هكذا يستقبل اليمنيون شهر رمضان
أُسرٌ دمّر العدوان منازلها وأخرى فقدت عائلها وعمال وموظفون توقّف مصدر رزقهم
قبل أن تشن دول تحالف الإجرام عدوانها على الشعب اليمني وتلحق بهم وبحياتهم الأذى الكبير كان الكل يعيش حياته بطريقته الخاصة رغم المعاناة التي كان يعيشها الكثير والتي لا تخرج عن دائرة شح الدخل اليومي في الغالب ،لكن بعد أن بدأ العدوان بشن غاراته على كل المحافظات لم يعد بإمكان المواطن اليمني أن يعيش حياته بطريقته الخاصة، فالكل أُرغم على حياة جديدة إجبارية تفاصيلها تظهر المآسي والمعاناة بقضها وقضيضها ..معاناة كبيرة بكل آلام الحياة وأوجاعها، فالبعض فقد أقاربه بعد أن استهدفهم طيران العدوان السعودي وتحالفه والبعض الآخر فقد منزله جراء استهدافه بصواريخ الطائرات العدوانية وآخرون فقدوا مصادر دخلهم وبات الغالبية إمّا نازحين وإمّا فقراء يتكففون أيدي الناس والقليل منهم يعيشون حياة صعبة لكنها اقل قساوة من حياة غيرهم، قساوة العدوان والحصار تلك ستزيد بحلول شهر رمضان المبارك الذي يعتبر بالنسبة للمسلمين وبالأخص اليمنيين شهرا استثنائيا من جميع النواحي، فرمضان هو شهر يحتاج إلى أمن واستقرار وحالة مادية متيسّرة حتى يتمكن الناس من أن يعيشوا أيام وليالي الشهر الفضيل كما يجب أن يكون.. هذا التحقيق يسلط الضوء على أوضاع اليمنيين قبيل شهر رمضان المبارك .. فإلى التفاصيل :
تحقيق/ حاشد مزقر
لم ترحم الحياة ضعفهم ولا قلة حيلتهم ولا هوانهم على الأعداء أيضا لم تكتفِ أقدارهم بما ساقته لهم خلال أكثر من خمس سنوات مضت من مآسٍ غير قابلة للنسيان, فعلاوة على ذلك أرسلت إليهم أهم لحظات الزمن فرحة في حياتهم غير ما كانوا يتوقعونه، إذ البؤس وكدر العيش والمهانة أبرز سماته لينقلب من رمضان الفرح والسرور إلى شهر قاس و تلك الحالة المأساوية تعيشها أسرة إبراهيم محمد علي وان كان هناك فرق ما من أسرة لأخرى ومن مدينة لمدينة ومن شريحة اجتماعية لشريحة, فإن أسرة إبراهيم من أكثر الأسر بؤسا ومعاناة فيكفي أنها ذهبت مجبرة إلى الفقر والمجاعة والمهانة وبعد أن تبخرت أحلامها المشروعة ولم يتبق منها سوى حلم ضمان بقائها على قيد الحياة منذ أن جاء طغيان آل سعود يجتث ويقتلع كل مقومات الحياة والعيش الكريم على تراب الوطن الجريح..
ويحكي إبراهيم :قبل خمس سنوات من الآن كان الجميع ينتظر بشغف كبير لحظات السعادة التي ستحملها إليهم أيام شهر رمضان المبارك فهذا ينوي زيارة أقاربه وآخر ينوي الارتماء في أحضان المناطق الجبلية حيث الطبيعة وجمالها وحيث الأجواء الروحانية فيما ثالث يصنع لنفسه برنامجا يضمن له الفوز بأكبر قدر ممكن من الصلاة والدعاء والابتهال إلى الله وإذا ما حضر رمضان عاش كلٌ لحظته المنتظرة, لكن ما يؤسف له حقا أن تلك الحياة أصبحت من ماضينا السعيد فقط بقي منها في حاضرنا الذكرى لا غير أما الآن فقد أصبح كل مواطن يمني غارقا بهموم مستلزمات ومصاريف تغرقه من رأسه حتى أخمص قدميه بعد أن جاء طغيان العدوان السعودي وتحالفه ليدمر كل مقومات الحياة.
ذكرى قاسية
يتحدث المواطن زيد قائد عن شهر رمضان المبارك وكيف سيكون هذا العام فيقول وحشرجة قاسية تخنق كلماته ومرارة مؤلمة تحكي تفاصيل لم تستطع الحروف والكلمات التعبير عنها: قبل أن تشن السعودية عدوانها الآثم كانت حياتنا كحياة بقية الناس آمنين في منازلنا ولقمة العيش متوفرة وكذا مطالب الأطفال والأسرة ككل وكان رمضان لا يأتي إلا وقد منحناه الكثير من طقوس الاستقبال والترحاب فنوفر له كل ما يمكن أن يجعلنا نعيش لحظاته بكل سعادة سواء من المواد الغذائية أو المستلزمات الأخرى مما يسهل علينا إحياء شعائر الله وكنت أعمل جاهدا على إسعاد جميع أفراد الأسرة ولم نشعر بالمهانة يوما رغم بعض الأزمات المالية التي كنت أمرّ بها.. أما الآن فقد ساءت أحوالنا وقست علينا الحياة بعد ما أحدثه العدوان في كل نواحي حياتنا فإن شهر رمضان لم يعد سوى ذكرى قاسية لنا فنحن غير قادرين على تأمين لقمة العيش البسيطة فضلا عن توفير متطلباته الكبيرة والباهظة ولم نعد نحلم بشيء سوى الأمن ولقمة العيش.
واقع الحال
معاذ الشرعبي, مواطن من محافظة تعز, يعمل مهندسا في شركة خاصة وأب لستة من الأولاد, يصور لنا واقع حياته اليومية وكيف سيمر عليه شهر رمضان المبارك, فيقول : كنت أعمل في شركة خاصة وعملي كان يدرُّ عليّ الدخل الكافي الذي كان يمكنني من العيش بكرامة لكنني وجدت نفسي فجأة من أفقر الناس إذ لم يعد بمقدوري الإيفاء بكامل متطلبات الأسرة الضرورية ، فالعدوان دمر منزلي بإحدى الغارات في المدينة وبعد أن نزحت منه إلى محافظة إب ولأن دمار المنزل لم يخطر ببالي فقد تركت أغلب الأشياء الثمينة داخله على أمل أن نعود إليه في القريب العاجل, لكن ما حدث هو العكس تماما إذ تبددت آمال العودة إليه بعد تدميره, أما بالنسبة لمستلزمات ومصاريف رمضان فقد نسينا أمرها تماما ولا يذكرني بها سوى أبنائي القصّر حينما يسألوني ببراءة عما إذا كنا سنعاني فيه كرمضان السابق و كما هو المعتاد منذ أكثر من خمس سنوات، فالعدوان لايزال يهلك الحرث والنسل ويدمر كل سبل الحياة ويقطع أرزاق الناس..
انقطاع باب الرزق
وإذا كان الشرعبي قد نسي أمر رمضان فإن علي منصور لم ينسه على الإطلاق بل يكاد يستعجل وصوله , لكن ثمة أمراً مختلفاً فحنينه لرمضان ليس لمجرد شغفه بقضاء الأجواء الروحانية بل لهدف آخر أيضا وهو ليس ببعيد عن ضمان الاستمرار في الحياة ،فعلي الذي كان يعمل في العاصمة صنعاء بنّاء ويعول أسرته مما كسبت يداه انقطع عنه ذلك الباب للرزق فلم يبق أمامه سوى الرحيل إلى الجبال بغية الحصول على أعواد الحطب التي سيقوم بعد ذلك بحملها على ظهره قبل أن يبيعها للمحتاجين للحطب في المدينة وقدوم شهر رمضان المبارك خير موسم لهذه التجارة حيث يقول علي: انتظرنا 5 سنوات لعلّ العدوان ينتهي لكنه لم ينته قبل أن ينفد ما كنا قد ادخرناه من أعمالنا الحرة في المواسم السابقة ، ولما لم أجد حلا فكرت بالاحتطاب ولم أكن أنا الوحيد الذي يمارس هذا العمل فهناك الكثير ممن جارَ عليهم العدوان الظالم وأصبحوا بين ليلة وضحاها فقراء لا يمتلكون شيئا.
ذكريات وفراق
محمد شايف، هو الآخر سيكون له مع شهر رمضان الحالي ذكريات مؤلمة بالطبع ستختلف كليا عن سابقيه ..فنهار وليل أيام الشهر الفضيل وللمرة الثانية لن يجمعه بوالده وشقيقه الأكبر اللذين استشهدا في الخامس والعشرين من شهر رمضان قبل عامين بغارة جوية لطائرات العدوان السعودي على احد المنازل بمحافظة حجة أثناء مرورهما بالصدفة بجانب الهدف في طريق عودتهما إلى المنزل ..كان والد محمد يعمل كموظف حكومي متوسط الدخل ومثله شقيقه الأكبر البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما وهو متزوج وله طفلان ..يقول معلقا على حلول شهر رمضان المبارك : بالتأكيد سيكون مختلفا جدا فلم يعد بإمكاني التهرب من مسؤولية تحمل أعباء الأسرة وتوفير احتياجاتها والقيام بأمرها فقد رحل من كنت ألقي بالمهمة على كاهله أيضا لن أتمكن من رؤية أخي ووالدي و لن أصلي معهما ولا خلفهما في هذا الشهر الكريم, باختصار سيكون هذا الشهر بالنسبة لي وللعائلة ذكرى رحيل مؤلمة لروح الحياة الجميلة.
العدوان أولاً وأخيراً
هشام راجح -ناشط حقوقي, تحدث عن جزء من واقع المجتمع اليمني الذي تسبب به العدوان وحصاره البربري على بلادنا خلال السنوات الماضية وقال :في السنوات السابقة كنت قد قمت برصد للحالة المجتمعية, لبعض المناطق في اكثر من محافظة في الشمال والجنوب وكانت الصورة كارثية, فعشرات الآلاف من الأسر تضررت من العدوان, إذ دمرت منازل اسر كثيرة واسر أخرى فقدت بعض أفرادها في الغارات الطاحنة التي تقوم بها طائرات العدوان في كل محافظات اليمن, كما أن أسراً أخرى فقدت مصادر دخلها الذي لا يملكون سواه, وعلى صعيد آخر تعطلت الحياة في اكثر من قطاع كالصحة الذي يعيش أوضاعا كارثية فعشرات المستشفيات توقفت عن العمل لأكثر من سبب وبالتالي يفقد الكثير من المرضى حياتهم وعلى صعيد آخر ارتفعت نسب الفقر في أوساط الأسر اليمنية وكذا نسب البطالة في أوساط الشعب فضلا عن مئات من الشباب ممّن فقدوا أعمالهم في القطاع الخاص بعد تسريحهم منها بسبب الحصار وبسبب استهداف المنشآت الحيوية وهناك آخرون فقدوا أعمالهم التي كانت تعتبر كأعمال حرة وذلك بسبب العدوان علاوة على قطع رواتب الموظفين في القطاع الحكومي واحتكارها من قبل حكومة الفار هادي ..ومن هنا فإن معاناة اليمنيين في شهر رمضان هذا العام ستكون كبيرة والسبب الأول والأخير لذلك هو العدوان السعودي الذي دمر اليمن أرضا وإنسانا.
انعدام الأمن الغذائي
وبحسب التقارير الدولية فإن اليمن سيبقى هذا العام البلد الذي يشهد أكبر أزمة إنسانية كما في الأعوام السابقة حيث أشارت إلى أن “هناك أكثر من 22 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة” في اليمن، منهم “18 مليونا” يعانون من “انعدام الأمن الغذائي،” لافته إلى أن “أكثر من 8 ملايين” يعانون من “انعدام خطير للأمن الغذائي، وأن هناك أكثر من خمسة ملايين طفل معرضون لخطر الموت جوعا.
وفي ظل استمرار الحصار الجائر وانعدام الأمن الغذائي تشير العديد من التقارير الدولية إلى أن الوضع الغذائي للأطفال في اليمن يواجه بصورة متزايدة مخاطر التعرض لتبعات وخيمة في مختلف المراحل العمرية حيث أصبحت معدلات سوء التغذية الحاد في الوقت الراهن عند مستويات بالغة الخطورة في كافة أرجاء البلاد، حيث يتناول 15% فقط من الأطفال الحد الأدنى المقبول من الغذاء والذي يحتاجونه لأجل بقائهم على قيد الحياة ونموهم وتنميتهم، حيث يُقدر عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد بحوالي مليوني طفل ممن هم دون الخامسة ويشمل ذلك 360ألف طفل مصاب بسوء التغذية الحاد الوخيم وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية يواجه ما يتراوح بين 1.8 وَ 2.8 مليون طفل خطر الوقوع في براثن انعدام الأمن الغذائي الحاد مع إمكانية تعرض عدد أكبر بكثير من ذلك لسوء التغذية الحاد الوخيم المهدد للحياة.
جرائم ضد الإنسانية
هذا وتعد سياسة الحصار والتجويع التي يقوم بها العدوان السعودي من الجرائم المتعمدة ضد الإنسانية المنصوص عليها في المادة (7) من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية الباب الثاني والتي حددت الأفعال التي تعد جرائم ضد الإنسانية وعلى رأسها القتل العمد والإبادة والأفعال اللا إنسانية الأخرى التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية, كما أنها جرائم حرب وفقاً لتوصيف وشروط المادة 8 (2) (أ) ‘3’: تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة:
1 – أن يتسبب مرتكب الجريمة في ألم بدني أو معنوي شديد أو معاناة شديدة أو أضرار بليغة بجسد أو بصحة شخص واحد أو أكثر.
2 – أن يكون ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص ممن تشملهم بالحماية اتفاقية أو أكثر من اتفاقيات جنيف لعام 1949م.
3 – أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت ذلك الوضع المحمي.
4 – أن يصدر هذا السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ويكون مقترنا به.
5 – أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح.
أخيراً
للعام السادس على التوالي يقبل شهر رمضان المبارك والشعب اليمني يتعرض لعدوان غاشم اشغل الناس عن الضيف العزيز على قلوبهم بعد أن نشر العدوان السعودي الموت والمجاعة والدمار في ربوع اليمن السعيد وبعد أن أنهك الشعب اليمني بمختلف شرائحه وطبقاته حتى ارتسمت صورة مأساوية في ذاكرة الناس لاسيما المواطنين الذين كانوا من قبل تحت خط الفقر المدقع ومن تبعهم ممن قطع العدوان السعودي وتحالفه سبل عيشهم ومصادر دخلهم .