العلامة/عدنان الجنيد
إن الملائكة تنزل لتثبيت قلوب المؤمنين المخلصين الذين يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ،أو لتحرير أرضهم ، أو لطلب حريتهم ، واستقلالهم أو لينالوا عزتهم وكرامتهم ، أو لدفع الظلم عنهم ، أو لنصرة المستضعفين أو لنصرة أية قضية عادلة تهدف إلى إسعاد الناس وإزالة الفساد عنهم أو … الخ
تنزل ـ الملائكة ـ على قلوب المؤمنين المجاهدين سواء في العصور السابقة أو في العصور اللاحقة. تنزل فتثبت قلوبهم وتقوي عزائمهم وتصحح نياتهم, وتسكّن روعهم وتنفخ فيهم روح الهمة والثقة بنصر الله وتلهمهم أموراً كانوا عنها غافلين فتكون سبب نصرهم
إن تأييد الله تعالى للمجاهدين في سبيله ليس بالمدد الملائكي فحسب بل وبغير ذلك (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[الفتح :4]
فمن جنوده الريح التي أيد الله بها المؤمنين في يوم الأحزاب وكانت سبب نصرهم قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)[الأحزاب :9]
هذا ولتعلم بأن الإمداد بالملائكة إن حصل للمجاهدين المؤمنين ماهو إلا جزءاً من أجزاء النصر أو فرداً من أفراده ..فمن أجزائه الأخرى إلقاء الرعب في قلوب الأعداء وحسن التدبير واختيار المواقع الهامة وسلوك أقرب الطرق وأخفاها عن العدو وإرسال العيون التي ترصد تحركات العدو و…إلخ
إن التأييدات الإلهية التي حدثت للمؤمنين المجاهدين في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من إنزال الإمداد الملائكي لتثبيت قلوبهم أو تأييدهم بالريح أو بغيرها من جنود الله الذي لا يعلم عددهم إلا الله تعالى
هي أيضاً ـ هذه التأييدات ـ تحدث للمؤمنين المخلصين المجاهدين في أي عصر من العصور كانوا إلى قيام الساعة ، وإن أعظم مظهر ظهرت فيه تلك الحقيقة الإمدادية الملائكية والتأييدات الربانية هم الشعب اليمني وجيشه ولجانه الشعبية
ألا ترون إلى ثبات الشعب اليمني وصموده الاسطوري الذي أبهر العالم رغم الحصار المفروض عليه جواً وبراً وبحراً !!
ألا ترون إلى قوة الإيمان لدى الجيش اليمني ولجانه الشعبية في شجاعتهم وبسالتهم وثباتهم.!!
جيش يحمل سلاح تقليدي فتقوم مجموعة قليلة منه فتدخل إلى عمق الأراضي السعودية مشاة على الأقدام وبعضهم حفاة وليس لديهم أي غطاء جوي يحميهم بينما خصمهم يمتلك أحدث وأضخم ترسانة عسكرية وأسلحة فتَّاكة متطورة ثم ترى هذه المجموعة القليلة من أفراد الجيش اليمني يقتحمون المواقع العسكرية السعودية,… وطائرات ـ الأعداء ـ الأباتشي تضربهم بصواريخها ليل نهار ناهيك عن المدافع السعودية التي لا تتوقف عن ضرب الأماكن التي يتواجد فيها الجنود اليمنيون ، والقذائف تنهال عليهم من كل جانب ، ومع كل هذا تجد هؤلاء القلة القليلة من الجنود اليمنيين يجاوزون كل تلك الضربات الجوية والأرضية ويقتحمون المئات من المواقع العسكرية ويقتلون ويأسرون الجنود السعوديين ناهيك عن الجنود السعوديين الذين يفرون مخلفين وراءهم أسلحتهم وذلك خوفاً وفرقاً من رؤيتهم للجنود اليمنيين وسماعهم للصرخة [الله أكبر ، الموت لأمريكا ،الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام]
ألا تعجبون من قيام الجيش اليمني بتطوير الصواريخ التي ارعبت اسرائيل فلقد صرحت بذلك وأظهرت خوفها بما هنالك!!
والتي قام الجيش اليمني بإطلاق البعض منها فأصابت الأهداف بدقة فقتلت المئات من المرتزقة والمحتلين الأجانب ناهيك عن تدميرها لمئات الآلات العسكرية المتطورة ولا عجب فالله يقول : (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى )[الأنفال : 17]
إن هذه الانتصارات المتلاحقة والتقدمات المتوالية للجيش واللجان الشعبية ، سواء في الجبهات الداخلية أو في الجبهات التي في العمق السعودي كلها كانت في السنوات الأولى من العدوان الغاشم على بلادنا ..
أما الآن – ونحن على وشك إتمام خمس السنوات من العدوان – فقد توسعت الانتصارات في جميع الجبهات ، وأصبح الجيش اليمني ولجانه الشعبية قوة عظمى لايستهان بها ، حيث أصبح يهدد الكيان الصهيوني ، وأصبح هذا الكيان يراه أكبر خطر عليه، وهاهو في كل مرة يضرب حليفته – السعودية -في عمق أراضيها حيث استهدف أهدافاً حيوية فيها ، وأصابت الصواريخ والطائرات المسيرة أهدافها بدقة ، مما جعل الاقتصاد السعودي على جرفٍ هارٍ ، ناهيك عن تطويره لدفاعاته الجوية وطائراته المسيرة ، واستطاع تحييد طائرات العدوان في أكثر من جبهة ومنطقة ، حيث تم إسقاط الكثير من طائرات العدوان بأنواعها (تجسسية، واستطلاعية ، والأباتشي ، وإف 15..) ، وآخرها طائرة حربية من طراز (ترنيدو) وهي أحدث طائرة قتالية ..
أليس كل هذه الانتصارات الواسعة والتطويرات العسكرية المتقدمة دالة على وجود إمدادات إلهية (ملائكية) تثبِّت قلوب الشعب اليمني وجيشه الباسل ولجانه الشعبية ؟! ..
تثبِّت قلوبهم بالثقة بنصر الله ، وبالصبر والثبات ، وتُلهم الجيش ولجانه الشعبية أموراً يقومون بها فتكون من أسباب نصرهم ، فضلاً عن الرعب الذي يقدفه الله في قلوب أعدائهم.
إن من يجلس مع المجاهدين في الجبهات أو يسمع أخبارهم ، فسوف يجد العجب العجاب مما سيخبرونه من التأييدات الإلهية التي وجدوها ، ومن الكرامات الربانية التي شاهدوها والتي زادت من يقينهم وشحذت هممهم وقوت عزائمهم في الاستبسال والتضحية في الدفاع عن وطنهم وشعبهم ..
وما تم عرضه على شاشة قناة المسيرة وغيرها من القنوات اليمنية لايخفى على أحد ، كالمجاهد (جوَّاد) الذي حمل أحد رفقائه الجرحى والرصاص ينهال عليه من كل جانب ،واستطاع أن ينقذ رفيقه الجريح ولم يبالِ بما سوف يصيبه من الموت ، لأنه يعلم أنه على الحق وأن الله معه ، وكالمجاهد الآخر الجريح عيسى علي عبدالله (أبو قاصف) الذي واجه مجاميع من المرتزقة بالحجارة في جبهة _ ناطع _ البيضاء ..
وكم من أمثال هذين المجاهدين ظهرت فيهم آيات إلهية تخرس كل محايد أو صامت أو مؤيد للعدوان..
وكذلك العمليات التي قام بها الجيش واللجان الشعبية والتي كان آخرها ” عملية نصر من الله ” و ” عملية البنيان المرصوص ” أليس هناك تدخلات إلهية وإمدادات ملائكية ربانية للجيش واللجان الشعبية جعلتهم يحققون أعظم انتصارات تاريخية؟!..
هذا ناهيك عن ماقامت به الفِرَق واللجان والاستخبارات الأمنية بالكشف عن العشرات من الخلايا، التي كانت تستهدف زعزعة البلاد وإثارة الفوضى، والتي كان آخرها ” عملية “فأحبط الله أعمالهم ” ..
أليس هذا – أيضاً – دليلاً على أن الله مع هذا الشعب المؤمن المقاوم للطغاة والمستكبرين ، فكلما أرادوا سوءاً لهذا الشعب فضحهم الله ….
قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت : 30]
أي : تتنزل الملائكة على قلوب المؤمنين المجاهدين الصادقين بأن لا يخافوا من أي عدوان سيباغتهم أو متوقع مستقبلاً وقادم عليهم ، ولا يحزنوا عمَّا فاتهم من نصر أو ظفر.. فالملائكة تتولى نصرهم على أعدائهم من خلال تثبيتها لقلوبهم وتأييدها لهم ..ولهذا انكشفت للمؤمنين مخططات الأعداء ومؤامراتهم ، وثبَّت الله قلوبهم ، فازدادوا صموداً وثباتاً وانتصروا على أعدائهم ..
وليس التنزل – في الآية الآنفة – متوقف عند حصول علامات الموت -كما قال المفسرون- بل هو مطلق لم يقيده الله في حالة الاحتضار ..
إن الملائكة لا تنزل إلا لتثبيت المؤمنين المجاهدين أو لعذاب بعض الأمم المكذبة لأنبيائها كما حصل لقوم هود وصالح ولوط وغيرهم
أما نزولها ومشاركتها في القتال مع المؤمنين في معاركهم مع أعداء الله فليس بصحيح حتى في المعارك التي خاضها النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والمؤمنون مع المشركين واليهود لم تشارك الملائكة بالقتال معهم بل ثبتت قلوبهم كما ثبتت قلوب الشعب اليمني وجيشه ولجانه الشعبية في هذه الحرب الكونية التي تكالب العالم كله والكفر كله ضد الشعب اليمني مادة الإيمان كله… ولو سلمنا ـ جدلاً ـ أنها قاتلت مع المؤمنين في زمن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فما هو المانع من أن تقاتل مع الجيش اليمني ولجانه الشعبية؟! ولو حدث هذا لتواتر ذلك وما جهله أحد من الناس لكن هذا لم يحدث لافي زمن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولا قبله ولا في الأزمنة التي بعده …
نعم نزل إمداد الملائكة يوم بدر كما قال تعالى :(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ)[ الأنفال : 9]
ثم بين تعالى ـ عقب هذه الآية مباشرة ـ الغرض من إمداد الملائكة بقوله :(وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ..)[ الأنفال : 10]
فأتى بأداة الحصر ليدل على أن إمداد الملائكة لهم إنما لغرض البشرى واطمئنان قلوبهم وليس ليهلك بأيديهم الكفار ، ثم بين تعالى عمل الملائكة صراحة ـ وهذا تتمة للبشرى ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ..)[ الأنفال :12]
ثم رجع إلى خطاب المؤمنين بنفس الآية(..سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)[ الأنفال : 12]
فالخطاب في السياق كله موجه إلى المؤمنين وإنما ذكر فيها وحيه تعالى للملائكة بما ذكر عرضاً
إذاً نزول الملائكة للمؤمنين يوم بدر إنما هو قوة معنوية كتسكين قلوبهم من الخوف حتى يقاتلوا أعداءهم وهم ثابتون ، وكبشرى لهم بنصر الله وكتكثير سوادهم عند اختلاطهم مع أعدائهم.
وكذلك في معركة أحد فقد أخبرهم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بإمداد الله لهم بالملائكة قال تعالى :(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ ، بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ)[ آل عمران : 124-125]
فلاحظ كيف أخبرهم بإمداد الملائكة ووعدهم به لكن ؟الوعد بالإمداد معلقاً على ثلاثة أمور وهي : الصبر والتقوى وإتيان الأعداء من فورهم
فلمّا لم تتحقق هذه الشروط لم يحصل الإمداد [انتفى الشرط فأنتفى المشروط] ولو حصل لهم الإمداد في أحد لما انهزموا ولما نيل منهم ما نيل لكن القول أفاد البشارة والطمأنينة ـ في حال حصول الإمداد والتزامهم بالشروط ـ قال تعالى ـ عقب الآية الآنفة ـ (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ..)[ آل عمران : 126].
مما سبق ذكره تعلم بأن الملائكة تنزل لتثبيت القلوب وليس للمشاركة بالقتال وإليك الأدلة ـ إضافة لما سبق
أولا: لو كانت الملائكة قاتلت مع المؤمنين في معركة بدر فلماذا ذكَّرهم الله تعالى في سورة الأنفال ـ التي نزلت بعد المعركة ـ بمننه التي كان لها شأن عظيم في انتصارهم على المشركين قال تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)[ الأنفال :11]
فإذا كانت الملائكة قاتلت في بدر ـ كما زعم الكثير من المفسرين ـ فلا حاجة لأن يغشيهم النعاس الذي أزال عنهم الخوف ولا حاجة لهم لأن ينزل عليهم المطر الذي لبَّد لهم الأرض فقد كانت رملاً تسيخ فيها الأقدام ، ولا حاجة لأن يربط على قلوبهم ويزيل عنها الوساوس و…الخ
إذاً هذه الأمور وهذه التسهيلات الحسِّيَّة التي مَنَّ الله بها على المؤمنين ما حدثت إلا لأن المؤمنين قاتلوا دون أن تشاركهم الملائكة بالقتال.
ثانياً: لو قاتلت الملائكة مع المؤمنين في بدر أو في غيرها لما حصلت أية مزية للمؤمنين المجاهدين ولما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في أهل بدر ـ إن صحت الرواية ـ ” وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم” رواه البخاري ومسلم وغيرهما
ثم أي حاجة لقتال الملائكة ـ بهذا العدد المذكور في الآية ـ والملك الواحد قادر على إهلاك المشركين بلمحة البصر, والتأريخ شاهد بما فعل جبريل بمدائن قوم لوط .
ثالثاً: لو قاتلتْ الملائكة مع المؤمنين في بدر لكانوا أجساماً كثيفة ظاهرة أو كانوا أرواحاً خفية فإن كانوا أجساماً كثيفة ظاهرة بحيث يراهم الناس لتواتر ذلك ولم يخفَ على أحد وهذا مالم يحدث.
وإن كانوا أرواحاً خفية بحيث لا يراهم أحد من الناس يقتلون المشركين ويحزُّون رؤوسهم لذكرت لنا روايات التأريخ والسيّر أسماء المشركين الذين قتلهم الملائكة وحزُّوا رؤوسهم وهذا ـ أيضاً ـ مالم يحدث
بل إن كتب السيرة ذكرت لنا سبعين صنديداً من قتلى المشركين الذين قتلهم المؤمنون وذكرت لنا أسماء القاتلين لهم ، وأما الروايات التي ذكرت بأن الملائكة قاتلت والتي اعتمد عليها بعض المفسرين فكلها باطلة لم يصح أي سند منها بل ولم يرفع منها إلا حديث مرسل عن ابن عباس بغير سند ومعلوم بأن ابن عباس لم يحضر معركة بدر لأنه كان صغيراً أضف إلى ذلك بأن شيخ المفسرين ابن جرير الطبري لم يرها ـ أي هذه الروايات ـ حرية بأن تنقل وحتى ابن كثير لم يذكر منها إلا قول الربيع بن أنس كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوا بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به ….
ودعوى الربيع هذه باطلة ليس لها أساس من الصحة بل مخالفة للعقل والنقل ومخالفة لصريح القرآن القائل 🙁 وما جعله الله ـ أي إمداد الملائكة ـ إلا بشرى..)
رابعاً: ليس في القرآن نص ناطق بأن الملائكة قاتلت مع المؤمنين في بدر أو في غيرها بل العكس من ذلك فالقرآن يقول (وما جعله الله ـ أي الإمداد الملائكي ـ إلا بشرى ولتطمئن قلوبكم به…)
وهم يقولون وما جعل الله المدد الملائكي إلا للقتال معكم ….وهنا نقول لهم أخبرونا عن عدد من قتل الملائكة من السبعين؟!
وعدد من قتل أهل بدر غير من سموا وقال قتلهم فلان وفلان؟
هذا والذي جعلهم يقولون بقتال الملائكة يوم بدر هو التقليد الأعمى للروايات دون فحصها وعرضها على كتاب الله الكريم وعلى العقل السليم ، وقد سبق أن ذكرنا بأن أسانيدها باطلة…الخ
والذين وضعوا مثل هذه الروايات هم المصابون بداء النصب الذي استشرى في قلوبهم وإليك بيان ذلك:
اتفق المؤرخون وأصحاب السيِّر بأن عدد القتلى من المشركين يوم بدر سبعون ، باستثناء الواقدي وابن هشام وغيرهما. فقد عدَّ الواقدي في مغازيه[152/1] قتلى المشركين في وقعة بدر اثنين وخمسين قتيلاً ونسب قتل أربعة وعشرين منهم إلى الإمام علي ـ عليه السلام ـ ممن انفرد بقتله أو شارك غيره …انظر شرح النهج لابن أبي الحديد[425/4] وذكر ابن هشام في سيرته [365/2] خمسين قتيلاً أشترك الإمام علي ـ عليه السلام ـ في قتل واحد وعشرن رجلاً
وهنا نقول: لما ضاقت قلوب النواصب من هذه المنقبة العظيمة والفضيلة الفخيمة له ـ عليه السلام ـ عمدوا إلى اختراع روايات كاذبة وحكايات زائفة تنص بأن الملائكة قاتلوا في بدر وقتلوا المشركين … الخ
وذلك لغرض أن يزيلوا هذه المنقبة عن الإمام علي ـ عليه السلام ـ في أنه قتل ثلث المقتولين من المشركين أو النصف والثلثين الباقيين أو النصف سائر المؤمنين المجاهدين..
ثم جاء بعض المفسرين وغيرهم فأخذوها – وهنا نعذرهم لأخدهم لها عن حسن نية – وجعلوها تفسيراً لآية (12)من سورة الأنفال دون تمحيص لها….
هذا ولا منقبة للإمام علي ـ عليه السلام ـ إلا وترى النواصب قد عمدوا إلى وضع روايات تناقضها….
وهذه اللطيفة الهامة التي ذكرتها -عن واضعي هذه الروايات المكذوبة وسبب وضعهم لها – لا أظن احداً سبقني إليها والله اعلم ….
أجارنا الله وإياكم من هذا الداء وجعلنا من المحبين والمقتدين بسيد الأنبياء وآله الأوفياء صلوات الله عليهم أجمعين … ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.