ومِنَ ‘ الطريقِ إلى الشموس” تقودُ
تنجي ” سهيلً قبل حزن الجنَّتينِ”
الى الأمانِ كأَنَّكَ الصِّنْدِيدُ
أَرْشَدْتَهُم سُبُلَ النجاةِ ، كذا ” تقولُ
ليَ ابْنَتِي” لم يُثْنِكَ التهديدُ
كم غُصْتَ في ” المرجانِ عبْرَ شِعَابِهِ”
مُستقْرِئاً ما سوف تأتي النُّوْدُ
” بالماءِ شخْصَنّتَ الذي يأتي غداً ”
بصراحةٍ ما صدها عِربيدُ
صَارَحْتَ بالمفتوحِ كلَّ قيادةٍ
من دونِ خوفٍ والهِجاءُ شديدُ
كم ذا تحديتَ المفاسدَ كلّها
بشجاعةٍ ، وعلى الطغاةِ عنيدُ
مُتَنَبِّئاً ” لا بُدَّ من يومٍ بهِ
سَيلُ الخريفِ على العُتاةِ حديدُ ”
في جُرْأَةٍ صمتَ الجميعُ خلالها
وكأنَّهم تحت السيوفِ عبيدُ
تسْتَقْرِئُ الآتيْ بماضيهِ الذي
وَلَّى ، فهل يمحو القديمَ جديدُ
يا آخرَ القاماتِ في شعرائنا
كنتَ الأصيلَ ، بشعْركَ التجديدُ
يا أيها الوطنيُّ في تاريخِهِ
أنتَ الوفيُّ ، لِيَهْنَكَ التَّخليدُ
من سجن العمى والظلام / محمد احمد الشامي
(٢٥ مايو ٢٠٢٠)