حرب الفيروسات
وليد أحمد الحدي
يُخطئ القول من يدَّعي أن اليمن وعلى مدى خمس سنوات لم تحُارَب بسلاح بيولوجي وأن الأمراض التي تفشت فيها كانت من صنع القدر وحده, فمن تحالفوا مع الإثم والعدوان ضد الشعب اليمني لم يدخروا جهداً في سبيل الإضرار به وبشتى الوسائل, ولعل الأوبئة كالكوليرا وايبولا التي ابتلينا بها قبل عام ونيف لم تكن وليدة صدفة أو نتيجة عفوية؛ وإنما كانت نتيجة عدوان شرس مرسوم مسبقاً..!!
ومن سخرية القدر أن يُحاصر نفسه اليوم من كان يطبق علينا الحصار ولا يزال, وأن يناشد العالم إيجاد علاج من كان يتجاهل النداء ويمنع عنا الدواء, وأن تصبح غاية ما يسعى إليه محاولة تجاوز هذه المحنة بأقل أعداد من الموتى .
اليوم وبينما ينشغل العالم وخاصة المتقدم بمواجهة جائحة فيروس كورونا المتفشي والذي يستمر في حصاد الآلاف من الأرواح، ويتسبب في حالة كساد عالمي نتيجة توقف المصانع والمطارات وشل الحركة الاقتصادية والتجارية يتجلى مفهوم ومعنى أن تكون قوياً اقتصادياً؛ فالصين التي صُنفت كأول دولة ظهر فيها هذا الوباء هي الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي استطاعت السيطرة عليه وهي التي ترسل اليوم المساعدات إلى الدول المنكوبة والفضل في ذلك يعود الى تفوقها العلمي والاقتصادي .
تتعدد الآراء حول أسباب ظهور هذا المرض ما بين فرضية تدعم ظهوره كطفرة جينية نتيجة تطور طبيعي في خصائص بعض الفيروسات التاجية، وأخرى تؤكد تطويره في مختبرات بيولوجية ضمن سياق حرب جرثومية ما بين قوتين عظميين تتنازعان الهيمنة على عرش الكرة الأرضية هما الصين ذات الاقتصاد الصاعد والولايات المتحدة الأمريكية التي تسيطر على العالم بالقوة الاقتصادية والعسكرية, وهما ما يضمنان للأخيرة التوسع في أنشطتها الاستعمارية الناعمة حول العالم ونهب ثروات كثير من البلدان والتحكم بقراراتها السياسية؛ فالولايات المتحدة الأمريكية التي بلغ دينها العام الخارجي أكثر من 22 تريليون دولار حسب آخر إحصائية (مدينة للصين بـ 1.2 تريليون دولار) لن تسمح لأي قوة على الكرة الأرضية بأن تستحوذ على زعامة العالم اقتصاديا, ما يجعلها في مواجهة شرسة مع المارد الصيني .
مع تطور العلم يتطور العالم وتتطور أساليب الحروب , فلا القنابل والصواريخ التي حسمت النزال في الحربين العالمية الأولى والثانية يمكن أن تؤدي الى ذات النتيجة، ولا الطائرات أو الغواصات النووية قادرة على تحقيق الهدف ضد قوة تمتلك ترسانة عسكرية ونووية مماثلة, وهذا ما يعزز الفرضية الثانية التي تؤكد أن هذه المرحلة التي نعيشها هي إلا فصل من فصول هذه الحرب، وهي الأقرب إلى الواقع بالنظر الى المعطيات؛ فالشواهد كثيرة ومن ضمنها الحرب التجارية بين البلدين وسياسة فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الواردة لكليهما والتي لم تؤت أكلها، ثم محاولة إثارة العاطفة الدينية للمسلمين عن طريق تسليط الضوء على قضية مضطهدي الايغور لتهييج الرأي العام الديني وإعلان الجهاد ضد الخصم الجديد على غرار الأسلوب المتبع مع الخصم الروسي في ثمانينيات القرن الماضي, غير أن هذا التكتيك لم يحقق الهدف المطلوب بسبب ارتفاع منسوب الوعي الجمعي لدى الغالبية المستهدفة، وبالتالي كان اللجوء إلى حرب الفيروسات في نظر ذلك الطرف حتمياً كحل حاسم ضد العدو اللدود وإن كانت احتمالية مخاطره قد تتسبب بالضرر البالغ على الجميع، ليشهد العالم تدشين مرحلة جديدة في تاريخ الحروب في حياة البشرية .
شخصياً لا أستبعد في المستقبل القريب تحميل الصين مسؤولية انتشار “الفيروس الصيني” كما وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحشد كثير من الدول لفرض عقوبات اقتصادية وتعويضات مالية بقرارات أممية ، فكبح جماح الاقتصاد الصيني وتصفير فائضه التجاري المالي مع الولايات المتحدة الذي بلغ ثلاثة تريليونات دولار وبلغت نسبة نموه 6 % متفوقا على الاقتصاد الأمريكي بات أولوية قصوى لدى المجنون الأمريكي .
حرب عبثية يدفع ثمنها العالم الثالث الذي يجد نفسه وقوداً لمعارك لا ناقة له فيها ولا جمل مكتفياً بمتابعة آخر إحصائيات الإصابات والوفيات وعلى استعداد لاستقبال هذا الفيروس دون ابسط حلول باستثناء بعض الإجراءات التقليدية التي تؤخر وصوله، ما يؤكد نظرية البقاء للأقوى، الأقوى علميا واقتصاديا وعسكريا وسياسيا .
محلياً فالحرب البيولوجية التي شنت على اليمنيين بلا هوادة ولا زالت حتى هذه اللحظة يفترض أن تقودنا إلى الإبداع في كيفية وضع الحلول الحمائية التي تضمن عدم تعرضنا لمثل هذا السلاح في قادم الأيام، وأن نولي هذا الجانب مساحة واسعة من الاهتمام لأن العالم اليوم لم يعد يحارب بالسلاح التقليدي إنما بسلاح العلم والاقتصاد وهذا ما يعني أن تكون قوياً.
الأيام القادمة حبلى بالأحداث المفصلية الكفيلة بتغيير وجه العالم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وصحيا وما بعد كورونا ليس كما قبله ..والله أعلم.
* رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي