توقعات استخباراتية بشن هجمات عنصرية ضد الأقليات

كورونا يشعل تجارة الأسلحة في أمريكا

 

 

واشنطن/ وكالات
مع انتشار فيروس كورونا في أجزاء مختلفة من العالم سعى معظم الناس إلى شراء وتخزين المواد الأساسية لفترة الحجر الصحي، وفي أمريكا، بالإضافة إلى نقص ورق التواليت، ازدادت الإثارة والعطش لشراء الأسلحة والذخيرة، حيث حققت صفقات الشراء هذه أرقاماً قياسية.
ما من شك في أن سوق الأسلحة الأمريكية لا يمكن مقارنته بأي دولة أخرى لديها هذا النوع من التجارة الحرة في الأسلحة، فمنذ البداية حوّلت مسألة حق امتلاك الأسلحة النارية ، هذه الأرض إلى جنة لصانعي الأسلحة والمافيا في هذا المجال، ومع انتشار التكنولوجيا ، وبطبيعة الحال توسيع العلاقات التجارية بين الدول المختلفة فتحت للشركات المصنعة للأسلحة الأجنبية أيضاً الأبواب أمام السوق المدنية الأمريكية، ولدى جميع شركات الأسلحة الكبرى في العالم تقريبًا خطوط إنتاج وعملاء خاصين في أمريكا.
كلما أردنا مناقشة مسألة الأسلحة في أمريكا، فإننا بالتأكيد سنصادف كلمة NRA وهي اختصار لـ (National Rifle Association) أي الرابطة الوطنية للبنادق والتي تشكلت قبل نحو 144 عاماً في أمريكا؛ وهي مجموعة من الأشخاص الذين يعرفون كيفية التعامل مع الأسلحة يقومون بتدريب المواطنين على استخدام الأسلحة وتعليم الأطفال نصائح أساسية حول إطلاق النار وقواعد السلامة، وقد أعلنت الرابطة في البداية أنها لن تتدخل في الشأن السياسي.
لكن الأمور تغيّرت منذ أواخر الستينيات، فمع المصادقة على قانون تحديد الأسلحة لعام 1968م، مارست الرابطة الضغط على السياسة الأمريكية، وكان أكبر تحركاتها السياسية في تاريخ أمريكا الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000م حيث كان هناك منافسة شرسة بين المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين بوش الابن وإل جور ، فبذلت الرابطة قصارى جهدها لإبعاد إل جور عن الطريق وإيصال بوش إلى البيت الأبيض ، سبب الخلاف بين المجموعة وإل غور..
في 13 سبتمبر 1994م أصدر مجلس النواب الأمريكي قانونًا يحظر الأسلحة الهجومية في أمريكا ووقع عليه الرئيس بيل كلينتون آنذاك ، وبموجب هذا القانون ، تم حظر إنتاج الأسلحة الهجومية ، مثل الأنواع نصف الآلية من الأسلحة الهجومية ، أو معظم الأسلحة عالية السعة ، لمدة 10 سنوات، وفي عام 1999م أدت المجزرة التي حدثت في مدرسة كولومبين إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة 24 آخرين ، حيث تمكن منفذو هذه المذبحة من استخدام طرف ثالث للحصول على الأسلحة من معرض للأسلحة ، وهناك مشكلة أخرى لا تزال موضع جدل في أمريكا اليوم وهي أن معارض الأسلحة التي تقام بشكل دوري في جميع أنحاء البلاد لا تتطلب أي نوع من الشهادات التي تثبت أن المشتري غير محكوم عليه أو أنه لا يملك أي سجل جنائي!
بعد هذا الحادث سعت إدارة كلينتون لمزيد من السيطرة على الأسلحة النارية ، وأعلن إل جور -المرشح الديمقراطي القادم ونائب الرئيس بيل كلينتون- أنه سيواصل اتباع هذه السياسات إذا تم انتخابه ، وهنا أظهرت الرابطة الوطنية للأسلحة قوتها الحقيقية في المشهد السياسي للبلاد للمرة الأولى ، حيث أنفقت حوالي 20 مليون دولار على الانتخابات ضد إل غور ولصالح بوش الابن ، حيث يعتقد الخبراء أن هذه الخطوة كانت أحد العوامل الرئيسية في فوز بوش ، وفي عام 2004م مع انتهاء قانون حظر الأسلحة الهجومية لم يتم اتخاذ أي إجراء لتمديده ، وحتى يومنا هذا فشلت محاولات تجديده بسبب الضغط القوي للغاية للجماعة في الكونجرس الأمريكي ، وكانت آخر هذه المساعي عقب حادثة إطلاق النار المؤلمة في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في عام 2012م والتي أسفرت عن مقتل 28 شخصًا ، معظمهم من الأطفال.

ارتفاع شراء الأسلحة وهجوم سبتمبر
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ارتفع معدل مبيعات الأسلحة في أمريكا بشكل كبير ، ويعزو الخبراء ذلك إلى مخاوف الناس من انعدام الأمن أو إمكانية فرض حظر على شراء الأسلحة ، وعلى سبيل المثال: بعد فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008م شهدنا بداية زيادة في شراء الأسلحة النارية في أمريكا، حيث وصلت الزيادة إلى بيع حوالي مليوني قطعة سلاح شهريًا في عام 2012م، وفي ذلك الوقت كان معظم المشترين يهتمون بالأسلحة الهجومية نصف الأوتوماتيكية ، أو كما يطلق عليها معظم الأمريكيين عائلة AR-15 وغيرها من النماذج نصف الآلية الشهيرة.
ومع وصول ترامب إلى السلطة في عام 2016م نرى أنه بسبب سياساته التي تخدم مصالح NRA وحرية حمل الأسلحة في أمريكا، فقد هدأ تعطش المشترين قليلاً ، وحتى في حالة إطلاق النار على حفل موسيقي في لاس فيغاس في عام 2017م لا توجد حتى الآن أي أخبار عن زيادة في المبيعات كما حدث في عام 2012م ولكن كل هذا كان بمثابة الهدوء قبل العاصفة!

كورونا يغزو متاجر السلاح
مع تفشي الفيروس التاجي في العالم في الأيام الأولى عندما كان رئيس هذا البلد قد قدر أنه شيء يشبه البرد أو الإنفلونزا ، ولكن شيئًا فشيئًا تم الكشف عن الحقيقة للشعب وبالطبع ترامب نفسه ، مثل معظم الناس في العالم.. يصطف الأمريكيون أمام المتاجر لتلبية احتياجاتهم الأساسية ، ولا يزال نقص ورق التواليت باهظ الثمن موضوعًا ساخنًا في البلاد ، ولكن سرعان ما تم نشر العديد من صور قوائم الانتظار الأخرى في الولايات المتحدة ، وكانت هذه الطوابير الطويلة هذه المرة أمام متاجر الأسلحة والذخيرة.
في 29 فبراير ، تم الإعلان عن أول حصيلة رسمية لوفيات كورونا في أمريكا، ومع هذا الإعلان ووصول مارس اشترى الأمريكيون أكثر من مليوني قعطة سلاح ناري في شهر واحد ما كسر الرقم القياسي للشراء ، ولكن هذه المرة وبناءً على الصور التي تم نشرها مؤخراً فقد تم شراء جميع أنواع الأسلحة النارية ابتداءً من البنادق العادية والمسدسات حتى الأسلحة نصف الآلية ، بالإضافة الى معدات وملحقات الحماية من الأسلحة ، مثل السترات الواقية والكاميرات ، والمصابيح اليدوية ومناظير الليزر.
وفي حديث مع وسائل الإعلام الأمريكية يقول تجار الأسلحة إن الوضع الحالي ليس مشابهًا لأي فترة في تاريخ أمريكا لعدة عقود ، فقد ازداد الطلب على شراء الأسلحة بشكل حاد ، ومن المحتمل أن يكون عدد الأسلحة المباعة أعلى بكثير من حوالي مليوني قطعة خلال شهر واحد، كما تظهر الإحصاءات الرسمية أن مبيعات الأسلحة تضاعفت في معظم الولايات الأمريكية في مارس ، وتضاعفت ثلاث مرات في ولاية يوتا وأكثر من ثلاثة أضعاف في ميشيغان وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا من كورونا.. في 21 مارس وحده تم تداول أكثر من 210.000 قطعة سلاح ، وهو أعلى رقم تم تداوله خلال يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة.. تظهر إحصائيات الشرطة الفيدرالية أنه تم بيع أكثر من مليوني قطعة سلاح في شهر واحد ، حيث اشترى سكان ولاية إلينوي أكثرها ، تليها تكساس وكنتاكي وفلوريدا وكاليفورنيا.
الآن يبدو أن NRA ، أو الجمعية الوطنية للأسلحة في أمريكا تريد اصطياد سمكة كبيرة من مستنقع الأزمة الصحية في هذا البلد وإضافتها إلى مصالحها في الأدوار السياسية والاجتماعية السابقة من خلال إضافة دور جديد لمصالحها.
من جهة أخرى كشف تقرير استخباراتي أمريكي عن الخشية من تعاظم نشاطات المجموعات العنصرية والمتشددة، خلال انشغال الأجهزة الأمنية بمكافحة فيروس كورونا، وفي الوقت الذي يواجه فيه الكونغرس تحدياً دستورياً، بين مطالبة عدد كبير من أعضائه بمعاملة تلك المجموعات “الداخلية” على قدم وساق مع “الإرهابيين الأجانب”، وبين عدم توفر نصوص أو قوانين سارية تشرّع ذلك.
وأضاف التقرير الرسمي المشترك – الصادر عن وزارتي العدل والأمن الداخلي ومشاركة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب- أن المجموعات العنصرية “قد تستغل” الأجواء الراهنة لشن هجمات “ضد الآسيويين واليهود” في أمريكا، على خلفية أدبياتها الداخلية التي تحمّل مسؤولية انتشار الفيروس “مؤامرة يهودية أو صينية”.
وشدد التقرير على أن تلك المجموعات العنصرية تعبئ قواعدها على أرضية قناعاتها بـ “عدم قدرة أجهزة الشرطة والأمن على اعتراض الهجمات المقررة ضد الأقليات أو السيطرة على الاحتجاجات”.
كما تتشابك مصالح تلك المجموعات -حسب التقرير- مع الأهداف المعلنة في برامجها التي تدعو “لتفوق العرق الأبيض” وتسعى لاستثمار جائحة كورونا لتعزيز رواياتها، وتشجيع شن هجمات وارتكاب جرائم كراهية ضد الأقليات، من ضمنها اليهود والأمريكيين من أصول آسيوية”، ولا تستثني تلك المجموعات العنصرية من استهدافاتها الأمريكيين من أصول افريقية أو المهاجرين الآخرين.
واستطرد التقرير الاستخباراتي الذي أُعد بعد جهود رصد مطوّلة لنشاطات المجموعات المتطرفة، بالقول إنه “على الأرجح سنشهد تصاعداً في جرائم الكراهية ضد الأمريكيين من أصول آسيوية وآسيويين آخرين، في غضون الشهرين المقبلين أو الثلاثة المقبلة”.

قد يعجبك ايضا