من أهم الدروس المستقاة من أحداث الفتنة التي أشعلتها عناصر التمرد في المنطقة الشمالية الغربية¡ أن الجنوح إلى العنف وإشعال الحرائق والأزمات لا ينتج سوى الشر والضغائن والأحقاد التي تنعكس بضررها البالغ على أصحابها قبل غيرهم¡ كما أن الانجرار وراء الأوهام والقفز على حقائق الواقع بمعطياتها وثوابتها ليس أكثر من ضرب من ضروب الجنون والهوس الفكري والسياسي الذي يدفع بصاحبه إلى زوايا مظلمة وحالة من العزلة تفضي به إلى إلحاق الأذى بنفسه وأهله وأبناء مجتمعه ووطنه.
ولعل مثل هذه الدروس تستدعي ولا شك التوقف أمامها بعمق وفكر ثاقب ورؤية متبصرة وعقل متفتح¡ من قبل كافة أبناء الوطن أحزابا◌ٍ ومنظمات¡ أفرادا◌ٍ وجماعات¡ وذلك لما من شأنه الاستفادة من عظاتها وعبرها الدالة على أن التمترس في غياهب الفكر المتطرف والتعصب الحزبي¡ والانشداد للماضي والعنف بدلا◌ٍ عن الحاضر والتسامح¡ والانغماس في المكابرة والعناد¡ وتغليب نوازع الذات على صوت العقل¡ والمغامرات غير المحسوبة¡ والاستسلام للأهواء والوساوس الشيطانية لا يمكن أن يكون الطريق الصائب للوصول إلى أي مكسب أو مصلحة أو هدف أو غاية. بل أن السير في هذا الطريق محفوف بالمخاطر والأشواك والنتائج غير المأمونة¡ ونهايته كارثية في كل حال.
ونعتقد أن بوسع الجميع استشراف هذه الدلالات التي تأتي متلازمة مع دعوة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية جميع أبناء الوطن إلى التحلي بروح الإخاء والوئام والمحبة والتسامح والسلام¡ ونبذ العنف والأحقاد وتمتين عرى الوحدة الوطنية وتكريس كل الطاقات والقدرات من أجل البناء والتنمية والنهوض بالوطن¡ والحفاظ على مكتسباته وأمنه واستقراره¡ والتصدي لكل المحاولات الرامية إلى إضعاف هذا الوطن وبعثرة جهوده¡ وإشغاله بقضايا مفتعلة عن قضاياه الرئيسية المرتبطة بهموم وتطلعات الشعب.
وكما تبين لأولئك الذين أشعلوا فتنة التمرد وخرجوا على الدستور والقانون¡ وحملوا السلاح في وجه الدولة أنهم كانوا على خطأ¡ وأن رهاناتهم كلها قد فشلت وسقطت¡ واقتنعوا أخيرا◌ٍ بأن السلام هو الخيار الوحيد الذي سيضمن لهم السلامة وممارسة حياتهم في أمن وأمان كغيرهم من المواطنين¡ لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات¡ وأن معيار المواطنة يستند على تلك الأسس¡ لا على التمرد والعصيان وأعمال التخريب واستخدام القوة¡ ومنازعة الدولة سلطاتها¡ فإن من الواقعية أن يعمل الجميع على مراجعة مواقفهم ليكتشف كلø◌ْ أين أخطأ وأين أصاب¡ فليس عيبا◌ٍ أن يخطئ المرء¡ ولكن العيب أن يستمر في تكرار الأخطاء دون إدراك لما يترتب على هذا الاندفاع الطائش من انعكاسات سيئة على الوطن والمجتمع.
وفي هذا الإطار فإن إشراقات السلام التي بدأت تكسو أرجاء المنطقة الشمالية الغربية¡ مفعمة بتفاؤل كل مواطني هذه المنطقة التي عانت الكثير واستنزفت قواها خلال سنوات الفتنة¡ ينبغي أن تجعل منها الأحزاب والتنظيمات السياسية فرصة لتعزيز التوافق والشراكة الوطنية¡ والتوجه نحو الحوار والتسامح والخروج برؤية وطنية موحدة تحت سقف الدستور والقانون ومبادئ الثورة والجمهورية والوحدة¡ في مواجهة كل الأزمات والتحديات¡ وتهيئة الوطن للاستحقاق الديمقراطي القادم¡ المتمثل في الانتخابات البرلمانية.
ويفترض ألا نجعل هذه الفرصة تضيع كسابقاتها من الفرص التي أهدرت بفعل التشنجات والرؤى القاصرة¡ والتشبث بالمواقف الجامدة والتلاسن الإعلامي والكيد السياسي وعوامل أخرى أضعفت جسور الثقة وخلقت مناخات التوتر والتأزم.
وإذا ما كنا نؤمن بالديمقراطية¡ ونحترم إرادة الشعب وقواعد التنافس الشريف¡ ونحرص على مصلحة الوطن فلن نجد عائقا◌ٍ يحول دون مباشرة الحوار وجعل هذا الحوار في خدمة البناء والتنمية وليس للحصول على منفعة ذاتية أو شخصية أو مصلحة حزبية ضيقة¡ وساعتها سنجد هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية تحظى بتقدير واحترام كل أبناء الشعب اليمني¡ صغيرهم وكبيرهم¡ دون استثناء.
وأصحاب المواقف الوطنية والإيجابية هم من سيذكرون بالذكر الحسن والأثر الطيب.
Prev Post
Next Post