أو نظير لك في الخلق
أحمد عبدالرحمن الوداعي
في محضر النظام الرأسمالي عاش العالم بأسره تجربة مريرة وصعبة ولازال كذلك، ونراه اليوم يحاول التخفيف من آثار وتداعيات انتشار فيروس كورونا بالتحديد على الجانب الاقتصادي حيث لم يتمكن هذا العالم من الوصول إلى العلاج المطلوب حتى اللحظة .
فلا بلدان شرق الأرض ولا غربها المتقدم توصلت إلى تحديد لقاح أو مضاد يقاوم هذا الفيروس ويقضي عليه ..
من يراقب الأحداث اليوم وعلى المستوى العالمي فيما يتعلق بجائحة كورونا يكتشف أمرا خطيرا جدا كونه يعتبر أعظم وأشد كارثية على حياة الإنسان والبشر جميعا من مسألة انتشار العدوى في هذا البلد أو ذاك، كما أن المسألة ليست أيضا في عدم قدرة الدول على اكتشاف العلاج المطلوب بل إن الأمر تعدى ذلك ليصل إلى حقيقة واقعية وكارثية تتمثل في أن عالمنا البشري اليوم خلا تماما من مجموعة القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية الفطرية القائمة على أسس التعاون والرحمة ومساعدة بعضه لبعض وبغض النظر عمن سيقدم العون ولمن سيقدمه وما هو دينه أو عرقه أو لونه .
كم هي تلك الدعايات التي تباهت بها كثير من المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية ومن على شاكلتها حول طبيعة الخدمات والمساعدات الفعلية التي تقدمها لشعوب العالم وخصوصا الفقيرة منها فلم تتجاوز تلك الدعايات في الواقع حدود الفضاءات الإعلامية لا أكثر.
دعونا اليوم نشاهد الحقيقة على الواقع لنقيّم ونعرف طبيعة ما تقدمه هذه المنظمات وعلى رأسها الأمم المتحدة فيما يتعلق بهذه الجائحة العالمية وعندها سنعرف .
ومن جهة أخرى تعالوا أيضا لنتعرف على الإجراءات التي اتخذتها الأنظمة والسلطات الحاكمة لعدد من الدول وخصوصا الدول الكبرى المعروفة بتقدمها في المجالات العلمية والاقتصادية وغيرها وكيف كانت طبيعة المساعدات التي قدمتها أو ساهمت بها مع غيرها من الدول الأخرى.
فأمريكا وعلى لسان رئيسها يتخذ قرارا بمنع تصدير الأجهزة الطبية إلى خارج الولايات المتحدة، إضافة إلى ذلك فقد قامت بعملية القرصنة على شحنة كمامات تقدر بمائتي ألف كمامة كانت قد اشترتها ألمانيا من تايلاند، بل ولجأت إلى مضاعفة سعر الكمامات فتحرم فرنسا من شحنة أخرى كانت في طريقها إليها، وبدورها قامت فرنسا بمصادرة ملايين الكمامات التي كانت مرسلة من الصين إلى إيطاليا وإسبانيا .
لكم يبدو العالم اليوم مع هذه الجائحة التي أزالت مسوح التجميل منه، فوراء قناع الإحسان يتخفى عالم شديد القسوة لم يعر أدنى اهتمام بالجماعة الإنسانية ، أو قليلاً من العناية بالمسيرة البشرية ، أو قليلاً من الإحسان إليها.
النظام الرأسمالي اليوم يجب أن يواجه تقريعا من كل شعوب العالم وبمختلف الوسائل والأساليب فالرأسمالية التي شعارها حسب المقولة الفرنسية ( دعه يعمل دعه يمر ) هي اليوم بنفس المعنى مع كورونا تقول لهذا الإنسان ( دعه يحيا دعه يموت إن لم يستطع العيش ) فلا مكان هنا للمساعدة أو الإغاثة .
من الملاحظ أن العالم الرأسمالي لا نية لديه لأن يغير من أولوياته المتمثلة بالاستمرار في مراكمة الثروات وعلى حساب معاناة ومشاكل أبناء المجتمع البشري.
وهنا السؤال أو التساؤل عن دور الأنظمة العربية وخصوصا تلك التي تمتلك الثروات الهائلة والمعروفة بتماهيها مع الأسلوب والطريقة الرأسمالية للقوى الكبرى وما الذي يفترض أن تقوم به للتخفيف والمساعدة للدول الفقيرة ولو بتوفير كمامات وأقنعة طبية في الحد الأدنى؟! فلا منظمة تعاون إسلامي ولا جامعة عربية ولا حكومات ولا أنظمة نسمع لها أي دور أو تفاعل تجاه ذلك للأسف الشديد، ولسان حالهم كأنه يقول لأبناء شعوبنا العربية والإسلامية (موتوا أو احيوا ، لا شأن لنا بكم فإنا من الدين والإنسانية منسلخون).
خلاصة ما أريد الحديث عنه هو أن كورونا اليوم لم يكشف عن أزمة كمامات هنا أو هناك بقدر ما كشف لنا النقص الحاد في القيم والأخلاق الدينية والإنسانية لدى الأغلب في هذا العالم ، لتصبح المصلحة الذاتية المجزأة للدول هي العنوان الأبرز في مسيرة حياة الشعوب وهي الحاكمة لطبيعة العلاقات مع بعضها البعض .
لا مصلحة حقيقية لشعوب ومجتمعات هذا العالم إلا في العودة لمراجعة ذواتها على أساس جامع ، ومشتركات إنسانية حتمية يخرج بها الناس من أزمتهم الحقيقية التي يعانون منها ، فتبقى الأسس الجامعة والمصالح المشتركة هي الضامن في الحد الأدنى إن لم تتعرف على البرنامج الإلهي المتمثل في رسالة الله لعباده وهديه الذي به تستقيم الحياة بكلها وتحافظ على الهوية الإنسانية لتمتلك بذلك قدرا كافيا من مشاعر الخير والرحمة والإحسان بين بني البشر .
والسلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي قال (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) .