الإرهاب خطر يجب مكافحته
أحمد الحبيشي
يُعتبر تنظيم (القاعدة الإرهابي التكفيري) مكوِّنا رئيسياَ في منظومة ما تُسمّى (المقاومة الشعبية) المدعومة من دول العدوان والاحتلال في المحافظات المحتلة ، وبعض الجيوب المخترقة في تعز والبيضاء والساحل الغربي ، حيث تقوم الجماعات الإرهابية بالاعتداء على قوات الجيش واللجان الشعبية في بعض هذه الجيوب لصالح قوى العدوان والاحتلال ، وبدعم من قيادات أحزاب السفارات التي انضمّت اليها مؤخرا فلول فتنة ديسمبر 2017م ، على نحو ما حدث في البيضاء أواخر أبريل 2022.
قبل انكشافها وارتمائها في أحضان تحالف العدوان السعودي الأميركي على اليمن كانت سيرة قيادات أحزاب السفارات تخلو من مساهمات سياسية وفكرية وثقافية جادة وصادقة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، فيما كانت تمارس في الوقت نفسه مختلف أشكال التدليس عن طريق التظاهر المموّه بالحرص على السيادة الوطنية والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان في المسائل المتعلقة بمكافحة الإرهاب، حتى بدا موقف قيادات هذه الأحزاب مُتماهيا مع أهداف الجماعات الإرهابية ومُلتبسا بأفكارها المتطرفة.
ومن واقع فعاليات وبيانات وصحافة أحزاب السفارات ومداولات مجلس النواب على امتداد الأحداث الإرهابية التي وقعت في بلادنا والعالم، بوسعنا إثبات أن قيادات أحزاب السفارات وفي مقدمتها حزب التجمع اليمني للإصلاح ، مارست نفاقا مزدوجا إزاء قضية مكافحة الإرهاب.. فقادتها كانوا يرددون في دواوين السفارات الغربية ومجالس القات وقاعات الندوات والمؤتمرات التي كان يحضرها دبلوماسيون معتمدون في بلادنا، وزوارٌ أجانب من خارج البلاد، خطابا انتهازيا مناهضا للإرهاب، فيما يسوّقون عبر صحفهم وبياناتهم وفعالياتهم التنظيمية والفكرية والسياسية والإعلامية والبرلمانية وآخرها وثيقة ما كان يسمى قبل العدوان مشروع «الإنقاذ الوطني» خطابا معاكسا أو مموّها أو باطنيا.
كانت قيادات أحزاب السفارات تحرص دائما على الابتعاد عن إدانة جرائم الإرهاب بحق شعبنا وبلادنا، وتحاول في الوقت نفسه توجيه سهام النقد ضد أي توجهات تدعو الى مناهضة الإرهاب، والتشكيك فيها وتحريض الجماهير ضدها، بذريعة الدفاع عن السيادة والحريات وحقوق الإنسان، وذلك بهدف التمويه على حقيقة أهدافها المزدوجة.
والثابت أن لا مبالاة أحزاب السفارات إزاء الإرهاب وموقفها المحايد والمموّه في معظم الأحيان من الحرب الدائرة ضده، وتماهيها معه أحيانا أخرى بأشكال سافرة أو باطنية ، وغياب أي دور ملموس لها في إدانة الإرهاب ومكافحته وتعبئة الرأي العام والمجتمع ضده، وتصديها لأي جهد تبذله الدولة في هذا المجال حتى ولو كان في صورة فيلم تلفزيوني متواضع على نحو ما حدث لفيلم «الرهان الخاسر» الذي تعرض لردود فعل هيستيرية في صحافة أحزاب السفارات.. كل ذلك يدل بوضوح على أن تلك الأحزاب لم تكن تستشعر خطر الإرهاب على مستقبل بلادنا وعلاقاتها الإقليمية والدولية.
ولاريب في أن هذا الموقف ليس جديدا، بل نجد تفسيرا له في معارضة كتلة نواب حزب التجمع اليمني للإصلاح للبرنامج الذي تقدمت به حكومة المؤتمر الشعبي العام لنيل ثقة البرلمان بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2003م، حيث احتفت صحيفة «الصحوة » في عددها الصادر يوم الخميس 19 يونيو 2003م بآراء نواب كتلة التجمع اليمني للإصلاح حول برنامج حكومة حزب المؤتمر الشعبي العام بعد فوزه في انتخابات 2003م، وأبرزت اعتراضات بعض النواب «الإخونجيين والسلفيين في التجمع اليمني للإصلاح» بشأن ما جاء في برنامج الحكومة من التزام وتصميم على مواصلة التصدي للإرهاب ومكافحته ، على الرعم من أن ما جاء في برنامج الحكومة السابقة للمؤتمر الشعبي العام لم يكن جادا بل موجها للسفارات الغربية في صنعاء بهدف التسابق مع تلك الأحزاب على كسب ودّها!!
وقد جاء تصدي نواب حزب «الإصلاح» لبرنامج حكومة المؤتمر آنذاك في ظروف كانت البلاد تعاني خلالها من آثار التفجيرات التي استهدفت بواخر تابعة لبلدان أجنبية وشركات ملاحية عالمية في موانئنا، واعتراف تنظيم «القاعدة» بمسؤوليته عن تلك الجرائم الإرهابية، وتكفير زعيم هذا التنظيم الحكومة اليمنية واتهامها بالعمالة للغرب والتحريض على إسقاطها في كلمة مسجلة بثتها أثناء الانتخابات البرلمانية القنوات الفضائية، وتضمن تهديدا صريحا بمواصلة استهداف المصالح الغربية في بلادنا.
الثابت أن نواب حزب «الإصلاح» وفي مقدمتهم الدكتور منصور الزنداني وشوقي القاضي ومحمد ناصر الحزمي ، أنكروا في تلك الجلسة التاريخية لمجلس النواب وجود الإرهاب في بلادنا ، واستنكرواما ورد بشأن إعلان ألتزام الحكومة اليمنية في برنامجها المقدم لنيل ثقة البرلمان ، بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لمكافحة الإرهاب تجسيدا للمصالح الوطنية العليا وتنفيذا لقرارات الشرعية الدولية.
ومن المضحك جدا أن نواب حزب «الإصلاح» الذين أنكروا واستنكروا التزام برنامج الحكومة السابقة ، بالتعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب، ولم يخفوا تعاطفهم وتضامنهم مع مرتكبي الجرائم الإرهابية في مياهنا وأراضينا، واستنكارهم للإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة اليمنية السابقة ضد مرتكبي الجرائم الإرهابية، تحولوا بنسبة 180 درجة مئوية عندما ارتكب الإرهابيون جرائم مماثلة بتوقيع تنظيم « القاعدة » في الرياض والدار البيضاء آنذاك، حيث أصدر حزب التجمع اليمني للإصلاح تحت ضغط من الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله، بيانا نشرته «الصحوة» في صدر صفحتها الأولى، أدان فيه تلك الجرائم الإرهابية، وأشاد بالإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة السعودية لملاحقة مرتكبيها والمشتبه بعلاقاتهم بتنظيم «القاعدة»، داعيا إلى تشديد التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب!!
أتذكر أنني كتبت حينها متسائلاً عن سر هذا الانفصام في خطاب ومواقف حزب «الإصلاح» ونوابه إزاء الإرهاب.. فهم يدينون الإرهاب حين يقع في السعودية، ويؤيدون إجراءات الحكومة السعودية لمكافحته وملاحقة مرتكبيه ، ويدعون إلى تشديد التعاون الدولي ضد الإرهاب، بينما يقفون على النقيض من ذلك حين يقع الإرهاب في اليمن ويلحق الضرر بمصالحه الوطنية وموارده الاقتصادية ومعيشة مواطنيه وعلاقاته الإقليمية والدولية!!
الطامة الكبرى أن أحد نواب حزب «الإصلاح» وقد احتفت به صحيفة « الصحوة» كثيرا في عددها الصادر يوم الخميس 19 يونيو 2003م ، عارض بسذاجة لا يحسد عليها ، ما جاء في برنامج الحكومة السابقة من تأكيد على مكافحة الإرهاب في اليمن بحجة أن الإرهاب غير موجود في اليمن وأن الأمم المتحدة لم تعط له تعريفا يبرر محاربته!!؟
والحال أن ذلك النائب وهو شوقي القاضي لم يبرهن فقط على جهله وعدم إحساسه بجراح وطنه الذي اكتوى ولا يزال يكتوي بنار الإرهاب، بل إنه قدم دليلا إضافيا على جهله بدور الأمم المتحدة في تعريف الإرهاب. لأن تعريف الجريمة الإرهابية في القانون الدولي بدأ في اتفاقية طوكيو المبرمة بتاريخ 14 / 9 / 1963م والخاصة بالجرائم التي ترتكب على متن الطائرات، ثم تواصل هذا التعريف في اتفاقية لاهاي بتاريخ 26 / 12 / 1970م واتفاقية مونتريال في 23 / 9 / 1971م والبروتوكول الملحق بها في 10 / 5 / 1984م فضلا عن اتفاقية نيويورك بشأن حماية الشخصيات العامة الدولية في 14 / 5 / 1973م مثل السفارات والقنصليات والممثليات الدبلوماسية أفرادا وممتلكات، واتفاقية منع اختطاف واحتجاز الرهائن في 17 / 12 / 1979م، والاتفاقية الدولية لقانون البحار ومكافحة القرصنة البحرية لعام 1983م ، واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بجرائم إبادة الجنس البشري لعام 1948م، والاتفاقية الدولية ضد استخدام المرتزقة لعام 1949م وملحقاتها في عام 1989م.
وقد تم التصديق على جميع هذه الاتفاقيات الدولية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتعد جزءا لا يتجزأ من منظومة القانون الدولي الملزم لعمل كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات والوكالات المتخصصة التابعة لها.
وبوسعنا القول إن تعريف الأمم المتحدة للجرائم الإرهابية لم يقف عند هذا الحد، بل امتد ليشمل ملاحق إضافية تتعلق بمكافحة أعمال العنف غير المشروعة في المطارات والموانئ التي تقدم خدمات للملاحة الجوية والبحرية الدولية، وهو بروتوكول ملحق باتفاقية مونتريال حول سلامة الطيران المدني الدولي تم التوقيع عليه في 24 فبراير 1988م بشأن مكافحة الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية والجوية، وكذلك اتفاقية مونتريال الموقع عليها في الأول من مارس 1991م والخاصة بضرورة وضع علامات على المتفجرات البلاستيكية لغرض كشفها والتحوط منها، بالإضافة إلى اتفاقيتين هامتين أبرمتا في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأولى في 15 / 12 / 1997م وتتعلق بمكافحة الهجمات الإرهابية بالقنابل، أما الاتفاقية الثانية فقد تم إبرامها في 9 / 12 / 1999م بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، مع العلم بأن اليمن وقع على جميع تلك الاتفاقيات السالف ذكرها.
وفي تاريخ 20 سبتمبر 2001م أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الشهير رقم (1373) الذي أكد في ديباجته أن الإرهاب يعد تهديدا للسلم والأمن الدوليين، موضحا أنه صدر في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يضع أي دولة ترفض الالتزام به تحت طائلة العقوبات الدولية التي تبدأ بالحصار والعزل وتنتهي باستخدام القوة.. وتضمن القرار عددا من الالتزامات على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة توجب تعاونها لمنع الإرهاب من الحصول على ملاذ آمن، وقطع مصادر تمويله وخطر استخدام أراضي ومياه وأجواء الدول الأعضاء لأغراض إرهابية، والمساعدة في التحقيقات والإجراءات الجنائية، وحظر مرور وانتقال وتحرُّك المجموعات الإرهابية، وتبادل المعلومات والتعاون الاستخباري لمنع وقوع الهجمات الإرهابية وعدم منح اللجوء للإرهابيين المطلوبين في جرائم متعلقة بالإرهاب.
في هذا السياق أقر مجلس الأمن الدولي إنشاء لجنة دولية تضم كل أعضاء المجلس الدائمين وغير الدائمين لمتابعة تنفيذ هذا القرار، وتلقي تقارير عن مستوى التزام كل دولة عضو في الأمم المتحدة بأحكام القرار الدولي رقم (1373) وفق جدول زمني، واقتراح خطوات التنفيذ الكامل للقرار. ويزيد من خطورة وأهمية هذه اللجنة ، أنها تشبه لجان الجزاءات الدولية التي تعطي الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ـــ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ـــ حق التنفيذ الجبري للقرار (1373) بسلطات الفصل السابع من خلال لجنة مناهضة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي في كافة المجالات الأمنية والمالية والمصرفية والاستخبارية.
ويبدو أن حزب «الإصلاح» الذي تصدى بكل صفاقة ووقاحة من خلال نوابه لبرنامج حكومة المؤتمر الشعبي العام بعد انتخابات 2003م، بالإضافة إلى إصراره على تجاهل خطر الإرهاب في ما كان يُسمّى مشروع «الإنقاذ الوطني» ، لم يدرك فقط خطورة تجاهل التزامات بلادنا تجاه المجتمع الدولي إزاء مكافحة الإرهاب، بل إنه يبدو وكأنه لا يدرك أيضا حجم الأضرار والخسائر الجسيمة التي تكبدها اقتصادنا الوطني في قطاعات النفط والملاحة والموانئ والسياحة والصيد البحري والاستثمارات الخارجية بسبب الأعمال الإرهابية التي تشكل خطرا حقيقيا على الأمن والاستقرار في بلادنا وعلاقاتها الإقليمية والدولية.
ولعل الذين أنكروا على حكومة المؤتمر الشعبي العام عزمها في البرنامج الذي نالت به ثقة البرلمان بعد انتخابات 2003م على مكافحة الإرهاب، يدركون جيدا أن مكافحة الإرهاب بالنسبة لحكومة الحزب الفائز بثقة أغلبية الناخبين في انتخابات 2003م هو مهمة وطنية بالدرجة الأولى، والتزام إقليمي ودولي بالدرجة الثانية، وحين يتم شطب هذه المهمة من أجندة الحكومة بموجب طلب نواب حزب «الإصلاح» الذي كان ولا يزال يقود ويوجه نشاط أحزاب السفارات قبل وأثناء العدوان السعودي على اليمن ، فإن ثمة عواقب داخلية وخارجية وخيمة ستصيب البلاد بأسرها نتيجة للسياسات المشبوهة لقيادات أحزاب السفارات وفلول فتنة ديسمبر 2017م، ودورها الخبيث في دعم الإرهاب والعدوان والاحتلال.