في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير خرجت إلى العلن العشرات من الإصدارات الصحفية والإعلامية بكل اختلافها وتنوعها وأيديولوجياتها الفكرية والسياسية والحزبية.
وكان من المؤمل أن يسهم هذا العدد الكبير من الإصدارات الإعلامية في إثراء الوعي المجتمعي بالثقافة الوطنية وقيم حرية الرأي والتعبير والنهوض بالرسالة الإعلامية من خلال خدمة الحقيقة وإيصالها إلى المواطن كما هي لا كما تقتضي رغبات هذا أو ذاك ممن تتحكم بهم الذهنية القاصرة والهوس السياسي والتعصب الحزبي إلا أنه وبدلاٍ من أن تشكل تلك الوسائل الإعلامية منابر تنويرية تعمق الحس والولاء الوطني وترشد الناس إلى المفاهيم الديمقراطية السليمة وتقودهم نحو المشاركة الفاعلة في واقع الحياة السياسية وتزودهم بالتحليلات الدقيقة التي يغلب عليها الطابع المهني والمصداقية فإننا وعلى العكس من ذلك نجدها وقد تغلب عليها الهوى الحزبي أو النزق الشخصي لتنحرف برسالتها وتتخلى عن وظيفتها والدور المناط بها وتنساق وراء التوظيف الذاتي أو السياسي والحزبي غير الرشيد الذي أفقدها التوازن وإيجابية الظهور.
وبحسب معطيات الحاضر ومستجداته فقد استدرجت هذه الوسائل الإعلامية إلى هوة سحيقة حيث بدت أكثر إيغالاٍ في التهكم على الوطن والإضرار بمصالحه من خلال ترديد الأراجيف وإثارة الزوابع وافتعال الأزمات وتضليل وعي الناس بالأكاذيب بل أنها عمدت إلى شن حروب داحس والغبراء على هذا الوطن وكأنها لا تنتمي إلى هذا البلد وهناك من الأمثلة ما يدل على أن هذه الوسائل على علاقة غير حميمة مع شعبها ووطنها الذي فتح لها فضاء رحباٍ من الحرية في التعبير عن كل الرؤى والأفكار والتوجهات السياسية والحزبية وممارسة النقد البناء والهادف إلا أنها استخدمت ذلك بشكل اعتسافي وملبد بالغيوم واتجهت إلى المناورات والمغامرات غير المحسوبة التي تلحق الأذى بالوطن والمجتمع.
وبعيداٍ عن إطلاق الكلام على عواهنه أليس بعض هذه الوسائل الإعلامية من تصدرت للدفاع عن عناصر التمرد والتخريب والخارجين على النظام والقانون ودعاة الفتن والتمزيق والمتآمرين الملطخة أيديهم بدماء أبناء الشعب اليمني ليصل بها الحال إلى ذرف دموع التماسيح والتباكي على عناصر التطرف في تنظيم القاعدة لمجرد قيام الأجهزة الأمنية بواجباتها في ضرب معسكر لهذه العناصر في منطقة “المجعلة” بمديرية المحفد محافظة أبين¿ متخفية في ادعاءاتها بالبعد الإنساني فيما أسقطت هذا البعد عن أولئك الذين استهدفهم عناصر تنظيم القاعدة من المواطنين الأبرياء من خلال عملياتها الإرهابية التي سبق ونفذتها في أكثر من منطقة في عدد من محافظات الجمهورية وكذا من خططت لاستهدافهم ضمن مخططها الجديد¿
ولا ندري كيف بلغت الجرأة بهذه الوسائل في الدفاع عن مجرمين وإرهابيين تجردوا من كل القيم الدينية والوطنية والأخلاقية فيما لم يرف جفن للقائمين عليها تجاه مواطنين سفكت دماؤهم وأزهقت أرواحهم من قبل تلك العناصر المتطرفة والضالة غدراٍ وعدواناٍ.
أو ليست هذه الصحف والوسائل الإعلامية هي من ظلت تصرخ بالعويل والضجيج وتشكك في نوايا الحزب الحاكم حيال تنفيذ اتفاق فبراير الذي توصل إليه مع أحزاب “المشترك” فيما لاذت بالصمت المطبق عقب قيام المؤتمر الشعبي العام بإعلان التزامه بذلك الاتفاق ودعوته أحزاب المشترك إلى الحوار ومباشرة التنفيذ لاتفاق فبراير لارتباطه الشرطي بالتوجه نحو الإصلاحات الشاملة وتطوير النظام الانتخابي وتجاوز معضلات الحاضر مع أن الأمانة كانت تستدعي من تلك الوسائل ألا تقف ذلك الموقف الخجول الذي توارت فيه عن الحديث حول الطرف الذي أدار ظهره للحوار وتنفيذ اتفاق فبراير.
وتمادياٍ في هذه السلوكيات المتناقضة والمتنافرة مع أخلاقيات المهنة الإعلامية والصحفية فقد تعرت هذه الوسائل بشكل صارخ حينما اتجهت إلى الاستغراق في ممارسة الكذب والدجل والزيف وترديد الإدعاءات الباطلة وإثارة المخاوف من اجتماع لندن الخاص باليمن حيث قامت بتصوير هذا الاجتماع وكأنه البوابة التي ستلج منها التدخلات الخارجية في شؤون اليمن وتدويل قضاياه مع أنها لا تمتلك دليلاٍ ولا مؤشراٍ على ما ذهبت إليه في تكهناتها الغبية وأن هدفها كان فقط هو إثارة البلبلة لدى الرأي العام وزرع المخاوف في صفوفه.
وما حدث هو أن هذه الوسائل أصيبت بخيبة أمل كبيرة بمجرد إعلان النتائج الإيجابية التي خرج بها ذلك الاجتماع والتي أكدت على دعم اليمن ووحدته وأمنه واستقراره ومسيرته التنموية والاقتصادية.
والغريب والمريب أن هذه الوسائل تجاهلت تماماٍ تلك النتائج كما تجاهلت حق المواطن في معرفة الحقيقة وكأنه لا يهمها سوى اختلاق الأكاذيب وإشاعتها أما الحقائق فإنها أجبن من أن تعلنها أو تأخذها في الحسبان.
فأية حرية رأي وتعبير تمارسها هذه الصحف والوسائل الإعلامية وأية ديمقراطية تتبعها¿!.
وأي بلد على وجه الأرض يحترم نفسه يمكن له أن يقبل بمثل هذا الانفلات الإعلامي أو يتسامح معه وما ينتج عنه من أضرار بالغة¿.
وأي مجتمع ديمقراطي يمكن له أن يتغاضى أو يغض البصر عن إصدارات تبني تناولاتها على الزيف والخداع والمراوغة والتدليس والغمز واللمز دونما تفريق بين التكتيك الحزبي والسياسي والشأن الاستراتيجي المتصل بأوضاع الوطن الراهنة والمستقبلية¿.
وأياٍ كانت الأضرار الناتجة عن هذا الانفلات الإعلامي فإنها ضريبة الديمقراطية التي اختارها اليمن نهجاٍ وما يشفع لكل صبر على هذا السلوك المعوج هو انصراف المواطنين عن تلك الوسائل الإعلامية وفقدانهم الثقة فيها مما سيؤدي بها إلى الاضمحلال والتلاشي كصحافة صفراء لا تجد من يقرأها سوى من يكتبونها ويحررون أكاذيبها ولا يلبثون أن يصدقوا أكاذيبهم رغم علمهم بأن حبل الكذب قصير.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا