من ذات المدرسة التي تخرَّج منها الصمّاد
ملاطف الموجاني
إلى الحزم من صنعاء وصلنا مع الطاقم من الزملاء لإجراء لقاء معه تواصلنا برفيقه ليدلنا على مكان تواجده ، ومع عناء السفر وفي ظل ما جرت عليه العادة كان التوقعُ أن نصل إليه في منزلٍ فخمٍ استأجره ليقيم فيه، وفيه سنستريح.. وصل رفيقه وتحرك بنا صوب الصحراء وتحت ظل مجموعة من الأشجار الشوكية وجدناه ومعه عددٌ من إدارات المكاتب التنفيذية وبعض الوجهاء في جلسة حديثُها ترتيبات مواجهة كورونا ، فالامتداد الطويل لحدود المحافظة مع جارة السوء يُحتم جُهداً مضاعفاً وتسخير ما أمكن وأُتيح إلى الدرجة القصوى.. وبحلول الليل وبعد أداء الصلاة صوب مكان في القرب في ذات الصحراء تحرك بنا.. بزوغ بدر السماء بدد ظُلَمة ليلةِ السابع عشر من شعبان وعلى نوره تناولنا جميعاً وجبة العشاء البسيطة ونحن نترقب عقبها لحظات الانتقال إلى المنزل المتوقع لنستهل مع هذا المسؤول تساؤلات ما قبل اللقاء التلفزيوني، فمتطلبات ما بعد التحرير قد وُضعت ضمن محاور الحوار..
لكن معرفة ماذا لديه من مواضيع تستحق تبيينها أمور توجب سماعه خصوصاً أن الموضوع ليس الُمساءلة من واقع تقييم ما مضى فالرجل جديد في مهامه والامتداد الجغرافي الذي تحرر بما يحويه من السكان الأُباة حديث العهد..
حينها وصل عدد من المعنيين بالتعبئة العامة والحشد وتحت نور القمر وتحليق طيران العدوان جلسة النقاش تواصلت إلى قرب منتصف الليل، برنامج الغد(الجمعة) أُقر في الختام، ومعنا الحديث حول اللقاء لم يبدأ، حينها سمعنا أحد رفاقه يقول (توكلنا على الله.. الديوان) فقلتُ في نفسي خلاص سبرت نتجابر في الديوان ، قمنا وعلى ظهر الشاص الذي تحرك مُسرعاً صعد قبلنا وفي المسافة التي تزداد بُعداً عن المدينة صوب الصحراء كلما زادت الحركة المتسارعة..
كان التساؤل يدور عن المكان المقصود المُعد والمموه لهذه الشخصية..
فإذا بالسائق يجيب عملياً وفي مكانٍ صحراويٍ يتوقف بنا.. بادرنا الرجل بالسؤال ما عاد به هانا يا فندم ؟
قال “هانا حقنا الديوان وشل فرشه السفري وقارورتين ماء ومشى قبلنا ،وكل واحد شل له فرش واختار له بقعة في الديوان الواسع الذي فرشه الرمل وسقفه السماء”.
أقبل باتجاهي واحد من رفاق هذا المسؤول بقصد إكرامي بحكم اني ضيف وقال “أنت هانا اطرح فرشك لأجل الصبة الرمل تتوسد بها”، عندها بدأت النظرة تجاه ضيف اللقاء تتعاظم..
وفي الليلة الصحراوية كنت أستيقظ وألتفت يميناً وشمالاً وكل واحد نائم في جهة ، كانت أنظر بتعمق وأسأل في ذات الحال: إنّا هذا الذي نائم أمامي في الصحراء هو المحافظ ؟..لكنّ عظمة المنهجية ونعمة القيادة الربانية للمسيرة هي المُجيب المُبدد لكل وهم رسخته أنظمة العمالة عن المسؤولية ورغد العيش.
استهللنا برنامج رجال الله(استغفاراً وصلاةً وتلاوةً وتسبيحاً )لليوم الذي تبين بياض خيوط فجره.
برنامج العمل في يوم الجمعة الذي يعد أمام البعض إجازة اُستهل مع إشراقة الشمس ،فصوب مكان ما تحرك المحافظ ونحن برفقته للقاءات متتابعة مع عددٍ من مشائخ ووجهاء قبائل المحافظة والانتقال إلى مكانٍ آخر للقاءات مع معنيين بالشأن العسكري إلى ساعة قبل صلاة الجمعة.
عندها كان التحرك في طريق صحراوي باتجاه قريةٍ بعيدة قبالة جبال اللوذ ،إليها دُعي المحافظ وفيها سنصلي الجمعة، وفي الاستقبال هناك تجلى لنا من حال ومقال البعض أن الوهابية كانت قد وصلت وتركت أثراً وإن كان نسبيا.. الضيف الذي دعُيَ لتناول طعام الغداء أستأذن ليصعد على المنبر خطيباً وتفكيرنا كرفاقٍ له ما الذي سيقوله أمام مصلين بفعل التواجد التكفيري ترسخت في أذهانهم أفكارٌ أخرى ؟
المصلون في لحظات الأذان ينظر بعضُهم إلى بعض وحالهم يلخص (سيقال في الخطبة.. ماذا) ؟
بمقدمة أصَّلت للصراع الإنساني مع الدور الشيطاني استهل الكلام والإنصات يتعاظم ،القضايا الجامعة تطرح ومعها شواهد الاستهداف للأمة تتوالى ، قضية فلسطين ،دور المنافقين في إسناد الصهاينة.. بأسلوب إلقائي شد أذهان الجميع وأثار الإعجاب حتى أن إمام المسجد الذي كان حاله مع بدء الخطبة يلفت الانتباه.. بعد تمامها هو ذاته كان الأكثر حرصاً على أن يكون المحافظ إماماً في الصلاة لولا تقدير الأخير للإمام الذي لم يقرأ البسملة جهراً ولا خالف السديس تلاوةً.
وعقب تناول وجبة الغداء الجوفية.. جلسة المقيل التي حضرها شيخ المنطقة والوجهاء مع أهالي القرية من أولها مثلت من قبل المحافظ جرعة توعويةً مبددةً لكل الأوهام ، داحضةً للزيف ، محفزة على الإسهام في البناء، مبرزة الشواهد البينة الجلية بشدة وحدة الاستهداف للجوف أرضاً وإنسانا من قبل الأعداء ومن يمثلهم في المنطقة وأنظمة العمالة التي تعاقبت في التسلط على البلد وما تخللها من تساؤلات وضَعت أجوبتها النقاطَ على الحروف.. وبعد العودة مع مغرب الجمعة كان ذاتُ البرنامج في الليلة السابقة هو ذاته المعمول به فيما لحقها وما تلاها، والمنام ضمنها في الصحراء .
وأمام ذلك كنت والطاقم مع ما أضيفت لنا من معلومات نشعر بالفخر والارتياح أن من يمثل رأس هرم المسؤولية في المحافظة يعبِّر عن المنهجية، أن من يمثل المسار القرآني يتمتع بالوعي العالي المُترجَم في تواضعه للناس وتفاعله مع كل ما يعنيهم ، ومتابعته المستمرة لكل ما يتصل بتسهيل عودة الكثير من المخدوعين ، ومتابعة المكاتب التنفيذية التي تعاني اختلالات إدارية فظيعة ، واستقباله لأي اتصال يُطلب فيه الحديث معه شيخاً كان أو مواطناً بسيطا ، وحرصه على أن يكون ضمن قوام المجاهدين المقاتلين غير مفضَّل عليهم في المأكل والمشرب أو حتى المأوى.. ما أجبرني على كتابة هذا ليس المديح الشخصي لمحافظ الجوف اللواء عامر المراني الذي رافقته في هذه الرحلة بل التأكيد من واقع الحال وبالشاهد والمثال أن مدرسة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي عليه رضوان الله التي تخرج منها الشهيد الصماد من نعيش ذكراه كنموذج راقٍ هي ذاتها المدرسة التي تخرج منها هذا المحافظ وكثيرٌ من القادة العظماء الذين لا يُعرفون إلا بعد أن يُعمّدوا هذا البذل ويتوّجوا هذا الزهد والصبر والعطاء في كل ساحات المسؤولية بالارتقاء إلى رحاب الله شهداء.