إسلام همدان: بعض أسرار الاستبشار الكبير للنبي، وتفاعله الزائد مع نبأ إسلام همدان..

 

عبدالرحمن الشرفي

في ثنايا التاريخ الإسلامي، وتاريخ الرسالة المحمدية.. واقعة تستدعي الانتباه.. وهي سجود النبي شكرا عندما بُشِّر بإسلام “قبيلة همدان” .. وقوله ثلاثا :السلام على همدان.. وهذا ما لم يكن من النبي لإسلام أي قبيلة بلغه إسلامها.. رغم كثرة القبائل التي أسلمت في عهده، وبلغه إسلامها، ووفدت إليه وفود من قبلها.. من تلك القبائل ثقيف، هوازن، غطفان، تميم، عبس، فزارة، مرة، ثعلبة، محارب، بني سعد بن بكر، كلاب، رؤاس، عقيل، جعدة، قشير، بني البكاء، كنانة، عبد بن عدي، باهلة، أشجع، سليم، هلال بن عامر، عبد القيس، عامر بن صعصعة، بكر بن وائل، تغلب، حنيفة، طيئ، تجيب، خولان، جعفي، مراد، زبيد، كندة، الصدف، خشين، سعد هذيم، بلي، بهراء، عذرة، سلامان، جهينة، مزينة، كلب، جرم، بني أسد، غسان، بني الحارث بن كعب، سعد العشيرة، عنس، الداريين الرهاويين حي من مذحج، غامد، النخع، بجيلة، خثعم، حضرموت، أزد عمان، غافق، بارق، دوس، ثمالة، الحدان، أسلم، جذام، مهرة، حمير، نجران، جيشان.. وغيرها من القبائل.. والتي قد انمحى أسماء معظمها، ويبقى اسم “همدان” بفروعه وإلى اليوم ..
فما هو السر وما هي الرسالة التي أراد النبي أن يوصلها للمسلمين من خلال فعله ذلك، وتفاعله الخاص مع نبأ إسلام “همدان” خصوصا ؟؟
وما الذي يراه النبي من المستقبل الغيبي المميز لهمدان، والذي أخبره به الوحي؟؟
رغم أنه لم يكن لهمدان في عصر النبي دور يذكر في النصرة، ما يذكر لهم في عهد النبي :هو استجابتهم لدعوته لهم إلى الإسلام على يدي علي عليه السلام دون غيره من الدعاة.. حيث مكث خالد بن الوليد فيهم يدعوهم إلى الإسلام مدة ستة أشهر فلم يستجيبوا له.. فلما وصل إليهم علي وفي أول يوم وصوله.. وبعد أن قرأ عليهم كتاب رسول الله إليهم أسلمت “همدان” بأجمعها في ذلك اليوم..
ويذكر لهم في أواخر عهد النبي أنه لما ظهر الأسود العنسي الكذاب المدعي للنبوة كذبا.. حصلت ردة معظم القبائل اليمنية واتبعت الأسود العنسي.. وثبتت “همدان” على الإسلام ولم تتبعه..
ثم إذا ما وقفنا على تاريخ “همدان” ، وتتبعنا أحداثها التاريخية.. إضافة إلى ما سبق.. لنقف على السر من تصرف النبي، وتفاعله الخاص مع نبأ إسلامهم نجد ما يلي :
بعد وفاة النبي( ص ) :
أولا: وقعت ردة جميع القبائل العربية، واليمنية.. ولم يثبت على الإسلام سوى المهاجرين والأنصار، ولم يثبت من بقية القبائل العربية أو اليمنية سوى همدان..
ثانيا: لما جرت الحروب بين الإمام علي عليه السلام وبين الناكثين والقاسطين والمارقين.. كانت همدان قاطبة في صف الإمام علي عليه السلام.. فكانت همدان تبلي البلاء العظيم بين يدي الإمام علي( ع ).. وكانت على قدر عال من الثبات في المواجهة والاستبسال والصمود ..
فعندها أنشأ الإمام علي عليه السلام قصيدته المشهورة.. قصيدة كاملة في همدان قلَّدهم بها وساما إلى يوم القيامة، قال فيها :
ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖ اﻟﺨﻴﻞ ﺗﻘﺮﻉ ﺑﺎﻟﻘﻨﻰ
ﻓﻮاﺭﺳﻬﺎ ﺣﻤﺮ اﻟﻨﺤﻮﺭ ﺩﻭاﻣﻲ
ﻭﻧﺎﺩﻯ اﺑﻦ ﻫﻨﺪ ﻓﻲ اﻟﻜﻼﻉ ﻭﻳﺤﺼﺐ
ﻭﻛﻨﺪﺓ ﻓﻲ ﻟﺨﻢ ﻭﺣﻲ ﺟﺬاﻡ
ﺗﻴﻤﻤﺖ ﻫﻤﺪاﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻫﻢ
ﺇﺫا ﻧﺎﺏ ﺃﻣﺮ ﺟﻨﺘﻲ ﻭﺳﻬﺎﻣﻲ
ﻓﻨﺎﺩﻳﺖ ﻓﻴﻬﻢ ﺩﻋﻮﺓ ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ
ﻓﻮاﺭﺱ ﻣﻦ ﻫﻤﺪاﻥ ﻏﻴﺮ ﻟﺌﺎﻡ
ﻓﻮاﺭﺱ ﻟﻴﺴﻮا ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻭﺏ ﺑﻌﺰﻝ
ﻏﺪاﺓ اﻟﻮﻏﻰ ﻣﻦ ﺷﺎﻛﺮ ﻭﺷﺒﺎﻡ
ﻭﻣﻦ ﺃﺭﺣﺐ اﻟﺸﻢ اﻟﻤﻄﺎﻋﻴﻦ ﺑﺎﻟﻘﻨﻰ
ﻭدﻫﻢ ﻭﺃﺣﻴﺎء اﻟﺴﺒﻴﻊ ﻭﻳﺎﻡ
ﻭﻭاﺩﻋﺔ اﻷﺑﻄﺎﻝ ﻳﺨﺸﻰ ﻣﺼﺎﻟﻬﺎ
ﺑﻜﻞ ﺻﻘﻴﻞ ﻓﻲ اﻷﻛﻒ ﺣﺴﺎﻡ
ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﻲ ﻗﺪ ﺃﺗﺘﻨﻲ ﻓﻮاﺭﺱ
ﻛﺮاﻡ ﻟﺪﻯ اﻟﻬﻴﺠﺎء ﺃﻱ ﻛﺮاﻡ
ﻳﻘﻮﺩﻫﻢ ﺣﺎﻣﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎﺟﺪ
ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻭاﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﺤﺎﻣﻲ
ﺑﻜﻞ ﺭﺩﻳﻨﻲ ﻭﻋﻀﺐ ﺗﺨﺎﻟﻪ
ﺇﺫا اﺧﺘﻠﻒ اﻷﻗﻮاﻡ ﺳﻴﻞ ﻋﺮاﻡ
ﻓﺨﺎﺿﻮا ﻟﻈﺎﻫﺎ ﻭاﺻﻄﻠﻮا ﺣﺮ ﻧﺎﺭﻫﺎ
ﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻬﻴﺞ ﺷﺮﺏ ﻣﺪاﻡ
ﺟﺰﻯ اﻟﻠﻪ ﻫﻤﺪاﻥ اﻟﺠﻨﺎﻥ ﻓﺈﻧﻬﻢ
ﺳﻤﺎﻡ اﻟﻌﺪا ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺳﻤﺎﻡ
ﻟﻬﻢ ﺗﻌﺮﻑ اﻟﺮاﻳﺎﺕ ﻋﻨﺪ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ
ﻭﻫﻢ ﺑﺪأوا ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻛﻞ ﻟﺤﺎﻡ
ﺭﺟﺎﻝ ﻳﺤﺒﻮﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﻭﺭﻫﻄﻪ
ﻟﻬﻢ ﺳﺎﻟﻒ ﻓﻲ اﻟﺪﻫﺮ ﻏﻴﺮ ﺃﻳﺎﻡ
ﻫﻢ ﻧﺼﺮﻭﻧﺎ ﻭاﻟﺴﻴﻮﻑ ﻛﺄﻧﻬﺎ
ﺣﺮﻳﻖ ﺗﻠﻈﻰ ﻓﻲ ﻫﺸﻴﻢ ﺛﻤﺎﻡ
ﻟﻬﻤﺪاﻥ ﺃﺧﻼﻕ ﻭﺩﻳﻦ ﻳﺰﻳﻨﻬﺎ
ﻭﺑﺄﺱ ﺇﺫا ﻟﻮﻗﻮا وجد ﺧﺼﺎﻡ
ﻭﺟﺪ ﻭﺻﺪﻕ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﻧﺠﺪﺓ
ﻭﻋﻠﻢ ﺇﺫا ﻗﺎﻟﻮا ﻭﻃﻴﺐ ﻛﻼﻡ
ﻓﻠﻮ ﻛﻨﺖ ﺑﻮاﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺏ ﺟﻨﺔ
ﻟﻘﻠﺖ ﻟﻬﻤﺪاﻥ اﺩﺧﻠﻮا ﺑﺴﻼﻡ..
ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ: ((ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻫﻤﺪاﻥ ﺃﻧﺘﻢ ﺩﺭﻋﻲ ﻭﺭﻣﺤﻲ،ﻭﻣﺎ ﻧﺼﺮﺗﻢ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﻣﺎ ﺃﺟﺒﺘﻢ ﻏﻴﺮﻩ))،ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ، ﻭﺯﻳﺎﺩ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ اﻷﺭﺣﺒﻲ:(ﺃﺟﺒﻨﺎ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﺃﺟﺒﻨﺎﻙ،ﻭﻧﺼﺮﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﺛﻢ ﺇﻳﺎﻙ،ﻭﻗﺎﺗﻠﻨﺎ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﺜﻠﻚ، ﻓﺎﺭﻡ ﺑﻨﺎ ﺣﻴﺚ ﺷﺌﺖ)، ﻓﻘﺎﻡ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ اﻟﻌﺒﺪﻱ،ﻭﻫﻮ ﻓﺎﺭﺱ اﻟﻘﻮﻡ، ﻓﻘﺎﻝ:ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺇﺫا ﺭﻣﺖ ﺑﻬﻤﺪاﻥ ﺃﻣﺮا ﻓﺎﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ، ﻓﺈﻧﺎ ﻳﺪاﻙ ﻭﺟﻨﺎﺣﻚ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ:(ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﻴﺲ ﺳﻴﻔﻲ ﻭﻗﻮﺳﻲ)، ﻓﺮﺟﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺒﺪﻱ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻣﻪ.
ثالثا: في جميع القرون السابقة وإلى عصرنا الحاضر.. والأعم الأغلب من همدان ثابتون على نهج آل محمد لا يميلون عنه.. وفي كل تلك القرون والعصور وهم انصار أئمة أهل البيت عليهم السلام.. منذ أن ناصروا الإمام الهادي عليه السلام.. واستمر شأنهم ذلك على امتداد السنين.. وبذلك كان الفقه فيهم، وكان الإيمان، والحكمة فيهم.. كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حيث قال 🙁 أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية)..
فكانت تلك بعض أسرار الاستبشار النبوي الكبير، والتفاعل الزائد مع نبأ إسلام همدان..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين..

قد يعجبك ايضا