تعزجغرافـــــــــــــــيا تـــرفـض الــتـجزئة

 

في الثاني والعشرين من مارس 2015 وبعد وصول الجيش واللجان الشعبية إلى مدينة تعز وفرض سيطرتهم على مطار تعز والمجمع القضائي وعدد من مؤسسات الدولة، لتغطية الفراغ الأمني ، وجّه الفار عبدربه منصور هادي من مدينة عدن دعوة للمجتمع الدولي بالتدخل لإنقاذ شرعيته التي لفظها الشعب وتساقطت أوراقها على طول وعرض الجغرافيا اليمنية.
بعد هروب هادي إلى سلطنة عمان ومنها إلى الرياض وتدشين السعودية عدوانها البربري بمشاركة 17 دولة عربية وبدعم غير محدود من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل تم الإعلان في 30 إبريل 2015م عن تشكيل مجلس عسكري للمقاومة الشعبية في ما اسمته حكومة الفار هادي بـ «إقليم الجند» بقيادة ذراع الجزال علي محسن- صادق علي سرحان ونيابة المرتزق حمود سعيد المخلافي بهدف السيطرة على الإقليم الذي يمثل أكبر تكتل سكاني في اليمن.
ومع تعدد الولاءات الداخلية واختلاط الأوراق الخارجية ظهر أكثر من مكون عسكري وبدأت تتشكل أكثر من ميليشيا في محافظة تعز التي وجدت فيها دول التحالف شخصيات عميلة ومؤيدة لكل أجندات التحالف، غير أنها لم تستطع السيطرة على المحافظة مع ظهور صراع بين تلك الشخصيات المؤيدة للعدوان وبالتالي فشلها في تنفيذ مشروع التدخل الخارجي، فقررت دول العدوان في الـ 12 من يناير 2016م دمج مجموعة من تلك الفصائل والمليشيات في مكون جديد اسمته بـ «المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية» في محافظة تعز برئاسة المرتزق حمود المخلافي فيما أقصي العميد سرحان ومنح منصباً هامشياً في المجلس الجديد.
استمرت طائرات التحالف بارتكاب الجرائم بحق المدنين في كل المدن اليمنية ومنها محافظة تعز التي بدأت الطائرات أيضاً بإنزال شحنات أسلحة لتلك الفصائل والمليشيات والمجاميع لتدخل المحافظة في أتون حرب عصابات وعمليات إرهابية خاصة وأن غالبية من أيدوا العدوان في المحافظة هم من الموالين والمنتمين لحزب الإصلاح الإخواني والجماعات الدينية المرتبطة بالخارج نشأة وأهدافاً، فشهدت بعض المناطق التي انسحب منها الجيش واللجان الشعبية أعمال سلب ونهب وتقطعات وجرائم إرهابية لم تحدث تقريباً في أي من الجبهات الأخرى التي فتحت بالتزامن في مئات المدن والمناطق.
وشهدت تلك المناطق في تعز صراعاً سياسياً وعسكرياً بين تلك الفصائل وتصدرتها فضائح مالية ضخمة أظهرت للجميع حجم المبالغ التي تستلمها من دول التحالف بالريال السعودي وهي ملايين فجرت بين أولئك الشخصيات ومن معهم خلافات حادة ومواجهات إعلامية وعسكرية.
لمحافظة تعز أهمية استراتيجية كونها تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، فهي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 256 كلم، وتطل مناطقها الغربية على البحر الأحمر، كميناء المخا الذي يقع على منفذ بحري استراتيجي يعتبر حلقة وصل جغرافية بين محافظتي تعز والحديدة الساحلية.
كما تكتسب تعز أهمية سياسية وديمغرافية بسبب التكتل السكاني في المحافظة والذي يبلغ نحو 5 ملايين نسمة ، وتعتبر الحاضرة الثقافية والمدنية لليمن حيث أن الكثير من النخبة المتنفذة تنحدر أصولها من تعز الأمر الذي كان يشكل عقدة ودرعا حصينا ضد أي مشروع انفصالي بين شمال اليمن وجنوبه.
ومن شأن السيطرة على محافظة تعز التسريع في عملية الحسم العسكري، عبر اتخاذ المحافظة بوابة انطلاق وقاعدة عسكرية للقوات الموالية لدول العدوان إلى محافظات الشمال وصولا إلى صنعاء، هكذا ظن مرتزقة التحالف بأن تحرير محافظة تعز سيسهل لهم عملية السيطرة على كافة مناطق الشمال والجنوب وبالتالي تنفيذ مخطط العدوان.
استماتت دول العدوان عبر مرتزقتها في محاولات السيطرة على تعز غير أنها راوحت مكانها في الأماكن التي انسحب منها الجيش واللجان الشعبية وهي مناطق صحراوية مفتوحة واعتماد المرتزقة على تغطية الطيران الحربي المكثف.
وكما لم يحدث في أي جبهة أخرى ظلت المواجهات في المناطق الغربية من محافظة تعز مشتعلة وساخنة على الدوام لأنها أيضاً تمثل استراتيجية كبرى لسلطات المجلس السياسي الأعلى الذي رغم انسحاب قواته من بعض تلك المناطق إلا أنه لايزال يسيطر عليها نارياً وخاصة بالصواريخ وسلاح الجو المسير وينفذ فيها ضربات موجعة تمتد بعضها للبحر وتوجع دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وغيرها.
سلطات المجلس السياسي الأعلى في تعز حافظت على مؤسسات الدولة وصوبت عملها وأوجدت نموذجاً للتعايش بحرية ويسر وكثيراً ما تقارن الحياة الهادئة والطبيعية التي يعيشها سكان تعز في المناطق الجبلية ومعظم المدينة مع المؤسسات والأرواح المختطفة في أجزاء المدينة التي وقعت في قبضة العصابات والمليشيات التابعة لدول العدوان.
الإمارات كشفت عن أطماعها في اليمن وكشرت عن أنيابها وقاتلت اليمنيين واختلفت مع السعودية في سبيل فرض سيطرتها على الموانئ اليمنية وخاصة ميناء عدن ومحاولة التحكم بحركة التجارة العالمية من مضيق باب المندب، وقد كانت لها صولات وجولات سياسية واقتصادية مع الأنظمة السابقة حاولت من خلالها ضمان عدم تشغيل ميناء عدن بقوته الحقيقية لما له من تأثير على ميناء أبوعلي الذي يدر عليها مليارات الدولارات سنوياً.
ألقت الإمارات بثقلها في الساحل الغربي وجندت آلاف المرتزقة من عدد من دول العالم واستغلت حاجة بعض الشباب من أبناء المحافظات الجنوبية في تنفيذ خططها الرامية للسيطرة على الموانئ والسواحل اليمنية، ووجدت ضالتها في بقايا النظام السابق وعلى رأسهم طارق عفاش لتحشد المئات من منتسبي الحرس الذي كان خاصاً بحماية صالح وأفراد عائلته، والزج بهم في معركة ضد وشعبهم ووطنهم، وبسطت يدها على ميناء المخا وبعض المديريات المجاورة مستفيدة من رغبة الانتقام التي يسعى وراءها الفار طارق عفاش بعد مصرع عمه في أحداث فتنة ديسمبر 2017م.
السعودية التي تقود تحالف العدوان غضت الطرف عما تقوم به أبوظبي في تعز من بسط نفوذها وقرارها على ميناء المخا وذوباب وجزيرة ميون، وتهجير السكان وتوطين مرتزقة الداخل والخارج في قراهم ومدنهم.
ولا زالت تعكف الإمارات على تنفيذ مخططها الجديد الذي يرتكز على فصل المخا وذوباب وموزع وجزيرة ميون عن محافظة تعز وتشكيلها في إقليم جديد يسهل لها البقاء ويطيل من عمر تواجدها في كافة المناطق التي احتلتها وخاصة المنافذ البحرية الاستراتيجية، وقد ثبت ذلك بعد إعلانها سحب قواتها من اليمن حيث كشفت الأحداث والوقائع بأنها قامت بنقل تلك القوات من محافظة عدن إلى المخا وحضرموت.

قد يعجبك ايضا