تعقل أكثر.. وانفعال أقل!! 

مهما كان حجم الاختلافات والتباينات في المواقف السياسية بين أطراف العمل الحزبي, فلا ينبغي بأي حال من الأحوال إسقاط مثل هذه التباينات على ما يتصل بقضايا التنمية والشأن الاقتصادي¡ باعتبار أن مثل هذه القضايا لا تحتمل أي قدر من المناكفات أو المكايدات أو المماحكات أو الرؤى الانفعالية والتوظيفات السياسية التي لا تستند إلى أية محددات علمية مدروسة أو جانب معلوماتي سليم ولا تقوم على طرح واقعي وموضوعي للبدائل بقدر ما تستهدف تهييج الشارع على نحو لا يخدم أحدا◌ِ.
والحقيقة¡ أنه إذا ما كان الاختلاف والتباين في وجهات النظر حيال القضايا السياسية أمرا◌ٍ طبيعيا◌ٍ في ظل النهج الديمقراطي والتعددية السياسية¡ فإن الزج بالشأن الاقتصادي في تلك المعمعة واتخاذه وسيلة لتصفيات حسابات حزبية أو ذاتية, هو أمر ضار وخطير لارتباط الموضوع الاقتصادي بمجريات التنمية والواقع المعيشي لكافة المواطنين.
ولحساسية هذا الموضوع فلا بد أن تتكامل جهود مختلف القطاعات والهيئات والمنظمات والأحزاب والمؤسسات وسائر الأطر والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية الرسمية والأهلية¡ من أجل تجاوز التحديات الاقتصادية ودعم الإصلاحات التي بدأتها الحكومة لتطوير وتحسين مناخات الاستثمار وتنمية الموارد العامة والارتقاء بالهياكل الإنتاجية للاقتصاد الوطني والنهوض بدور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في إقامة المشاريع التي من شأنها خلق المزيد من فرص العمل والحد من البطالة وعوامل الفقر¡ وصولا◌ٍ إلى ترسيخ الشراكة الوطنية التي ت◌ْعلي من شأن الوطن وتنميته وتطوره وازدهاره.
وحينما يكون الحديث عن الاقتصاد¡ فإن المسؤولية تصبح مسؤولية الجميع سلطة ومعارضة على حد سواء¡ بل أن كل أبناء المجتمع معنيون بالعمل معا◌ٍ في تبني المعالجات الكفيلة بتجاوز المشكلات الناجمة عن التحديات الاقتصادية التي تواجهها اليمن¡ وذلك عن طريق استيعاب حقيقة المشكلة وجوهرها وقراءتها بعمق ورؤية منهجية متخصصة¡ متبصرة ومتعقلة ومدركة لأبعادها التي لا يمكن التغلب عليها بواسطة التصريحات الإعلامية المتشنجة التي يحاول البعض من خلالها دغدغة عواطف البسطاء وليس أيضا◌ٍ عبر البيانات الإنشائية الانفعالية التي تسعى إلى توظيف واستغلال هموم الناس لغايات حزبية وشخصية ضيقة وأنانية.
فالواقع أنه يستحيل تخطي المشكلات الاقتصادية بالمزايدات الإعلامية أو المناكفات والمماحكات الحزبية¡ وإنما بالعمل والعرق والجهد والإنتاج والاعتماد على الذات¡ خاصة وأن المعضلة الأساسية تتركز في أن احتياجاتنا صارت تفوق مواردنا ووارداتنا تتجاوز أضعاف أضعاف صادراتنا¡ وتزداد هذه المعضلة تعقيدا◌ٍ بارتفاع معدل النمو السكاني بنسبة هي الأعلى في العالم.. الأمر الذي تتضاءل معه فرص النجاح لأية تدابير ممكنة¡ دون التوجه نحو الإنتاج باعتبار أن الانفجار السكاني صار يلتهم أولا◌ٍ بأول أية زيادة في الموارد¡ ناهيك عن الأزمات المفتعلة التي أضحت هي الأخرى تمثل عائقا◌ٍ رئيسيا◌ٍ للنمو الاقتصادي!!.
ورغم كل ذلك¡ فإن ما يدعو إلى الاطمئنان هو أن الحكومة حريصة كل الحرص على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمعيشي¡ وما تتخذه من الخطوات تهدف من خلالها الرقي بالعملية التنموية وإنجاز مشروعاتها المستدامة واستكمال ما بدأت به من إصلاحات للتغلب على التحديات الاقتصادية الراهنة..
وفي المحصلة فإن تجاوز عقبات التنمية يقتضي منا جميعا◌ٍ أن نقبل على مجالات الإنتاج¡ وأن نغير من فهمنا لثقافة العمل¡ وأن نجعل مصلحة الوطن فوق مصالحنا الذاتية والحزبية¡ مستوعبين أن بناء اليمن العصري والديناميكي المعتمد على ذاته وإمكانياته لا يمكن أن يتم بالاعتماد المفرط على استيراد حاجياتنا من الخارج وإنما بزيادة انتاجنا الزراعي والصناعي واستغلال ما تجود به أرضنا من موارد اقتصادية لتحقيق النهوض الشامل والمستدام.
وأولى الخطوات لتحقيق ذلك¡ هي أن نجعل من اليمن وتطوره ونهضته همنا الأول والدائم والأخير¡ فالمواطن الصالح هو من يؤدي واجباته نحو وطنه قبل أن يبحث عن امتيازات المواطنة.. وذلك ما يستدعي أن نتعاطى مع الحلول الاقتصادية بتعقل أكثر وانفعال أقل.

قد يعجبك ايضا