اليمن يدفن مشروع الهيمنة السعودية في الوطن العربي
علي محسن حميد
من كان يتصور أن بعض اليمنيين الحفاة والمحاصرين سيدفنون مشروع هيمنة السعودية في الوطن العربي، كان كالحصان الجامح وبدايته كانت بالانتصار في حرب اليمن.. كانت الثقة بالنصر مطلقة.. أساءت السعودية التقدير واستعجلت الحصاد عندما قال قائل منها بعد أسبوعين على عاصفة تدمير اليمن إنها ستدك صنعاء حجرا فوق حجر..
هذه العنجهية ساحت في جبال وسهول اليمن ولم تكن هذه النتيجة المُرَّة في حسبان المعتدِي والمعتدَى عليه ولكنها الإرادة وقوة الحق والانتصار على جار لم يسلك يوما ما نحوهم سياسة تطمئنهم إلى أنه يقيم لمصالحهم ولسيادتهم ولوحداتهم الترابية الوزن الواجب، وليس هناك لدي أدنى شك في أن إفشال مشروع الهيمنة السعودية هو محل تقدير الشعوب العربية الصامتة من المحيط إلى الخليج، أما الشعب السعودي فإنه لا يعرف لماذا تحارب حكومته جارا لم يعتد عليه ولم يطلق تجاه حدودها رصاصة واحدة قبل 26 مارس 2015م ولم يشكل تهديدا لها بل يقول دائما إنه جاهز لحماية السعودية من أي عدوان..
نزعة الهيمنة السعودية ليست سرا ففي عام 1979م قال السفير الفرنسي في صنعاء إن اليمن وفرنسا تشتركان في حرصهما على استقلالهما، وفي القاهرة وصف السفير الألماني السابق السيد برند اربل الذي عمل في شبابه في صنعاء وصف الشعب اليمني بأنه شعب يعتز بكرامته، وفي أبريل 2013م قال الخبير الدستوري الفرنسي السيد فرانسوا فريزو – روش في صنعاء “السعوديون عندهم شهية لأكل الأراضي اليمنية”، وكرر الباحث الفرنسي في شؤون اليمن السيد لوراه بونفوا القول في مؤلفاته إن السعودية تريد سعودة اليمن عبر السلفيين، وواحد منا قال إن اليمن لا يمكن أن تكون سعيدة وسعودية في نفس الوقت وغير هؤلاء كثير.. لم تستوعب السعودية منذ إنشائها حقيقة أن اليمنيين عصيون على التطويع حتى ولوشذ نفر منهم وزار اللجنة الخاصة في الرياض وسُجّلوا في كشوفاتها المالية أو تحولت قلة شاذة من الحداثيين إلى مؤيدين للسياستين السعودية والأمريكية في المنطقة ويرون أن أعداء الدولتين هم أعداء لهم، هؤلاء هم متفرجون في مباراة كرة قدم سياسية للاعِبين السعودي والإماراتي في ملعب يغط صاحبه في نوم عميق بالرياض..
ومن العجيب أنهم لا يكلون ولا يملون من ترديد الشكر للسعودية في حربها التي تنتهك بشكل صارخ القرار الأممي 2216وقد خلقت فراغا في السلطة التي تحارب لاستعادتها سعيا للهيمنة على اليمن الاستراتيجية وهي مطمئنة إلى أن السلطة الأسيرة لديها لن تجرؤ حتى على التأتأة.. الوضع الشاذ الحالي صناعة سعودية وهدفه شرعنة هيمنة طويلة المدى على دولة قد تستمر موحدة ولكن سينقص منها الجزء الذي سيربط آبار بترولها ببحر العرب الذي سيصبح مستعمرة لها ولاسيادة لليمن عليه .. يحدث هذا والسلطة المعترف بها دوليا لا تحرك ساكنا ومعها حلفاؤها من النخب الحداثية والتقليدية التي تقيم مع حكومة المنفى في الرياض ويضمها تحالف مشبوه يسمى ”تحالف الأحزاب والقوى الوطنية”..
هذه النخب لا تخجل من خدمة أكثر النظم السياسية العربية رجعية وترتكب خيانة وطنية إما بالصمت أو بالتواطؤ.. السعودية قال عنها في 13 مايو السيد فرانك جاردنر الكاتب في الشؤون الأمنية في هيئة الإذاعة البريطانية ما كانت تقوله هذه النخب حتى الأمس القريب ” لقد تعاظم القمع في السعودية ولايجرؤ أحد أن يتساءل عن سياسات محمد بن سلمان لأنه يخاطر باعتقاله وسجنه واتهامه بأنه يهدد الأمن الوطني .. إن قطع الرؤوس لم يتوقف ولايزال هذا البلد من أكثر الدول انتقادا من قبل منظمات حقوق الإنسان، وحلفاؤه ينظرون إليه كشريك محير وأحيانا مسبب للإحراج.. هناك مناخ من الخوف ولا يجرؤ أحد على توجيه النقد خوفاً من الاعتقال”.
أكيد أنكم أيها المقاومون غيابيا تشعرون بذلك ولكنكم لاتجرؤون حتى على الهمس مع أقرب الناس إليكم، وباختصار هل تظنون أن السعودية تريد لليمن نظاما أفضل من نظامها؟.. اليوم أمامكم خيار العودة لتكونوا مع شعبكم وفي وطنكم، أما ما كتبه جاردنر عن ورطة السعودية في اليمن ودعم أمريكا وبريطانيا لها ومسؤولية الثلاثي عن الجزء الأكبر من معاناة اليمنيين فلا جديد فيه وهو تأكيد للمؤكد..
أليس من حق اليمنيين أن يفخروا بأنهم نيابة عن العرب أنقذوهم من مشروع الهيمنة السعودية على المنطقة لخدمة تحالف استراتيجي مع أمريكا وضع أسسه روزفلت وعبد العزيز عام 1946م ولم يخدم أي قضية عربية بل كان ولايزال وباء ووبالا على العرب.. لقد حذر كتَّاب وليس دولاً السعودية من مقبرة اليمن لأن لا دولة أرادت تقديم النصح لـ ”الأخ الكبير” الذي أفرغ اليمنيون بالونته من هوائها وسيحررونه من أهوائه وسيقبرون طموحاته غير المشروعة في اليمن والوطن العربي إلى الأبد.. قد تصبح السعودية قوة اقتصادية وهذا هو قدرها وحدها لكن أن تلعب دورا سياسيا وقوميا أو حتى إسلاميا فاقرأوا الفاتحة على هكذا طموح والفضل لليمنيين.. لماذا؟ لأنه لا يمكن الجمع بين قيادة الأمتين العربية والإسلامية وبين التبعية لأمريكا التي تتأكد بإحجام السعودية عن توظيف تحالفها الاستراتيجي معها لصالح القضايا العربية ولو كانت قضية فلسطين – وهي اليوم في أحرج أوضاعها – من همومها لما تجرأ ترامب على نقل سفارته إلى القدس ثم تبنيه ضم ثلث الضفة إلى الكيان الغاصب..
القيادة تعني تبني مشروع نهضوي عربي ليس صديقا للهيمنة الأجنبية.. القيادة موقف .. القيادة فعل .. القيادة تضحية .. السعودية تضخمت بدون أن تحسب حسابا دقيقا لقدراتها وأنها ليست أكثر من بنك، كما أنها لم تحسب حسابها لحساسيات من هم أجدر منها بقيادة المنطقة.. في 20 مايو 2017م، اليوم الذي كان فيه ترامب مع 55 من القادة العرب والمسلمين في الرياض قال المتحدث السعودي فهيم في نشرة الثانية والنصف لإذاعة القاهرة “الرياض الآن هي البوصلة وبوصلة العالم السعودية أتاحت للرؤساء العرب والمسلمين فرصة الجلوس مع الرئيس الأمريكي”.. الجلوس مع ترامب أصبح غاية، وفي نشرة الثامنة والنصف مساء تجاهلت إذاعة القاهرة كليا وقائع زيارة ترامب للسعودية ووجهت اهتمام المستمعين إلى كلمة الرئيس السيسي في القمة عن رؤية مصر 20- 30ولقائه برئيسي طاجيكستان وبوركينافاسو، وفي تلك الغُمة لم يسمع ترامب من المُضيف ما يَكره .. “فلسطين”.
واستعجلت السعودية المزهوة بالزيارة برفع شعار” العزم يجمعنا Together we prevail ” ” أي أن الشمل العربي – الأمريكي – المسلم الذي طالما فرقه “الأعداء” قد اجتمع بإذن الله بقيادة أمريكية لأن أمريكا تاريخيا لا تقبل- بتعبير الرئيس رونالد ريجان -أن تكون الثانية Second – to- none. كان يجب توظيف انعقاد تلك القمة الفريدة من نوعها لإعطاء ترامب دروساً في تاريخ فلسطين وحقوق الإنسان وتاريخ الثورة الأمريكية المسلحة ضد الاستعمار البريطاني والدستور الأمريكي ،كما فعل عظيم العرب جمال عبد الناصر في مراسلاته مع الرئيس الأمريكي جون كنيدي عندما ذكًّره بجوهر قضية فلسطين وحفر في ذاكرتنا ولأجيال قادمة عبارته الخالدة عن وعد بلفور “وعد ممن لا يملك لمن لا يستحق”.. بدأت قيادة عبدالناصر برفض الأحلاف العسكرية واليوم نسمع عن “ناتو عربي”! لا يجد أي ممانعة عربية.. عام 2017م صادف الذكرى المئوية التي لم ولن تتكرر لوعد بلفور وكان ينبغي تذكير ترامب به ولو كانت السعودية كدولة مضيفة تعي ما هي مقومات القيادة لما صمتت.. بعد الغُمة وقعت السعودية صفقة تسليح لا تحتاجها بـ460 مليار دولار لجيش لم يُعَد مطلقا للحرب..
شنت السعودية حربها علينا لأنها لا تريد أن يكون لليمن الفقير جيش أفضل من جيشها، ومن وسواس لدى الملك عبد الله انتقلت إلى مشروع ثلاثي يشبه تحالف عدوان السويس عام 1956م إعدادا وتخطيطا وتحديد أهداف، وظف الحلف الثلاثي معلومات قدمها فريق عسكري أردني عن مخابئ ونوعية السلاح اليمني وشارك في إعادة هيكلة الجيش اليمني بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صالح تنفيذا للمبادرة الخليجية المسمومة وكان “جحيم صنعاء” من صنع أردني أيضا، الجيش السعودي برزت عدم كفاءته في استعراض عسكري في حفر الباطن قبل سنوات طويلة عندما فشل الجنود السعوديون في ضبط خطواتهم التي هي من بديهيات فرق الكشافة وكان من حضور ذلك الاستعراض الرئيس الراحل صالح، وهذا الجيش هو الذي يدافع عن الدين والوطن بحسب خطباء الحرمين الشريفين وغيرهما.. إن انتصار اليمن سينقذ السعوديين من طغيان محمد بن سلمان أيضا.