كــــــــــــــــــــــــــــــورونا والمظاهرات: المتغيرات التي لم يفهمها ترامب جيداً

في خضم ما يمر به العالم إثر أقسى أزمة صحية للألفية الثالثة بدأت من الصين أواخر 2019، تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية المشهد بشكل غير متوقع في 26 مارس 2020 حينما سجلت أكثر من 86 ألف حالة اعتلت بها قائمة الدول الأعلى إصابة بفيروس كورونا المستجد، كوفيد-19، حسب الإحصائيات المعلنة. وتيرة الإصابات الأمريكية الأسرع عالمياً ضاعفت الحالات خلال عشرة أسابيع بأكثر من اثنين وعشرين ضعفاً ليدنو عددها من المليوني حالة ولتبتعد أمريكا بالصدارة بفارق كبير يتجاوز الثلاثة أضعاف عن البؤرة الثانية للوباء، البرازيل.
الحمزة إسحاق

التائه ترامب
لم يكن الرئيس الأمريكي نفسه بمعزلٍ عن الإرهاب الإعلامي الفظيع الذي يسوق مجتمعه رعباً نحو المجهول منذ تفشى الوباء ببلدهم، وقد تجلى لدى ترامب التخبط والضياع بوضوحٍ في كثير من تصريحاته وقراراته المتناقضة التي تعكس لأبسط متابعٍ حجم الارتباك والحيرة التي يعيشها في مختلف المواضيع المتعلقة بكورونا، فمثلاً:

فيما يتعلق بصلاحياته كرئيس وصلاحيات حكام الولايات
قبل 13 أبريل: (أنا من لدي الصلاحية المطلقة) في إعادة فتح الاقتصاد. (رئيس الولايات المتحدة من يمتلك الصلاحيات المطلقة في اتخاذ كل القرارات ذات العلاقة بالموضوع).
بعد 16 أبريل: مخاطباً حكام الولايات: (ستقومون أنتم باتخاذ قراراتكم بأنفسكم) عن السيطرة على الوباء
قبل 22 يناير: (إنه تحت السيطرة كلياً)
15 مارس: (إنه أمر نسيطر عليه بشكل هائل)
بعد 16 مارس: (لا، ليس تحت السيطرة في أي مكان في العالم. كنت أتحدث أن ما تحت السيطرة هو ما نقوم بعمله)

المقارنة بالإنفلونزا
قبل 26 فبراير: (إنها إنفلونزا، هذا كالإنفلونزا). (فلتتعاملوا معه كإنفلونزا)
بعد 31 مارس: (هذا ليس إنفلونزا، هذا شيء خبيث)
22 أبريل: (الإنفلونزا مختلفة كثيراً عن كورونا)

عن كونه جائحة
قبل 22 يناير: حينما سئل عن قلقه عن جائحةٍ في الطريق: (لا لسنا قلقين أبداً. إنه شخص واحد أتى من الصين)
بعد 17 مارس: (لطالما عرفت أنها جائحة، لقد شعرت بأنها جائحة قبل وقت طويل من تصنيفها كجائحة)

عن دقة الفحوصات
قبل 6 مارس: (الفحوصات مثالية)
12 مارس: (بصراحة، الفحوصات تسير على نحو سلس للغاية)
بعد 21 أبريل: (الفحوصات جيدة في بعض الحالات، وغير جيدة في أخرى)

عن تسميته ’’فيروس صيني‘‘
قبل 18 مارس: (المسمى ليس عنصرياً أبداً! الفيروس أتى من الصين، هذا هو السبب، أريد أن أكون دقيقاً)
بعد 24 مارس: (الجميع يعلم أنه أتى من الصين، لكنني قررت أنه لا ينبغي أن نجعل من ذلك مشكلة كبيرة، أظن أني كبرت الموضوع)
26 مارس: (شاع المصطلح لدى الجميع وأنا لا أتطلع لذلك كما تعلمون. انظروا، من الأفضل أن يكون لدينا علاقة جيدة)

عن تعاطي الصين مع كورونا
قبل 24 يناير: (الولايات المتحدة تشكر جهود وشفافية الصين)
7 فبراير: (الرئيس الصيني قوي، ودقيق، ومركز بقوة في هجمته المرتدة على كورونا)
بعد 15 أبريل: (هل تصدقون فعلاً الأرقام في هذا البلد الكبير المسمى الصين؟)
(أكبر معدل وفيات في العالم ليس عندنا. لا بد أن الصين هي الرقم الأكبر في العالم)

عن التغطية الإعلامية
قبل28 فبراير: (تشعر فعلاً أن الإعلام في حالة هستيريا)
بعد 13 أبريل: (الإعلام قلل مخاطر الوباء منذ البداية)
بالطبع، فإن هناك المزيد من هذه التناقضات، فما سبب هذا التخبط لزعيم قطب الشيطان، القطب المتهم باختراع الفيروس؟

معركة الأطباء، لا الرؤساء
جائحة كورونا هي المعركة الأولى من نوعها في عالم القطب الواحد، معركة لا يديرها اللوبي العالمي كغيرها من المعارك عبر واجهاته السياسية من رؤساء ومسؤولين، بل عبر مؤسساته العلمية والطبية ومنظمة صحته العالمية التي ينصاع وراءها مجمل العالم الطبي وينقاد خلفها الرؤساء والشعوب بكل فئاتهم وطبقاتهم على حد سواء: من سياسيين وتجار ومهندسين وعسكريين ورياضيين وأكاديميين .. إلخ؛ ولا يمكن لأي من هؤلاء النقاش أو التشكيك فيما يقوله الأطباء الذين نصائح وإرشادات غالبيتهم العظمى مصدرها الغرب الذي يهيمن على علومه اللوبي العالمي، والذين يتحرك مجملهم عملياً وميدانياً وفق ما ترسمه منظمة الصحة التي يهيمن على سياساتها أيضاً هذا اللوبي، وهذا من أخطر ما في هذه المعركة: أن جنودها ليسوا الرؤساء والمسؤولين بل الأطباء والممرضون، أن عتادها ليس الأسلحة والذخائر بل العلوم والمعلومات، أن لها قيادات نفاقية على شكل دكاترة وتضليلاً على هيئة دراسات وأبحاث.
مثلما لا يتاح للأطباء معرفة الكواليس السياسية للحروب العسكرية إلا بقدر الدور المناط بهم فيها، فالرؤساء بدورهم لا يُكشف لهم من كواليس الحروب البيولوجية ككورونا سوى ما هو مناط بدورهم فيها، فرأس حربة اللوبي العالمي في هذه المعركة هو رئيس منظمة الصحة العالمية لا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لم يلتزم ترامب بالتشكيلة القتالية واستبق شخصياً منظمة الصحة بالترويج لعلاج (الهيدروكسي كلوروكوين) المضاد للملاريا مؤكداً بأنه دواءٌ ’’سيغير اللعبة‘‘ ومستنداً لبعض الدراسات التي تزعم فاعليته في إضعاف فيروس كورونا، وهي نصيحة طبية – إن صحت – كان الطبيعي أن تصدر عن الصحة العالمية، لكنها صرحت – بناءً على دراسة – أن العلاج ليس فعالاً أو آمناً وقد يتسبب بأضرار عكسية مميتة للمصاب بكورونا وأعلنت إيقاف تجربة العلاج على المرضى، لكن ترامب رمى بهذا الكلام عرض الحائط وأعلن انتهاءه من جرعة الأسبوعين في 25 مايو المنصرم، قبل اشتعال المظاهرات بيوم.
لم يقف الحد هنا، فقد هاجم ترامب المنظمة بشكل مباشر في مناسبات كثيرة، فتارة يتهمها بتضليل بلده وتقديم التوصيات الخاطئة عن عدم الحاجة لفرض قيود سفر مع الصين، مفيداً أنه أنقذ الكثير من الأرواح بعدم استماعه لتلك التوصية على خلاف بقية الدول التي أنصتت لها، لكن مما يبدو من الأرقام أن النتيجة كانت عكسية وقاسية فتفشى الوباء بشكل صادمٍ وكأن هناك سبلاً ووسائل خفية تستطيع إيصال الفيروس حتى إلى عقر منازل المحجورين بمنازلهم وهذا ما أكده مطلع مايو حاكم نيويورك، أكبر ولاية موبوءة، بأن ’’66% من مصابي كورونا بالولاية كانوا من كبار السن المقيمين في منازلهم، وهذا أمرٌ صادم!‘‘
لم يكتفِ ترامب بضرب مصداقية المنظمة لدى جمهوره من الأمريكيين والناس حول العالم مستفيداً من ثقل كلامه الإعلامي كأكبر رئيس، بل لجأ لأسلوبه المعروف في الابتزاز المالي للمنظمات الأممية التي عرفها سابقاً برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأونروا وغيرها، فأعلن قراراً جريئاً بتعليق تمويل أمريكا لمنظمة الصحة، مصدر تمويلها الأول؛ لينتقد بيل جيتس، ممولها الثاني، قرار ترامب ويبدي استياءه منه؛ وهو تعارضٌ يحمل العديد من المؤشرات الحساسة التي ليست أبداً في صالح ترامب والتي قد لا يدرك الكثير طبيعتها وحجمها.

جيتس الاستراتيجي وترامب المرحلي
البعض يرون بيل جيتس كمجرد ملياردير جنى ثروته الطائلة من وراء شركة كمبيوتر أسماها مايكروسوفت، لكنهم قد يجهلون حقيقة أنه أحد نخب اللوبي العالمي وله دور أكبر بكثير مما يبدو عليه.
فرغم أنه لم يدرس برمجة أو هندسة الحاسوب، كان جيتس أول من أحدث نقلة نوعية في حرب المعلومات والاستخبارات حينما أتى بنظام ويندوز الذي يقبع منذ تسعينيات القرن الماضي وإلى اليوم داخل مئات الملايين من الأجهزة حول العالم. ورغم أنه لم يدرس الطب أو علوم الفيروسات والأوبئة، لكنه الرجل الأول في قيادة وتمويل بحوث ودراسات شركات اللقاحات وأنشطة التلقيح حول العالم عبر مؤسسته ’’الخيرية‘‘، ومن يُزعم أنه يمول المليارات حالياً للتوصل لقاح كورونا، ومن يتحدث عن أهمية أن يُحقن به كل إنسان في العالم عند التوصل إليه.
مؤسسة جيتس كانت واحدةً من ثلاثة أطراف أقامت ورشة العمل المسماة ’’الحدث 201‘‘ أو Event 201، والتي جُمع فيها رواد المجال الطبي والاقتصادي والتجاري والعسكري حول العالم في تدريب عملي يحاكي ويدرس التداعيات المترتبة في حال تفشي جائحة عالمية جديدة مصدرها الخفافيش وفيروسها تاجي من فئة كورونا. تم في الورشة مناقشة السياسات والقرارات التي يجب اتخاذها على الصعيد الطبي واللقاحات، التعاطي السياسي والإعلامي، التداعيات الاقتصادية والتجارية وتلك المتعلقة بالسفر والقيود المحلية والدولية، القوانين التي يجب سنها، وكيف ينبغي أن تتعامل كلٌ من الشعوب والحكومات مع الجائحة، والمزيد.
باختصار، هي ورشة ستجدون في محاكاتها ونقاشاتها ومخرجاتها تطابقاً ربما بأكثر من 90% مع ما نعيشه اليوم، رغم أنها أقيمت في أكتوبر 2019، قبل تفشي كوفيد-19 بشهرين!
عند مقارنة ترامب بجيتس من حيث التأثير على منظمة الصحة العالمية، نجد أن إجمالي ما تطوع لها به الأخير خلال مسيرته يزيد عن 3.6 مليار دولار، فيما لم تستلم المنظمة من الهبات الطوعية لأمريكا خلال رئاسة ترامب سوى 1.65 مليار!
بعد أن امتنع رئيس الصحة العالمية لعدة أشهر عن تصنيف كورونا كجائحة وعقب تصريحه نهاية فبراير الماضي أن ’’استخدام كلمة ’جائحة‘ لا يتلاءم مع معطيات الواقع‘‘، نشر جيتس بعد أربعة أيام مقالاً بمجلة ’’نيو إنجلاند‘‘ الطبية صنف فيه كورونا جائحةً عالمية، لتعلن مؤسسته بعد أسبوع المساهمة بمبلغ 50 مليون دولار تحت عنوان ’’تسريع تطوير لقاح كورونا‘‘ والذي ذهب معظمه لمنظمة الصحة، لتعلن بدورها في اليوم التالي مباشرة كورونا جائحةً عالمية!
بيل جيتس، ’’أقوى دكتور في العالم‘‘ حسب وصف صحيفة ’’بوليتيكو‘‘، هو واحدٌ من عدة قيادات رئيسية متجذرة لعقود في قلب اللوبي العالمي، له النفوذ الأقوى والتأثير الأكبر في المجال الطبي، دوره محوري واستراتيجي بشكل عام – وفي معركة كورونا بشكل خاص – بخلاف رئيس أمريكا ومن سبقه من الرؤساء الذين ينتهي دورهم خلال سنوات معدودة لا تكاد تسمع بعدها عنهم شيئاً؛ أما ترامب فكان رجل المرحلة الأنسب لإظهار الوجه القبيح لأمريكا في إنجازه عدة مهام – اقتصادية في معظمها – وإقدامه على عدة خطوات جريئة مثلت ضرورة ملحة للوبي العالمي الذي يبدو أنه لم يعد بحاجته.
تمكن الرئيس الملياردير ببجاحته ومن واقع خبرته كمستثمر جشع من إدرار المليارات على الخزينة الأمريكية وتوفير المليارات الأخرى عليها أكثر من سابقيه وخلال فترة قياسية، وكان من تخلصت أمريكا عبره من العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي شكلت قيوداً عسكرية واقتصادية وسياسية لسنين وعقود.

على الصعيد الأممي:
قلص ترامب تمويل بلده لقوى حفظ السلام التي كان آخرها 2.46 مليار دولار قبل ترأسه، مخفضاً المبلغ عاماً تلو آخر وصولاً لنصف ذلك في الموازنة المرفوعة لعام 2019م بمبلغ 1.19 مليار دولار؛ كما قطع أكثر من ربع مليار عن تمويل الأمم المتحدة بعد التصويت على نقل سفارته للقدس.
انسحب ترامب من مجلس حقوق الإنسان، وانسحب من اليونيسكو متخلصاً من سداد أكثر من نصف مليار من المتأخرات، كما وفر على الخزينة الأمريكية أكثر من نصف مليار أخرى بتعليق التمويل الأمريكي لأكثر من عشر منظمات أممية، وتقليصه بعشرات الملايين على باقيها.

على الصعيد العسكري-الاقتصادي:
انسحب من اتفاقية نافتا “NAFTA”، اتفاق شراكة المحيط الهادئ “TPP”، واتفاق باريس للمناخ؛ كما انسحب من الاتفاق النووي، ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، واتفاقية الأجواء المفتوحة.. نجح ترامب في تصدير ما قيمته 33.2 ملياراً من السلاح خلال ثلاث سنوات، محققاً من عامه الأول كرئيس رقماً قياسياً بأكثر من 12 ملياراً، أعلى بنسبة 21% من أكبر رقم حققه أوباما خلال سنواته الثمان؛ ولا يخفى على أحدٍ ترامب كبطلٍ لمسلسل الحلب العنيف والصريح للضرع السعودي من صفقات سلاح محسوبة بالمليارات، و’’جزية‘‘ تُدفع مقابل الحماية، وغير ذلك.
يطول الكلام حول ما حققه المستثمر الرئيس، خلاصته أنه أزاح عن كاهل أمريكا الكثير من الأعباء والالتزامات لكل المراحل القادمة، واليوم هناك خارطة اقتصادية جديدة يريد رسمها اللوبي العالمي بريشة كورونا لا تتناسب أو تعجب الكثير من المستثمرين أمثال ترامب الذي – على خلافهم جميعاً – يتعامل مع الأمر من موقع القرار في أعلى مركز بالسلطة لأقوى بلد اقتصادي، ظناً منه أنه من يملك كل معطيات اللعبة وأوراقها وأنه الرجل الأقوى في العالم حتى في هذه المعركة.
محللون رأوا في بداية الشرخ بين جيتس وترامب أن الأخير إن لم يردمه فسيعني نتيجة واحدة، أنه قد لا يبقى رئيساً، إما بأن تأتي الانتخابات وقد خسر شعبيته، فيفشل أو لا يتشرح أصلاً، كما تحقق لبيل كلينتون بسيناريو مختلف؛ أو بإزاحته بطريقة ما إن اضطر الأمر قبل انتهاء رئاسته، كما تحقق لجون كينيدي بأقسى سيناريو.
من لا يزال يشك بأن الرؤساء الأمريكيين ليسوا مجرد واجهاتٍ للوبي يشتغل في الخفاء، فلينظر إذا كانت هناك سياسةً واحدةً أو توجهً قد تحول على يد أي رئيس لأي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة في مشاريعهم السياسية والعسكرية التي لن يجد في تسلسلها التاريخي إلا خطةً واحدةً تُنفذ بشكل تصاعدي.

جائحة المظاهرات: لماذا اليوم؟
من غير الصحيح القول بأن مطالب المواطنين الأمريكيين ليست محقة، لأنها كذلك 100%، لكن الظلم والاضطهاد قائمٌ بحقهم منذ سنواتٍ وعقود وليس وليد اليوم، تشير الأرقام بأن جرائم القتل وحدها التي ترتكبتها الشرطة بحق المواطنين تتجاوز الألف جريمة سنوياً خلال معظم هذا العقد، لم يسلم منها السمر كغالبية حتى في حقبة أوباما، بل وستجدون في عهد الرئيس الأسمر الجريمة بحق المواطن المُقعد ’’جيريمي مكدول‘‘ الأسمر المقتول على أيدي عناصرٍ ’’بيض‘‘ من الشرطة بعشر رصاصات أسقطوه بها أرضاً من على كرسيه المتحرك، في مشهدٍ من أبشع ما قد تشاهدونه في حياتكم.
آلاف الجرائم أمثال ’’مكدول‘‘ و’’فلويد‘‘ ارتكبت خلال سنينٍ وعقودٍ مضت وفي ظروفٍ اقتصاديةٍ وصحيةٍ أفضل بمليون مرة من اليوم للتظاهر والاحتجاج، فلماذا كان ’’فلويد‘‘ في عام 2020م الأهم منها جميعاً؟ ولماذا كان رقماً أكبر من ثلاثة آلاف ضحية ممن سبقه في عهد ترامب لوحده ولم يضج لقتلهم الإعلام العالمي بهذا الشكل ولم يجد الشارع من يؤجج مشاعره لمظلوميتهم إلا في الوقت الذي لا يجرؤ المواطن الخروج حتى للبقالة أو الاختلاط حتى مع أفراد أسرته؟ ربما لأن ترامب لم يكن قد أنجز مهامه النوعية بعد!
ما يجب على الثوار الحقيقيين داخل الشعب الأمريكي أن يعوه هو أن ’’الحفاظ على الثورة أهم من الثورة نفسها‘‘، لذا عليهم أن يلتفتوا بجد لمسألتين هامتين:

الأولى:
أن المظاهرات قد تشكل ذريعة أخرى تضاف لذريعة كورونا في فرض قوانين وأنظمة رقابة وتتبع تنتهك حريتهم وخصوصيتهم أكثر من أي وقت مضى – حسب محللين – وسيكون ذلك نقلةً نوعيةً يحققها اللوبي على يد ترامب، بما يهيئ أجواءً قمعية واستبداديةً أكبر للرئيس القادم، وهنا ينبغي عمل الثوار بجدية لتصفية صفوفهم من المخربين والنهابين، وهي ربما المهمة الأصعب كون لشعبهم معدل من أعلى معدلات جرائم السرقة والسطو والقتل في العالم.

الثانية:
أن الثوار يتعاملون مع لوبي لديه خبراء محترفون في استغلال المطالب المحقة وحرف أصحابها عنها بعد تحقق أهدافه اللوبي لا أهداف من خرج ثائراً؛ وقد اشتغل قبلها على أوطاننا وثورات شعوبنا ضد الظلم.. نجح في بعضها فثبت دماه المطيعة التي تسيِّر خيرات وسياسات هذه البلدان لصالحه، كالسيسي والدنبوع.. فشل في البعض الآخر، فلجأ للخيار العسكريٍ طويل المدى، سواءً غير المباشر كسوريا أو المباشر كالعدوان على اليمن.
هم مجموعة من الشياطين التي لا تكل أو تمل، لا تتوقف أو تيأس، فهل سيتركون الدولة التي يقودون بها العالم وشأنها؟ هل سيتركون الشعب يجتث الظلم من نظامها الذي يظلمون به العالم؟

ظروفٌ مهيئةٌ داخل ساحة الحق وخارجها
حتى ما إن تجاهلنا كل المعطيات السابقة أو لم نترجم دلالاتها كما ينبغي، فما لا ريب فيه هو أن ما يحصل في أمريكا من متغيرات هي أحداثٌ غير مسبوقة بالنسبة لساحة الباطل، ومن المؤكد بأنها لن تُحدث فقط تغيراً في الخارطة الاقتصادية والجيوسياسية للعالم كما يسعون ويمكرون، بل تغيراً جذرياً في خارطة الحق والباطل، فالله خير الماكرين.
فمع ما تمر به حكومة رأس الشر من ذروة جائحتي كورونا والمظاهرات، ومع ما تعاني منه صفوف النفاق من تفكك هو الأسوأ وانهيار اقتصادي هو الأعنف، يتزامن مع كل ذلك في ساحة الحق شغلٌ وتوحدٌ لم نعهده من قبل بين المؤمنين المتحركين ضد أهل الباطل.
محور الجهاد بات اليوم في توحده وعدته وعتاده في أفضل مراحله، وتحرك المجاهدين الصادقين لم توقفه الحروب ولن توقفه الجوائح، ولا يمكن تفويت فرصة ذهبية كهذه دون استغلالها ضد أمريكا وضد وكلائها للبناء والإعداد والتنسيق في كل المجالات لشن الهجمة التي تقلب الطاولة على محور الشر ككل وتطرد أمريكا من المنطقة، فمما لا شك فيه بأن في توجهٍ بهذا القدر من الاعتصام بحبل الله لكل المتحركين في ميدان الجهاد من اليمن وفلسطين ولبنان وإيران والعراق هو من أهم الأسباب التي في الأخذ بها إنزال التدخلات الإلهية، وأمريكا – ككل من سبقها من دول الطاغوت التي أصبحت قصصاً تاريخية – ليست بمعزلٍ عن سلطان الله، هو مدبر شؤون السماوات والأرض، من إليه يرجع الأمر كله وإليه عاقبة الأمور؛ وبريق وعد الآخرة بات أسطع من كل وقتٍ مضى!

يقول الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه:
“أنتم شغالين في جانب والباري هو مشتغل ويعمل – إذا صحت العبارة – يعمل كثيراً، يعمل كثيراً من الأشياء التي لا تخطر في بالك ولا تصل إليها قدراتك لا الذهنية ولا المادية، هو المدبر، هو المغير، هو يصنع المتغيرات، وضرب أمثلة كثيرة في القرآن على هذا ..
هو يؤيد وينصر في حركتك المباشرة، ويعمل أشياء كثيرة من هناك، مثلما قلنا بأنه ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في مكة معه مجموعة مسلمين مستضعفين يعذبونهم، وناس يحتاجون يهربونهم إلى الحبشة لاجئين، أليس هو هناك يدبر ما بين فارس والروم؟ عندما يكون الناس يرون أنفسهم في وضعية تبدو أنهم مستضعفون فيها وفي حالة شدة وكذا، هم لا يعرفون ماذا يعمل الباري في مجالات أخرى في الساحة العالمية هذه!”.

مراجع:
• تناقضات ترامب في التعاطي مع كورونا:
https://www.washingtonpost.com/politics/2020/04/23/12-trumps-worst-coronavirus-contradictions/
• الحدث 201:
https://www.centerforhealthsecurity.org/event201/about
• مشهد قتل الرجل المقعد ’’جيريمي مكدول‘‘:

• إحصائيات جرائم الشرطة الأمريكية 2013 – 2019:
https://www.usnews.com/news/articles/2020-06-03/data-show-deaths-from-police-violence-disproportionately-affect-people-of-color
https://mappingpoliceviolence.org/
https://policeviolencereport.org/
• وثائقي قصير يسلط الضوء على سياسة الابتزاز المالية للأمم المتحدة من قبل ترامب وبعض المبالغ التي قطعها وقلصها

• صادرات السلاح الأمريكية من 2000 إلى 2019:
https://www.statista.com/statistics/248521/us-arms-exports/
• معاهدات واتفاقيات انسحب منها ترامب:
https://edition.cnn.com/2019/02/01/politics/nuclear-treaty-trump/index.html
• انسحاب ترامب من اتفاقية الأجواء المفتوحة للأسلحة:
https://edition.cnn.com/2020/05/21/politics/us-open-skies-arms-control-treaty/index.html
• دروس من هدي القرآن الكريم / دروس رمضان – الدرس الرابع / سورة البقرة من الآية 40 إلى الآية 66

قد يعجبك ايضا