قمة الوعي!! 

الترحيب الكبير والواسع الذي قوبلت به المبادرة اليمنية لتفعيل العمل العربي المشترك في القمة العربية الثانية والعشرين التي بدأت أعمالها يوم أمس في مدينة “سرت” في الجماهيرية العربية الليبية جسد بالدليل القاطع أهمية هذه المبادرة التي استوعبت تطلعات الشعوب العربية وآمالها في التطور والنهوض وتحقيق الحضور الفاعل لهذه الأمة في عالم اليوم الذي صار لا يعترف إلا بالتكتلات الكبيرة والقوية القادرة على فرض وجودها ومصالحها وتوجهاتها وكل ما يخدم غايات شعوبها وأهدافها على مختلف الصْعد والمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وقد شاءت الأقدار الإلهية أن يتحقق الإجماع العربي على هذه المبادرة اليمنية التي تتضمن إنشاء اتحاد للدول العربية في لحظة تمر فيها الأمة العربية بمرحلة هي الأصعب في تاريخها وبما يجعل من هذه المبادرة قنديل ضوء يبدد قتامة الليل العربي الحالك ويفتح أفقاٍ جديداٍ أمام هذه الأمة لتخطي مصاعبها وتحدياتها الراهنة والمستقبلية وتجاوز حالة اليأس والإحباط التي ألقت بظلالها على الوضع العربي الذي تكالبت عليه في السنوات الأخيرة الكثير من الخطوب والأزمات والتهديدات التي تطوقه من جهاته الأربع فتزيده عجزاٍ وضعفاٍ واختلالاٍ وتشتتاٍ وتصدعاٍ.
والشيء المؤكد أن اليمن ممثلة بقيادتها السياسية بزعامة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وإن ظلت مشغولة بهمومها الداخلية فإنها لم تجعل تلك الهموم تثنيها عن الاضطلاع بمسؤولياتها القومية تجاه أمتها ومناصرة قضاياها والانتصار لتطلعاتها تدفعها إلى ذلك رابطة الانتماء الحضاري الأصيل والعريق لهذه الأمة.
وانطلاقاٍ من قناعة اليمن الراسخة بأن العصر هو عصر التوحد والتكامل والشراكة والاندماج فإنها لم تدخر جهداٍ في سبيل طرح الرؤى والأفكار والمشاريع والمبادرات الهادفة إلى تعزيز العمل العربي المشترك.
ويْحسب لليمن مثابرتها في هذا الجانب ابتداءٍ باقتراحها إيجاد آلية انتظام الانعقاد الدوري للقمة العربية والذي تم إقراره في القمة التي عقدت في جمهورية مصر العربية لتنتظم في ضوء ذلك وللمرة الأولى دورات انعقاد القمم العربية بعد أن ظلت تعقد بصورة استثنائية ومروراٍ باقتراحها مشروع إنشاء الاتحاد البرلماني العربي الذي تم إقراره وتم إنشاؤه ليضم مختلف الأقطار العربية في عضوية متساوية وانتهاءٍ بمبادرتها لإنشاء اتحاد الدول العربية وهي المبادرة المطروحة على جدول أعمال قمة “سرت” الحالية والتي يعول عليها إخراج هذه الأمة من مأزقها الراهن والانطلاق بها صوب ارتياد مكانتها اللائقة على الخارطة الدولية.
ومما لا شك فيه أن اليمن بهذه المبادرات لا تبحث عن مكسب سياسي أو منفعة قْطرية أو أي نوع من أنواع الظهور بل أن دافعها في المقام الأول هو الحرص على خدمة أمتها واكسابها المزيد من المنعة والقوة مؤمنة بأن ذلك هو جزء من واجبها القومي تجاه أمتها في هذه المرحلة الحساسة التي تقتضي أن يعمل الجميع من أجل الحفاظ على ترابطها وتماسكها وتعزيز صلابتها في مواجهة المتغيرات والتطورات التي تجري من حولها.
وكما أشار فخامة الرئيس علي عبدالله صالح فإنه لا سبيل لهذه الأمة سوى الانتقال من إطار مؤسسة جامعة الدول العربية إلى اتحاد الدول العربية باعتبار ذلك أمراٍ تفرضه ضرورات قومية ملحة لصون مصير هذه الأمة ووجودها وضمان عزتها في هذا العصر الذي لا يعترف إلا بالأقوياء.
ومن غير المنطقي أن تنضوي الشعوب الأوروبية والافريقية في اتحادات قوية تتكامل فيها قدراتها وإمكانياتها رغم كل التباينات الثقافية بينها وتعدد أعراقها ولغاتها وألوانها وأجناسها فيما تظل شعوب الأمة العربية المتوحدة أصلاٍ في كل القواسم.. عقيدةٍ ولغة وتاريخاٍ وحضارة غير قادرة على الالتئام في اتحاد يجمع شتاتها في كيان واحد مع أن ما يجمعها أكثر مما يفرقها.
وبوضوح شديد فإن الجماهير العربية تنتظر من قمة «سرت» أن تكون في مستوى التحديات القائمة وأن تنطلق في قراراتها من قراءة موضوعية وصحيحة لواقع الحال بعيداٍ عن التشعبات والصيغ العائمة التي تحول دون حسم القضايا وخاصة تلك التي لا تقبل التردد أو الإبطاء أو التأجيل فاليوم وبعد كل السنين التي مرت في مناقشات للسبل الكفيلة بتطوير العمل العربي المشترك صار من حق الجماهير العربية أن تلمس تقدماٍ فعلياٍ على أرض الواقع من أصحاب القرار وبما يعيد الأمل إلى نفوس أجيال هذه الأمة التي آن لها أن تتنفس الصعداء وأن تتحرر من حالات اليأس والإحباط وذلك لن يتأتى إلا بقيام اتحاد الدول العربية الذي صار حلماٍ يراود الملايين من أبناء هذه الأمة.
ومن المؤمل أن يتجاوب القادة العرب مع نداءات شعوبهم وذلك بإقرارهم مشروع الاتحاد العربي الذي سيشكل الإنجاز التاريخي والاستراتيجي في التاريخ العربي المعاصر كونه يمثل بداية عهد عربي جديد تتلاشى فيه كل التعقيدات والمعوقات والأزمات والتحديات التي تجابه أمتنا.
فهل يدخل العرب التاريخ من أبواب هذه القمة أم أنهم سيظلون خارجه لعام آخر¿
والقرار بكل تأكيد بيد قاداتهم الذين بوسعهم أن يجعلوا من قمة «سرت» “قمة الوعي” بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

قد يعجبك ايضا