البن اليمني.. التاريخ واستثمار للمستقبل

 

الثورة نت|..

ينظر لقرار حظر استيراد البن وقشوره وغلاته ، الذي اصدر بقرار مشترك من وزارتي الصناعة والتجارة والزراعة والري، بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح رغم تأخره لسنوات طويلة، ويأتي الحظر في اطار المساعي الحكومية بهدف حماية زراعة وتجارة محصول البن، خاصة مع جملة العوائق التي تحيط بقطاع الزراعة عموما والبن خصوصا، ويشكل القرار حسب المختصين بالبداية الايجابية في سبيل دعم المنتج الوطني لمواجهة المنتج الخارجي الذي يغزو السوق المحلي منذ سنوات طويلة، ولكن بالمقابل هناك من يعتقد أن القرار سوف يكون له عواقب وخيمة خاصة في حال زيادة حصة الاستهلاك الداخلي للبن اليمني وبالتالي تراجع الكمية المصدرة إلى الخارج.

وبعيدا عن هذا الجدل فقد أكدت وزارة الزراعة العمل على تنفيذ جملة من

الخطط والبرامج الهادفة لتطوير وتحسين زراعة وإنتاجية البن كمحصول ذات مردود اقتصادي ونقدي مهم، حيث تبنت الوزارة خلال الموسم 2020م إنتاج مليون شتلة بن أنجز منها فعليا حوالي 80 % من العملية الإنتاجية بهدف تدشينها في الموسم الزراعي الحالي ، وتزامنت هذه الجهود مع تزايد الطلب على البن اليمني خارجيا، حيث تشير بعض المصادر إلى أن هناك ارتفاع في حجم الطلب لقهوة البن اليمني في الأسواق العالمية.

محصول نقدي استراتيجي

تعتمد عشرات الالاف من الأسر على زراعة محصول البن الذي يصنف كمحصول نقدي يساهم في تحقيق الارباح الوفيرة وبالعملة الصعبة ويشكل دعماً للاقتصاد في البلد، وحسب الاحصائيات الرسمية يعمل في هذا ما يقارب المليون شخص بداية من زراعته وصولا إلى أن يصبح منتج وسلعة تباع داخليا وخارجيا.

خلال مراحل زمنية سابقة اعتبر البن مصدرا لجلب العملات الأجنبية لكون المنتج محصول تاريخي مطلوب خارجيا، وكما هو متعارف فأن المواد الزراعية عموما تصنف ضمن أهم الموارد الاقتصادية في قياس قوة ومكانة الدولة ضمن ما يسمى بمناهج الجغرافيا السياسية، واليمن من البلدان الزراعية تاريخيا واعتمدت في رقيها ونهوضها الحضاري منذ الاف السنين على الزراعة، وتصنف المقومات الاقتصادية من ضمن الاسس التي يتم على اساسها تقييم وزن الدول السياسي لما لها من انعكاسات على حاضر ومستقبل الدول وعلاقاتها بالعالم الخارجي، إضافة إلى استقلالية قرارها وقدرتها على مواجهة الأزمات والأعداء خلال الحروب.

ويتبنى القطاع الخاص عملية تصدير محصول البن للخارج فيما يتوقف التدخل الحكومي على الدور الاشرافي، ويعتبر البن سلعة يمنية رئيسية يتم تصديرها للعالم بعد النفط والغاز، وتشير الاحصائيات إلى أن حوالي80% من الإنتاج السنوي البالغ 20 ألف طن يصدر إلى الخارج.

جدير بالذكر، أن حجم الصادرات عالميا خلال العام 2018 بلغ حوالي سبعة مليون وثلاثمائة الف طن وتصدرت البرازيل قائمة الدول المصدرة بحوالي مليون وتسعمائة الف طن وفي المرتبة الثانية جاءت فيتنام بإجمالي مليون وسبعمائة الف طن وفي المرتبة الثالثة تأتي كولمبيا في قائمة الدول الرئيسية المصدرة بمقدار سبعمائة وستون الف طن ومن ثم دولة هندوراس بإجمالي تصدير يبلغ اربعمائة وثمانية وعشرون الف طن وفى المرتبة الخامسة تحل الهند بإجمالي حجم صادرات يصل إلى ثلاثمائة وستة وسبعون الف طن من صادرات القهوة، وتعكس الأرقام السابقة سيطرة تلك الدول على تجارة البن دولياً على الرغم من تاريخها الحديث “نسبياً” في زراعة شجرة البن، ولكنها استطاعت الاستحواذ على مكانة متقدمة في هذا المضمار، وبالمقارنة يتبين أن حجم الصادرات اليمنية مقارنة بالحجم الإجمالي لصادرات البن عالميا لا يشكل سوى نسبة ضئيلة جدا لا تتعدى 0,002% .

وأمام لغة الارقام هذه التي تشير إلى ضخامة سوق تجارة البن دولياً، لا بد من توجيه الدفة نحو التحسين من ترتيب اليمن مستقبلا في حجم التجارة الدولية لسلعة القهوة، وهو ما سوف ينعكس ايجابا على الوضع الاقتصادي برمته بما فيه الاقتصادات المحلية في مناطق زراعة البن، بالإضافة إلى خلق آلاف من فرص العمل الجديدة المباشر وغير المباشر في زراعة وإنتاج وتصدير محصول البن.

الجودة وأرث الاجداد

يمتلك اليمن إرثا حضاريا عمره الاف السنين قدم من خلاله للإنسانية الكثير من المعارف والقيم في العديد من المجالات وفي مقدمتها المجال الزراعي، وليس غريبا أن يمتلك الإنسان اليمني المهارات والخبرات المتوارثة عن الأجداد التي تعكس الخصوصية اليمنية المتفردة في هذا المجال، ويتجلى ذلك التميز في زراعة البن اليمني ذات الجودة العالية الذي لم يأتي من فراغ ولكنه مرتبط بذلك الإرث الذي مازال يتعامل من خلاله مع شجرة البن.

وعلى الرغم من حساسية أشجار البن تجاه الكثير من العوامل الطبيعية والبشرية ، حيث يشير المختصين في هذا السياق أن شجرة البن تنمو في درجات حرارة معتدلة على مدار السنة ، فهي لا تتحمل درجات حرارة تزيد عن 26 درجة مئوية ولا تتحمل الصقيع إطلاقا وتؤثر فيها الثلوج والبرد، وتجاوز المزارع اليمني قديما هذه الاشكالية من خلال زراعة البن جوار الأشجار الكبيرة مثل : الطنب لحمايتها من اشعة الشمس القوية ومن البرد المصاحب للأمطار، إضافة إلى ما سبق أن الخبرة التراكمية سجلت حضورها في مرحلة التشتيل: أي زراعة شتلات صغيرة لغرسها في مواقع جديدة ومن ثم الري عبر السواقي أو المناقلة.

وفيما يخص عملية التسميد فالمزارع اعتمد على السماد العضوي، وعند مرحلة جني الثمار الذي يكون عادة على عدة مراحل لأن ثمار البن لا تنضج جميعها في وقت واحد، فهناك ما يتم جنيه حمراء اللون والبعض الأخر يجنيها عندما يصير لونها ما بين البنفسجي والرمادي الغامق وبعد أن يتم جني البن يتم تجفيفه من خلال تعريضه لأشعة الشمس لعدة أيام.

وبالرغم من أهمية الخبرات التي يتوارثها الأحفاد في زراعة البن إلا أن لغة الارقام وموقع اليمن الهامشي على خارطة الدول المصدرة لمحصول البن تحتم على الجهات المختصة العمل على إحداث نقلة نوعية في زراعة وتجارة البن وفي مقدمة تلك الخطوات:-

1- إنشاء وصيانة البرك وإقامة الخزانات التقليدية والإسمنتية لحصاد مياه الأمطار وتركيب شبكات ري حديثة في مختلف المناطق.

2- دعم المزارعين لصيانة المدرجات الحالية واستصلاح ما تم إهماله خلال العقود الماضية.

3- التوسع في المشاتل الحالية ودعم المشاتل قيد الإنشاء، ومساعدة المزارعين للحصول على الشتلات المناسبة والمهجنة والخالية من الأمراض والمتأقلمة مع الخصوصيات المناخية والتضاريسية في البلد.

4- دعم المشاركات الخاصة بالقطاع الخاص والمبادرات المجتمعية والشعبية الساعية إلى الترويج لزراعة البن.

5- إحياء دور البنك اليمني الزراعي وغيره من البنوك ومؤسسات التمويل والإقراض للدخول في تمويل المشاريع الساعية لتطوير زراعة البن.

6- دعم وتسهيل صادرات البن اليمني، وحظر الوارد من البن الخارجي لحماية المنتج المحلي.

7- تنمية الطرق والأساليب التقليدية في زراعة البن والتي ساهمت في تميزه عالميا.

8- العمل على إنشاء كيان مؤسسي مستقل لتنمية وتطوير زراعة البن.

9- إبراز مكانة شجرة البن في اليمن من خلال تكثيف التوعية الاعلامية وفي المناهج التعليمية.

10- تفعيل دور المؤسسات البحثية وتطوير أداء الإرشاد الزراعي.

11- الترويج للقهوة اليمنية في الأسواق العالمية من خلال شبكة الإنترنت.

12- تثبيت الثالث من شهر مارس كل عام يوماً وطنياً للاحتفال بشجرة البن اليمني.

الدعم والمساندة المجتمعية

كما تحدثنا في تقارير سابقة عن المشاكل التي تواجه الزراعة عموما ومحصول البن خصوصا، لا بد من الاشارة إلى أن هناك جهود حثيثة للنهوض واستعادة مكانة اليمن في هذا المجال، وفي هذا السياق سجل الحضور المجتمعي خلال الفترة الماضية دوراً متقدما في الترويج الداخلي والخارجي بهدف التطوير والتوسع في إنتاج محصول البن اليمني، باعتباره محصول تاريخي مرتبط بالهوية اليمنية الجامعة، بالإضافة إلى التأكيد على أن قهوة البن من المحاصيل النقدية التي تسهم في النهوض الاقتصادي واستعادة اليمن مكانتها الطبيعية في هذا المجال.

وفي هذا السياق بادرت مجموعة من الناشطين والمهتمين إلى تكثيف الجهود من خلال إطلاق المبادرات الهادفة إلى حث مختلف الاطراف الحكومية والخاصة والمجتمعية على دعم وتشجيع المزارعين لزراعة شجرة البن على نطاق واسع.

ومع مرور الوقت تبلورت الافكار على ضرورة أن يكون هناك يوم “عيد وطني” لشجرة البن، وبالفعل أعُلن الثالث من شهر مارس من كل عام “عيد موكا” تيمناً بالشهرة الواسعة للقهوة اليمنية التي عُرفت عالميا بـ موكا كوفي ” Caffe Mocha”. وارتبطت التسمية بمدينة المخاء اليمني “القريب من باب المندب” لكونه ميناء التصدير الرئيسي لمحصول البن خلال الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلادي، ويرجح العديد من الباحثين أن قهوة الموكا “الموكاتشينو” قد أخذت الاسم من ميناء المخاء، وترافقت تلك الجهود المحمودة مع تدشين حملة تسعى إلى الترويج للبن اليمني على وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم (#البن_اصله_يمني).

وعليه: لا بد من التأكيد في ختام هذا الطرح على حيوية وضع استراتيجية متكاملة تهدف إلى الاستثمار في زراعة وتجارة البن باعتباره محصول ارتبط تاريخيا باليمن من جهة ولكونه منتجا ذات مردود اقتصادي بالغ الأهمية من جهة أخرى.

سبأ

قد يعجبك ايضا