فوضى الاستيراد!! 

الشيء الأكيد أن فوضى الاستيراد وإغراق السوق اليمنية بمئات الأصناف من السلع الواردة من كل حدب وصوب دون معايير أو ضوابط أو تصنيف لما نحتاجه وما لا نحتاجه من هذه السلع وما هو ضروري منها وما هو ضار بالاقتصاد الوطني إنما يندرج في إطار الاستهلاك العبثي الذي لا مبرر له على الإطلاق. ولا بد من الاعتراف أننا قد ساهمنا جميعاٍ بوعي وبدون وعي في استشراء هذه الفوضى التي تولدت عنها طوابير كبيرة من “تجار الشنطة” المتطفلين على التجارة وعملية الاستيراد الذين يتناوبون على إغراق السوق المحلية بالكثير من السلع غير الضرورية والتي لم يسبق للمستهلك المحلي أن ارتبط بها إما لوجود البدائل المحلية لها أو لانعدام حاجته إليها.
والمؤسف حقاٍ أننا ركبنا موجة الانفتاح وحرية السوق بصورة غير مدروسة ولا مقننة ودون أن نضع ضوابط تحمي سوقنا المحلية من أولئك المتطفلين على الاستيراد والتجارة الذين يعود إليهم السبب في الارتفاع المفاجئ لسعر الدولار مقابل الريال لكونهم يقومون بسحب أي معروض للتداول من العملات الأجنبية في السوق المحلية لتأمين استيرادهم سلعا هي في الأغلب من فضلات الأسواق الخارجية التي لا تلقى رواجاٍ في تلك البلدان لعدم مطابقتها لمواصفات الجودة ومن غير المسموح حتى بعرضها في أسواق منشأها حتى أضحت السوق اليمنية مقلباٍ لمثل تلك السلع المقلدة أو المزورة التي تكبد البلاد مليارات الدولارات وتلحق الضرر البالغ بالمستهلكين واقتصادياتهم إن لم يمتد هذا الضرر إلى الصحة العامة وسلامة البيئة!!.
وغير خاف على أحد الكم الهائل من الأدوية التي يتم تداولها في أسواقنا وهي مقلدة أو مجهولة الهوية¿.. ومثلها الكثير من السيارات والأجهزة الالكترونية والمعدات والأدوات الكهربائية التي تباع في أسواقنا وهي لا تحمل أية علامة أو ماركة تجارية حقيقية تضمن للمستهلك “خدمات ما بعد البيع” لعدم وجود وكالات معروفة لها تتولى عملية الصيانة والإصلاح وتوفير قطع الغيار الأمر الذي يضطر معه المواطن للاستغناء عنها بعد فترة وجيزة متكبداٍ خسارة ما أنفقه على شرائها ناهيك عن أصناف الملابس والأغذية المشكوك فيها والتي تغرق السوق المحلية التي لا نعرف من أين أتت وكيف تم استيرادها وكيف دخلت بلادنا!!.
والأنكى من كل هذا أن تتسع رقعة انتشار هذه الفوضى لتصبح وبالاٍ على الكثير من المنتجات المحلية المعروفة بجودتها العالية وخصوصيتها المتميزة.. إذ كيف لعاقل تقبل أن تصبح اليمن مستوردة للبن أو العنب أو الزبيب أو العسل أو البخور أو اللبان أو الملح وغير ذلك وأن يصل مدى هذه الفوضى إلى استيراد المآزر والأزياء التقليدية التراثية بما فيها “الجنابي” نصالاٍ وأغمدة وأحزمة¿!!.. وأي بلد في العالم يمكن له أن يستورد سلعاٍ ارتبط انتاجها به وأرضه واشتهر بها على مستوى العالم وغدت من العلامات المسجلة المرتبطة بهويته الحضارية التاريخية¿!!.
وهل من لوازم الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية “جات” أو حرية السوق والانتقال للاقتصاد الحر أن نجعل من سوقنا المحلية وعاءٍ أو مكباٍ لسلع مجهولة الهوية يطغى عليها إما التقليد أو التزوير أو التزييف¿!!.. وهل من المنطق في شيء أن تتوقف إجراءات المعالجة عند رفع الرسوم على تلك السلع وخاصة تلك التي تفتقد لأبسط معايير الجودة أو تك التي لها مثيل من السلع المحلية رغم علمنا أن من يستوردون تلك السلع هم متطفلون ويعتمدون الأساليب الملتوية في جمع العملات الأجنبية من السوق المحلية وتهريبها إلى الخارج بعيداٍ عن الطرق المتبعة للاستيراد وفتح الاعتمادات المستندية في البنوك¿!!.
وهل من الصواب أن يترك الحبل على الغارب لمجموعة من المتهورين والجشعين الذين لا هم لهم إلاِ الثراء كي يمارسوا عبثهم بالاقتصاد الوطني وغشهم للمواطنين بصورة علنية ويمرحون ويسرحون بسلام وأمان فيما أبناء هذا البلد يدفعون الثمن باهظاٍ ليس فقط من خلال الاهتزازات التي تتعرض لها عملتهم الوطنية واقتصادهم وميزان المدفوعات والميزان التجاري وإنما أيضاٍ من صحتهم واستقرارهم المعيشي¿!!.
وحتى لا تختلط الأوراق نقول أن لا أحد ضد الاستيراد وممارسة التجارة الشريفة ولكن لا أحد يمكنه أن يقبل بمثل تلك الفوضى والعبث والغش والاستنزاف وإغراق السوق المحلية بفضلات الآخرين والإضرار باقتصادنا الوطني والإنتاج المحلي.. فمن يستوردون العنب والزبيب والبن واللبان والبخور والعسل ويستغلون سلبية بعض المستهلكين إنما يقوضون فرص آلاف المزارعين والحرفيين والأيدي العاملة في الحفاظ على دخولهم وزيادتها!!.
وما من شك أن معالجة هذا الخلل الخطير تتطلب تحركاٍ جاداٍ وسريعاٍ وطويل المدى فما نحتاجه ليس استيراد العنب وإنما التوسع في زراعته ليصبح بحق سلعة نقدية نصدرها للخارج والحال نفسها مع البن الذي التصق اسمه باسم اليمن منذ أمد بعيد ولا يشرف أحداٍ من اليمنيين أن يصبح بلده مستورداٍ كل شيء حتى الثوم!!.
وبكل تأكيد فإن ما بدأته الحكومة من إجراءات يقتضي عملاٍ منظماٍ ومنسقاٍ لمواجهة هذا الخلل بكل أبعاده وآثاره المدمرة.

قد يعجبك ايضا