تشهد القضية الفلسطينية مؤامرات خطيرة دولية وإقليمية ولم تعد هذه المؤامرة ضربا من التفسير التآمري للتاريخ بل باتت واضحة في أهدافها تصفية القضية لخدمة مصالح الاحتلال الصهيوني دون تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني والبسبب سقوط بعض الأنظمة العربية و الخليجية كالسعودية والإمارات في أحضان الاحتلال الإسرائيلي فالذاكرة العربية تفيض بمشاهد الذين استرزقوا على حساب القضية الفلسطينية وبينهم من باع واشترى باسمها وفاوض أحياناً على التفريط بالحقوق الفلسطينية سراً وعلانية تحت شعارات الدفاع عنها ورسمت له أدواراً وعقدت صفقات التنازل عن الحقوق وقدمت وعوداً بتصفية ما تبقى من رمزية للقضية وتبجح بالتشفي من العرب برفع شارات النصر المزعوم عليهم وعلى حقوقهم ووجودهم ومصيرهم..
الثورة / قاسم الشاوش
يبدو اليوم ان الفلسطينيين أمام المؤامرة التي تحاك لهم كضحية تنتظر قاتلها، وتفكر فقط في خيارات الموت التي سيقدمها لها! فالفلسطينيون في غزة، وحركة حماس التي تمثل حكم الأمر الواقع هناك، ينتظرون رفع الحصار، وقدمت حماس لأجل ذلك كل ما تستطيعه سياسيا، وتحاول في نفس الوقت الانفتاح على جميع الأطراف، بما فيها تلك الأطراف التي تعادي بعضها البعض، ولكن حماس والقطاع لا يفعلان عمليا سوى الانتظار، والترقب لما سيقرره الآخرون بخصوص الحصار أو الحرب أو الصفقة أو أي خيار آخر، خصوصا أن كل تحركات حماس و”تنازلاتها” لمصر وعباس، وحتى دحلان، لم تقدم شيئا عمليا على صعيد إعادة الحياة لقطاع غزة.والحال نفسه في الضفة الغربية، فالشعب الفلسطيني يتابع ما ينفذه الاحتلال من وقائع على الأرض تغير الجغرافيا والديمغرافيا، وتصنع واقعا جديدا جعل من حل الدولتين، فضلا عن التحرير، أمرا مستحيلا، والسلطة ورئيسها يمارسان “الانتظار” لما سيقرره البيت الأبيض بعد غضب و”عتب” ترامب على موقف السلطة من إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال.. لا شيء سوى الانتظار، أما قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير فما هي إلا كلام ودوران في نفس خيار “أوسلو” الذي ثبت فشله.
الثورات الشعبية
وأثبتت التجربة التاريخية للنضال الفلسطيني منذ بدايات القرن الماضي أن الثورات الشعبية السلمية هي أكثر أنواع النضال تأثيرا وإيلاما للاحتلال، والأكثر كلفة عليه من الناحية السياسية واللوجستية والاقتصادية والأمنية، والأكثر تعرية له أمام العالم بإعادة الصراع لمعناه الأساسي: شعب محتل يقاوم ضد الاحتلال، وهو الخيار الأقل كلفة في نفس الوقت على الفلسطينيين. إن ما يمكن أن ينهي حالة الانتظار الفلسطينية غير المجدية، وينهي المعادلة البائسة للاحتلال غير المكلف، هي مقاومة مدنية شعبية في الضفة الغربية وعلى خط الحدود بين القطاع والمناطق المحتلة المحاذية لها، وهي مقاومة ستجبر الاحتلال على أن يصبح في حالة دفاع بدلا من حالة الهجوم التي يعيشها الآن، وستساهم بإنهاء حالة الستاتيكو التي يستفيد منها فقط الاحتلال، والتي تأخذ من الفلسطينيين كل يوم الكثير من حياتهم وحتى من أحلامهم بأي مستقبل!
الحديث عن فلسطين لم يعد تكرارا لما نعرفه جميعا من ثوابت وحقوق وطنية بقدر ما أصبح تعبيرا عن القلق الكامن في ثنايا ما لا نعرفه وما يتم التخطيط له من قِبَلِ الآخرين لتصفية القضية الفلسطينية وإغلاق مَلَفِها بشكل نهائي. والخطورة في هذا السياق ليست محصورة فقط بما يخططه العدو سواء أكان إسرائيليا أم أمريكيا، بل بما يخططه القريب سواء أكان عربيا أو فلسطينيا .. فهذه الأنظمة وعلى الرغم من أي خلافات قد تكون فيما بينها، إلا أنها على ما يبدو متفقة ضمنا على إغلاق ملف القضية الفلسطينية، وتأهيل علاقاتها مع إسرائيل باعتبارها حليفا وصديقا وليس عدوا، دون مطالبتها بدفع أي ثمن للفلسطينيين مقابل ذلك. ويبدو أن الثمن الأهم الذى تسعى تلك الأنظمة للحصول عليه هو رضا إسرائيل عنها ودعمها لها في سعيها للبقاء والاستمرار فيما هي عليه بغض النظر عن إرادة شعوبها، والحصول على الدعم الأمريكي لها في ذلك المسعى . الحديث عن صفقة القرن ومؤامرة تصفية القضية الفلسطينية يجب ألا يُنظر إليه باعتباره تطورا جديدا خطيرا، فالمؤامرات على فلسطين والفلسطينيين والقضية الفلسطينية لم تتوقف منذ بدايات القرن العشرين. التطور الجديد والخطير هو الدور العربي والسلطوي الفلسطيني المُعْلَن والمتسارع في التآمر على القضية الفلسطينية والذي اتخذ أشكالا ومسارات لم نعهدها من قبل .
وهكذا فإن ما نحن مقدمون عليه من مزيد من الانهيار والسقوط والاستسلام هو محصلة للسلوك الأناني الجائر لمعظم الأنظمة العربية وخاصة السعودية والإمارات تجاه شعوبها وآمالها في التنمية الاقتصادية والسياسية وتحقيق الأماني القومية والوطنية. تتلازم السياسة الأمريكية في تواطؤها مع الصهيونية مع المؤشرات المتتابعة للانهيار في الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية والتي تتناسب بشكل طردي مع الانهيار والاستسلام الرسمي العربي والسلطوي الفلسطيني للضغوط القادمة من أمريكا وإسرائيل والتي تعكس موقفا أمريكيا عدائيا بشكل علني وغير مجامل للحقوق العربية والفلسطينية.
الخطر الاستراتيجي
والخطر الاستراتيجي على الأمة العربية هو وجود الكيان الصهيوني المحتل على أرض فلسطين لم يعد واردا في حسبان العديد من الأنظمة الحاكمة في العالم العربي وخاصة دول الخليج الامارات والسعودية والتي أخذت تترجم المصالح الوطنية والقومية لشعوبها من منظور مصلحة النظام نفسه، خصوصا بعد أن تم استبدال حالة العداء لإسرائيل بالعداء لإيران وتم تصنيف إسرائيل بذلك كحليف استراتيجي يشارك تلك الأنظمة عداءها لإيران .
فالسقوط العلني لهذه الأنظمة في أحضان إسرائيل لا يعني سقوط الشعوب العربية. يؤكد أن ما تسعى إليه الأنظمة قد ترفضه الشعوب بطريقتها الخاصة، وهذا لا يعني عدم وجود مَنْ هُمْ على استعداد للتطبيع ولكنهم قلة قليلة وقد أثبتت السنوات أن المقاطعة الشعبية العربية لإسرائيل والمستندة إلى أولوية الحق والإيمان العميق بخطر إسرائيل على مستقبل هذه الأمة يشكل بحد ذاته سَدا ضد انحراف الأنظمة والذى يجب أن لا يعنى بالضرورة انحراف الشعوب. الأمر المفجع حقيقة هو أن هذا التنازل الخليجيي قد جاء مجانيا ولم تطالب الأنظمة إسرائيل بأي شيء ولو حتى رفع الظلم عن عائلة فلسطينية واحدة أو إخراج سجين فلسطيني واحد من سجون الاحتلال! هذا هو السقوط والانهيار بعينه ولا يوجد أي تفسير آخر لذلك.
حالة الانقسام الفلسطيني
إن طبيعة الأفكار الأمريكية المرتبطة بالتوصل إلى حلول تؤدى إلى إغلاق ملف القضية الفلسطينية أصبحت مرتبطة أيضا بتكريس حالة الانقسام الفلسطيني المزمن، وأصبح حل غزة أولا وأخيرا نتيجة مُتَوَقَعة لهذا الانقسام وما قد يتمخض عنه من أمر واقع يجعل من حل الدولة الفلسطينية في ما يسمى «بقطاع غزة» حصرا، أمرا محتوما وخيارا وحيدا.
فإن ارتباط صفقة القرن بما يجرى في الأردن الآن وما يمر به من صعوبات على افتراض أن صفقة القرن تهدف إلى خلق وطن بديل للفلسطينيين في الأردن. والواقع أن هذا الأمر يبدو بعيدا عن الصحة كون مفهوم الوطن البديل، إذا ما حصل، سيكون عاما ويرتبط بتوطين الفلسطينيين أينما كانوا في الدول المضيفة لهم وليس إنشاء دولة فلسطينية فى وطن آخر، كون صفقة القرن لا تسعى إلى إعطاء الفلسطينيين حق إنشاء دولة أو حق العودة إلى وطنهم فلسطين، بقدر ما تسعى إلى توطينهم في أماكن تواجدهم خارج فلسطين. هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل لا توافق على إنشاء دولة فلسطينية إنما أو على تحويل أي دولة عربية إلى دولة فلسطينية.
إن ما قد يكون أكثر خطورة في آثاره قد يكون على أولئك الفلسطينيين المقيمين في ما كان يدعى بالضفة الغربية ويتمثل ذلك في احتمال قيام بعض القوى في الأردن بالبحث عن فتاوى قانونية أو دستورية تهدف إلى إلغاء قرار فك الارتباط وما تمخض عنه باعتباره يتناقض والدستور الأردني أو القانون الأردني في بعض جوانبه ويمهد الطريق بالتالي إلى إعادة الجنسية الأردنية لأولئك الفلسطينيين مما سيحولهم في ظل قانون يهودية الدولة من مواطنين فلسطينيين على أرضهم إلى رعايا دولة أجنبية مقيمين على ما يُدعى بالنسبة لقانون يهودية الدولة «بأرض إسرائيل»، مما قد يسمح لدولة الاحتلال بطردهم في المستقبل إلى الدولة التي يحملوا جنسيتها باعتبارهم مقيمين وليسوا مواطنين. مرة أخرى الخطر قد يأتي من داخلنا والمستفيد الوحيد هو العدو الإسرائيلي.
قُمْقُم الانهيار والاستسلام
ان إخراج القضية الفلسطينية من قُمْقُم الانهيار والاستسلام العربي والتخاذل والتواطؤ السلطوى الفلسطيني قد أصبح أمرا حيويا ومصيريا لمستقبل هذه القضية والحفاظ على الحقوق العربية الفلسطينية. وهذا الأمر يستوجب حل السلطة الفلسطينية وارغام الاحتلال الإسرائيلي على ممارسة دوره البَشِعْ كقوة احتلال مُباشَرَة وعلنا وعدم السماح لذلك الاحتلال بالاختباء خلف واجهة السلطة الفلسطينية وتحت عنوان «الحكم الذاتى» الزائف والذى لم يتجاوز أبدا قطاع الخدمات والتجسس الأمني لصالح الاحتلال تحت شعار زائف آخر وهو «التنسيق الأمني». …
ولادة زمن جديد
ما يجري على أرض الوطن العربي، بمركزيّة معركته في فلسطين، يُعتبر ولادة زمن جديد، دون تبدل الأهداف عند القوى الوطنيّة القوميّة التّقدميّة والإسلاميّة المقاومة… تتبدل بعض التكتيكات، وتظل الإستراتيجيّة المقاومة هي السّمت، وما أظنّ أنّ عاقلاً، منصِفاً، يلتبس عليه الأمر، فحيث تقف دولة البترول المنهوب، لا تطمئنّ القلوب، بسبب التّجربة المريرة معها، فلو صدق البتروليّون الوهابيون، سابقاً ولاحقاً، لكانوا قادرين على إجبار الغرب على الإنصياع للإستجابة للحقّ العربي في فلسطين، ولكان بإمكان نثريّات أموالهم أن تجعل من كلّ صحارى العرب وبواديها جنّات، ولكنّهم لم يفعلوا، ولن يفعلوا.
سلسلة من العلاقات التآمرية السريّة
فما تشهده المنطقة حالياً من تنسيق علنيّ بين الرياض وتل أبيب ضدّ القضية الفلسطينيّة، إلا حلقة جديدة في سلسلة من العلاقات التآمرية السريّة بين الكيانين الإسرائيلي الصهيوني والسعودي الوهابي، هدَفه الاستراتيجي تصفية القضيّة الفلسطينيّة. وفي سياق إلقاء الضوء، وتعرية المعرى، وليس بعيداً عن الاصطفافات القائمة، وبخاصة فوق مساحة معينة من هذه الأرض، ومن المهم تسليط الضوء على حكام (الحجاز ونجد) بوصفهم قاطرة العمل التآمري على فلسطين
فأسرة آل سعود هي من تاجرت بالقضية الفلسطينية وفرطت بحقوق الشعب الفلسطيني، وكلنا يتذكر محاولة الملك السعودي عبد الله في قمة بيروت العربية تمرير مبادرته للسلام مع إسرائيل دون أن يدرج حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه فيها، كما أن الأسرة السعودية تستمر بتمويل بناء مستوطنات الاحتلال الصهيوني من فوائد أموالها المنهوبة من مقدرات الشعب السعودي الموضوعة في البنوك الأميركية. فالنهج الذي اختطه نظام آل سعود، والمنخرط في إطار رؤية إقليمية ودولية تتناقض مع المصالح العربية، تجاه المسائل التي تتعلق بالأمن القومي العربي كان من الخطورة بمكان، وعرض هذا الأمن ليس لاختراقات هنا وهناك فحسب، بل لنكبات عديدة ساهمت في شرذمة الوضع العربي وتهميش القضايا القومية، وإضعاف الشعور بهذه القضايا إلى أبعد الحدود.
الحقوق المشروعة
ورغم كل ما حققته القوى الاستعمارية وذراعها السعودية المتآمرة على القضية الفلسطينية إلا أن أبناء فلسطين ورغم حاجتهم للدعم العربي إلا أنهم لا يعتمدون كثيراً على هذا الدعم، فهم يعلمون حقيقة قضيتهم ومصرون على مطالبهم وحقوقهم المشروعة، بدليل أن المكون الفلسطيني قارب أن يفوق المكون الصهيوني في الأراضي المحتلة رغم كل الجرائم في كافة الأراضي الفلسطينية، لكن الشعوب العربية هي التي تحتاج أن تعي أن ما يقدمه الفلسطينيون من دماء زكية وشهداء أبرار، ومعاناة يومية على كافة أصعدة الحياة، من سيحفظ الحقوق العربية ويمنع دولة الاحتلال من الانتقال إلى خطوتها التالية (من النيل إلى الفرات)، برغم التجاهل العربي لقضيتهم، وأقصد هنا التجاهل الشعبي العربي، فللمرة الأولى تنشغل العواصم الكبرى بمشاكلها، عن حتى إبداء التعاطف ضد ما يرتكبه كيان الاحتلال من مجازر ضد شعبنا الفلسطيني الأبي، ولم تخرج الشعوب بإدانة واضحة وخطوات حقيقية تمنع هذا المحتل الغاصب من مواصلة إرهابه.
مؤتمرات واتفاقيات لم تصل إلى نتيجة بل أضعفت القضية الفلسطينية
نكبة فلسطين.. 72 عاماً من الكفاح وتهديدات الاحتلال لازالت مستمرة.. والضمير العالمي لا يحرِّك ساكنا