مختصون: الحل لهذه المشكلة إيجاد مقابر خارج الأمانة أو الاستثمار
لا توجد احصائيات لعدد الموتى ولا نعرف هوية من يْدفن
بعض المقابر أغلقت بعد أن تم نبش القبور ثلاث مرات
(338) إجمالي عدد مقابر الأمانة أغلق منها 190
تحقيق/وائل شرحة
على بعد عامين من الآن ستعلن أمانة العاصمة رسمياٍ عن إغلاق المقابر وتكتب على جدرانها ” لا يوجد لدينا قبور شاغرة” .. حتى المقابر التي ما زالت تستقبل موتى ستكتفي خلال هذا الوقت المعلن بما تحمله من رفات العظام وربما تشتكي وتناشد من ازدحام الموتى فيها.. وقبل أن يعيش سكان العاصمة مرارات تلك المعاناة ووقوع الفأس في الرأس عليهم أن يستعدوا حينها للبحث عن مقابر جديدة لدفن جثث موتاهم.
وفي ظل تخاذل أمانة العاصمة تجاه القضية التي وصفها مسؤول المقابر بأوقاف الأمانة بـ “الكارثة المستقبلية” فإن سكان العاصمة سيعانون بعد عامين مرارتي الفراق والبحث عن مكان لدفن حبيبُ أو عزيزُ لهم.. وسيضطر سكان العاصمة لحذف القاعدة الشرعية التي دائما ما يكررها الناس عند وفاة أي شخص “كرامة الميت دفنه” من قاموسهم.
خلال الأعوام الماضية أغلقت (190) مقبرة لامتلائها بالأموات من إجمالي مقابر العاصمة والبالغة (338) مقبرة.. ليبقى لدينا (148) مقبرة 80% منها على وشك الإقفال خلال العام القادم بينما 20% لازالت في مرحلة ما قبل الإغلاق والوقت المقدر لاكتمالها عامَ فقط.
.. نتابع حصيلة هذا التحقيق في السطور التالية+:
في الدول الأخرى تعمل الحكومات خطة لمقابر الموتى يصل زمنها إلى أكثر من مائة عام خاصة للمدن الرئيسية.. وعاصمتنا تدق مقابرها ناقوس الخطر بعد أن أصبحت بعضها في المرحلة الثالثة من عمليات الدفن, أي نبش القبور ثلاث مرات.. وعن قريب لن يجد أحد مكاناٍ لدفن عزيز عليه وقد تدخل عملية السمسرة وتجارة القبور كتجارة الأراضي إذا ظل الوضع على ما هو عليه..
المشكلة ليست بسيطة ويمكن تجاوزها مع الزمن.. بل هي كارثية بحد ذاتها وتتفاقم من عام إلى آخر.. قد يفكر البعض في طريقة ما يوصي بها أسرته لدفن جثته بعد وفاته خاصة حين يعلمون بأن الجهات المختصة لم تبحث عن حلول لهذه القضية مكتفيه بالصمت أمامها رغم علمها بما يمارسه بعض حراس المقابر من نبش لها وتجميع ما تبقى من رفات عظام الأموات وتجهيزها لأشخاص آخرين, وكأن القبور بيوتاٍ للإيجار..لم تسمح لنا القضية وما يترتب عليها من كوارث أن نلتقي بالمواطنين لنعرف رأيهم حولها.. حتى لا تصيب قلوبهم بالقلق فيموت أحدهم على إثر معرفة خبرها.. بل انطلقنا نبحث عن هذه المشكلة وإمكانية معالجتها مع الجهات ذات العلاقة.
خيوط القضية
خيوط القضية بين طرفين هما ” وزارة الأوقاف والإرشاد, وأمانة العاصمة”.. أحد هؤلاء الأطراف تفاعل مع الموضوع وسهل لنا الحصول على المعلومات كونه في مقدمة الذين يعانون منها والباحثين عن حلول للمشكلة والمنتظر تنفيذ قرارات يرى بأنها الحل الوحيد.
اقتصر عمل أوقاف الأمانة وضع الأقفال على أبوب المقابر الممتلئة ووضع إشعاراٍ بذلك على جدرانها, دون بحث عن بديل لها في أماكن قريبة كما يقول المختص بإدارة المساجد والمقابر مكتب الأوقاف والإرشاد بأمانة العاصمة محمد أحمد عوض, والذي أشار إلى أن الحديث حول إيجاد مقابر داخل العاصمة حالياٍ ليس إلا مضيعة للوقت وهروباٍ من المسؤولية ومواجهة الواقع وعدم الجدية البحث عن الحلول, كون أكثر أحياء الأمانة مزدحمة وليس هناك أراضُ واسعة للمقابر سوى خارجها أو على حدودها إن وجدت أي على أهل الميت والمشيعين أن يسافروا إلى أطرافها “الريف”.
مقابر خارج العاصمة
وطالب محمد عوض أمانة العاصمة بحجز مساحات من أراضي الدولة خارج أو على أطراف العاصمة وتسويرها لقبر الموتى فيها بسبب إغلاق الكثير من المقابر الحالية لازدحامها بالأموات وكذلك قرب انتهاء المقابر التي لازالت مفتوحة والتي حدد الوقت الباقي لاكتمالها سنة واحدة فقط.. مشدداٍ على ضرورة إيجاد مقابر جديدة للعاصمة وكذا سجلات للقائمين عليها كي يتم تسجيل من يتم دفنه باعتبار ذلك سيساعد مصلحة الأحوال المدنية على امتلاك إحصائيات بالوفيات.
نبش القبور
وفي السياق ذاته كشف لنا مسؤول المقابر بمكتب أوقاف الأمانة يحيى السني عدد المقابر الموجودة في نطاق الأمانة والبالغة (338) مقبرة, أغلق منها (190) مقبرة وذلك لامتلائها بالموتى, ولم يتبقِ إلا (148) مقبرة أكثرها على وشك الاكتمال.. مشيراٍ إلى أن هناك مقابر وصلت الآن إلى المرحلة الثالثة في عملية دفن الموتى, كمقبرة المشهد.. أي يقوم العاملون في المقابر بنبش المقابر القديمة وجمع ما تبقى من رفات العظام وتجهيزها وبيعها مرة أخرى.
تقارير مهملة
واستغرب السني من إهمال الجهات المختصة تجاه هذه القضية التي وصفها بـ”كارثة الجهات المختصة” لما ستشهده أمانة العاصمة بعد عامين من عجز عن دفن الموتى لانعدام المقابر.. مؤكداٍ أن إدارة المقابر بأوقاف الأمانة طالبت المكتب وقيادات الوزارة في 2008م من خلال تقرير مفصل أعدته بشأن هذه القضية والنتائج التي يمكن حدوثها عند عدم اتخاذ إجراءات حقيقية وسريعة على أرض الواقع كإيجاد مقابر جديدة خارج العاصمة.
وشدد السني على ضرورة قيام أوقاف الأمانة وأمانة العاصمة بواجبها الملقى على عاتقها والمتمثل في إيجاد أراضُ للمقابر وإنزالها من المخططات الجوية وتسويرها, بالإضافة إلى تعيين حارس على كل واحده منها حتى نستطيع مواجهة كارثة الإهمال وعدم الاستشعار بالمسؤولية من قبل الجهات المختصة.
آذان لا تسمع
وخلال حديثنا مع السني استشففنا بأنه أكثر الأشخاص اهتماماٍ بهذه القضية وربما الوحيد ممن طرحنا عليهم المشكلة, فقد أبدى استعداده التام للنزول الميداني معنا إلى المقابر أو الجهات ذات العلاقة للبحث عن حلول لهذه القضية التي أشحبت صوته منذ 2008م وهو يتردد على أبوب مكاتب أصحاب القرار, حتى وصلنا إليه فنثر ما بجعبته من الهموم والمقترحات والمطالبات عسى أن يسمع صوته من بيده الحل وناشد السني القطاع الخاص بالاستثمار في هذا الجانب الذي عجزت الدولة أن تقف أمامه وتعالج أزمته القادمة.. وذلك بشراء أراضُ وتسويرها للمقابر ووضع عمال عليها, حتى وإن ارتفع سعر أو رسوم القبر بما يقارب شراء أرضية.. معتبراٍ دخول القطاع الخاص في هذا المجال أحد الحلول التي ستضع حداٍ للقضية.
لا نعرف أعدادهم
وأوضح السني بأن المكتب عمم للمقابر خلال الفترة الماضية برفع أسماء الأشخاص الذين يتم قبرهم وأسباب وفاتهم إلا أن التعميم لم ينفذ لعدم قيام مكتب الأوقاف بتوفير سجلات خاصة لذلك وإعطاء كل مقبرة سجلا, ويتبع ذلك متابعة المكتب لمختصي المقابر ومعرفة أعداد الأشخاص المقبورين في اليوم والشهر والسنة, وإرسالها لمصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني لما لها من أهمية كبيرة.. لافتاٍ إلى أن إدارة المقابر طالبت المكتب العام الماضي بتوفير سجلات وأكثر من مرة إلا أن المكتب لم يلتفت لطلبها.
القرار الحبيس
من جانب آخر حمل مدير عام مكتب الأوقاف والإرشاد بأمانة العاصمة المهندس قايد محمد قايد أمانة العاصمة عواقب المشكلة باعتبارها الجهة المختصة والمعنية بإيجاد المقابر وكذلك لعدم تنفيذها قرار المجلس التنفيذي والهيئة العامة للأراضي وعقارات الدولة بالأمانة والذي أقر خلال اجتماع له عام 2011م أن يكون لكل حي مقبرة, كالمدارس وغيرها من المرافق الخدمية.. مشيراٍ إلى أن مكتب أوقاف الأمانة حرر أكثر من مذكرة لأمانة العاصمة, وتحديداٍ للهيئة العامة للأراضي والمساحة التي لم تعط أي اهتمام للقضية أو للقرار الذي يقع تطبيقه على عاتقها.. مطالباٍ هيئة الأراضي بتنفيذ القرار الحبيس داخل أدراج مكاتبها منذ ثلاث سنوات على أرض الواقع كونه سيحد من الكارثة التي لا سبيل إلى الشك في حدوثها خلال العامين القادمين.
على وشك الامتلاء
وقال المهندس قايد: “إن تنفيذ القرار أصبح من المسلمات كون أكثر مقابر العاصمة أغلقت و 80% من لازالت مفتوحة لدفن الموتى على وشك الانتهاء.. بمعنى أن 108 مقابر من الفعالة حالياٍ على وشك الانتهاء و38 مقبرة لازالت في مرحلة ما قبل الخطر ودق جرس الإنذار..”
وعن رفع مسؤولي المقابر بأسماء الأشخاص المتوفين يقول المهندس قايد “ليس لدينا إحصائيات بمن يتم دفنهم في المقابر ولم يرفع أي مسؤول مقبرة بذلك, كما أنه ليس لدينا علاقة أو تنسيق مع مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني بهذا الخصوص كونهم تابعين لوزارة الداخلية”.
بينما يشدد مدير العلاقات العامة بمصلحة الأحوال المدنية العقيد متاش محمد متاش على ضرورة أن يقوم المسؤولون على المقابر بتسجيل أسماء الأشخاص الذين يتم قبرهم والرفع بهم لمكاتب الأوقاف التي تقوم برفعها للوزارة هذا بعد إلزام مسؤولي المقابر بالتسجيل وتوفير مكاتب الأوقاف السجلات في كل مقبرة.. مؤكداٍ على ضرورة إيجاد تنسيق بين المصلحة والأوقاف من أجل تدوين أسماء المقبورين, لأنها ستساعد اليمن على امتلاك إحصائيات الوفاة.
الأمانة تعتذر
حاولنا التواصل عدداٍ من المرات مع مدير عام هيئة الأراضي والمساحة بأمانة العاصمة عبدالله الزوبة إلا أنه اعتذر لنا حول الحديث في هذه القضية كونه حديث التعيين.. منوهاٍ بأن الهيئة ستدرس الموضوع وستعمل خلال الأيام القادمة على إيجاد مقابر جديدة في الأمانة.
صالح مقلم