شكَّل الردع عمقاً استراتيجياً في إيصال رسائل كبيرة إلى العدو السعودي
استمرار السعودية والإمارات في أية مغامرات قادمة سيكلَّفهما الكثير من الأعباء
الضربات الموجعة قد تقصم ظهر الاقتصاد السعودي، وتسهم في تغيرات جذرية في مستقبل المملكة
شنت القوات اليمنية هجمات مكثفة بالصواريخ والطائرات المسيرة على أهداف في جنوب المملكة من بينها منشأة لشركة أرامكو في جيزان، ومطارات أبها وجيزان وقاعدة خميس مشيط العسكرية، بالتزامن مع عملية “البنيان المرصوص” في نهم ومارب والجوف، بحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي للعميد يحيى سريع، المتحدث باسم القوات المسلحة، الذي قدم صورا وفيديوهات تؤكد ذلك. تلك الهجمات كما قال العميد سريع “جاءت ردا على التصعيد الجوي للعدوان السعودي خلال المعارك الأخيرة في شرق وشمال صنعاء”، ويبدو أن هذا التكتيك العسكري، أي الرد على الهجمات السعودية بقصف أهداف ومنشآت في عمق المملكة بدأ يعطي ثماره ميدانيا وسياسيا ومعنويا، بما لا يدع مجالا للشك في تأثيره على مجريات المعارك القادمة.
تقرير / رانيا القدسي
الخبير العسكري العميد عزيز راشد، يقول في حديث لـ “الثورة”: إن “استهداف العمق السعودي أثناء العملية العكسية ضد مواقع الاحتلال والارتزاق في مديرية نهم والجوف ومارب يشكل عمقاً استراتيجياً في إيصال رسائل عسكرية من العيار الثقيل إلى العدو السعودي، منها أن قواتنا قادرة على الوصول إلى عمق المملكة وإيذاء العدوان ولي ذراعه، كما تستطيع اصطياد أماكن حساسة ومهمة للجيش السعودي واقتصاد المملكة”.
ويشير العقيد راشد إلى أن “القوات اليمنية تستطيع ضرب كافة المواقع الاستراتيجية التي يمتلكها العدو”، مضيفا: “أنتم تضربون في عمق اليمن ونحن نستهدفكم في العمق السعودي هذا ما جعل السعودية في تخبط كبير، وخسر مرتزقتها على أرض المعركة جيشاً بالكامل، بلغ تعداده 17 لواء و22 كتيبة”.
الرعب والقوة
من جانبه يقول عضو مجلس الشورى، الدكتور أحمد النهمي: إن “القوة الصاروخية إلى جانب سلاح الجو المسير استطاعا تحقيق ما يعرف في العلوم العسكرية بتوازن الرعب والقوة، وهو ما جعل العدوان السعودي الإماراتي الغاشم يعيد حساباته بعد أن أصبحت كثيرا من مواقعه الاستراتيجية على المستويين العسكري والاقتصادي في متناول القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير”.
بينما، يرى المحلل السياسي، أحمد داوود، أن “القوات المسلحة تمكنت من فرض عملية توازن الردع مع تحالف العدوان بقيادة السعودية منذ الرابع عشر من سبتمبر الماضي، حين قصف سلاح الجو المسير المنشآت النفطية في بقيق وخريص شرقي السعودي وأدى القصف إلى توقف نصف إنتاج السعودية من النفط”.
ويضيف قائلاً: “بعد هذه العملية، أدركت السعودية حجم ردة الفعل القادمة من اليمن، لكنها لم تتلقف مبادرة صنعاء للسلام، ولم تعلن عن وقف العمليات العسكرية في اليمن، وظلت تساند قوى المرتزقة في عدة جبهات داخل اليمن”.
تغيّر المعادلة
وبالمقارنة بين ما قبل العمليات الأخيرة يقول داوود، إن “مرتزقة العدوان كانوا يستفيدون كثيراً من مساندة الطيران العدواني لديهم في عدة جبهات، وكان الطيران بالفعل يشكل عائقاً أمام أي تقدم لأبطال الجيش واللجان الشعبية في تلك المواجهات، لكن موازين القوى الآن تغيرت وتغيرت مع ذلك المعادلة”.
ويضيف :”لقد امتلكت القوات المسلحة منظومات دفاعية متطورة مثل منظومة فاطر وثاقب، واستطاع الدفاع الجوي اليمني تحييد الطيران الاستطلاعي في عدة جبهات قتالية وكذلك تحييد الطيران الأباتشي، كما تمكن الدفاع الجوي من الوصول إلى مسافات قريبة جداً من طيران الإف 15 والإف 16، وأجبرها على التراجع أكثر من مرة”.
محصلة كبرى
بالعودة إلى بيان القوات المسلحة بشأن العملية، فإن البنيان المرصوص انتهت بتحرير مديرية نهم بالكامل وصولاً إلى غرب مدينة مأرب بمساحة إجمالية تقدر بـ 2500 كيلومتر مربع، تلقى خلالها العدو ضربة قاصمة أودت بحياة ما يزيد عن 1500 وجرح خلالها أكثر من 1800 فيما بلغ عدد الأسرى بالمئات.
كما اغتنم الجيش واللجان عتاد الألوية المهزومة بالكامل، وهي عملية عُدّت بالكبرى من حيث حجم الانتصار وزمنية الحسم، منذ بدء العدوان؛ إذ لم تستغرق سوى ستة أيام فقط، وهو ما يؤكد فاعلية مشاركة سلاح الجو والدفاعات الجوية والقوة الصاروخية في المعركة.
زمام الجو
يقول العميد عزيز راشد: إن “العدو لم يستطع أن يشن غاراته كما كان في السابق، حيث كانت تصل أعداد غاراته إلى 350 غارة جوية في اليوم، في أي زحف للمرتزقة سواءً في الجنوب أو في الساحل أو في المناطق الشرقية كما حدث، لكن هذه المرة لم تزد العمليات والطلعات والغارات الجوية، على مستوى اليوم الواحد، عن عشر غارات”.
ويعزو راشد سبب ذلك إلى “وجود سلاح استراتيجي مثل فاطر1، الذي كان يجبر الطائرات على مغادرة أجواء المعركة” كما أن الدفاعات الجوية اليمنية جعلت طياري دول العدوان يحلقون على مسافات بعيدة جداً، وهو أمر يجعل معنوياتهم منهارة؛ لأنهم غير قادرين على تحديد مكان الاشتباك المباشر، إذ يفقدهم ذلك السيطرة على الموقع”.
مضيفاً :” أيضاً التهديد من قبل الجيش والجان الشعبية، بالمزيد من استهداف العمق السعودي والإماراتي قلل من الغارات نتيجة هذا الرعب الذي تركته معادلة توازن الرعب العسكرية وتغيّر موازين القوى.
تنامي قدرات
ينظر عضو مجلس الشورى الدكتور أحمد النهمي إلى عملية البنيان المرصوص على أنها “واحدة من المعجزات التي اجترحها الجيش اليمني محققاً نصرًا عسكرياً وأخلاقياً مؤزراً”، بينما يؤكد له “الرد الصاروخي اليمني المتزامن مع العملية، تنامي القدرات العسكرية وجاهزيتها العالية للرد على غارات السعودية الإجرامية وضربها في أهم منشآتها الحيوية العسكرية والاقتصادية”، مستذكرا قول الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي “لا عدل إلا إن تعادلت القوى”.
وبالنسبة للمحلل السياسي أحمد داوود، فإن التهديدات التي أطلقها العميد يحيى سريع تحمل رسالتين، تدلل إحداهما على “أنها ليست عبثية، خاصة أنها تلت التهديدات التي أطلقها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وهذا يعني أن استمرار السعودية والإمارات في أية مغامرات قادمة سيكلفها الكثير من الأعباء التي قد تصل إلى قصف المنشآت النفطية بكثافة تصيب الاقتصاد السعودي في مقتل، ولعل إشارة العميد سريع للصواريخ الباليستية والمجنحة، رسالة واضحة للعدو السعودي بأن اليمن بات يمتلك هذا النوع من الأسلحة التي تثير الذعُر في قلوب الأعداء”.
ويضيف: بينما تؤكد الرسالة الثانية”تكامل الوحدات العسكرية اليمنية في ميدان المواجهة، ففي الوقت الذي يتم فيه إشعال الجبهات الداخلية والسيطرة على مناطق جغرافية واسعة، يتم التعامل أيضاً مع أي خطر سعودي، وهذا يعني أن القيادة العسكرية اليمنية لا تخطو خطوة من دون دراسة كل جوانبها”.
من الذاكرة
خلال العام 2019م، استهدفت القوة الصاروخية للقوات المسلحة العمق السعودي منفذة ضربات استراتيجية كان لها أثرها العسكري والاقتصادي على المملكة، حيث استهدفت حقلي الشيبة النفطي ومحطتي عفيف والدوادمي وسط المملكة، إلى جانب استهداف حقل بقيق ومنشأة أرامكو الذي أصاب الاقتصاد السعودي بالشلل النصفي، وأدى إلى انخفاض إنتاج شركة أرامكو بنسبة 52 %، بينما طال الاستهداف العسكري قاعدة خميس مشيط، ومطارات أبها وجيزان ونجران وتعطيلها لفترات متقطعة، بالإضافة إلى استهداف مواقع حساسة في الدمام لم يفصح عنها الجانبان.
ذلك الاستهداف، إلى جانب كونه تغيّرا في موازين القوى بين اليمن ودول العدوان، فقد أدى إلى تكبيد المملكة خسائر اقتصادية وعسكرية فادحة مع تضرر السوق السعودي والمستفيدين من تدفق النفط ومشتقاته، يرى العميد راشد أنها “أرعبت المملكة ودفعتها إلى مراجعة حساباتها، خاصة مع فشل السير في تطبيق الرؤية الاقتصادية التي أطلقها محمد بن سلمان 2030م، وتضرر اقتصاد البتر ودولار الأمريكي”، ولعل ما يزيد قلق ورعب السعودية من ذلك هو “عجز الدفاعات الجوية الأمريكية والفرنسية معاً في التصدي للصواريخ اليمنية” كما يقول.
بشائر وشيكة
لكن تلك الهجمات وحجم الرد لم يدفع المملكة بعد إلى التوقف عن عدوانها، بل تستمر في المكابرة الغطرسة وتستمر اعتداءاتها بحق المدنيين، كما حصل مؤخراً في محافظة الجوف ومدينة الدريهمي في الحديدة.
في ذات السياق يقول الدكتور أحمد النهمي: “إذا استمرت السعودية في عربدتها وإجرامها في اليمن فإنها ستتلقى ضربات موجعة جدا، قد تقصم ظهر الاقتصاد السعودي، وتسهم في تحولات مفصلية وتغيرات جذرية في مستقبل المملكة السياسي”، في إشارة إلى خسارة المملكة وانهيار حكم آل سعود وانتصار اليمن، وهو ما تحدث عنه العميد سريع بقوله إن “القوات المسلحة تعمل باستمرار من أجل تحرير كافة أراضي الجمهورية اليمنية حتى تحقيق الاستقلال”.
أما المحلل السياسي أحمد داوود فيرى أن “بشائر النصر باتت تلوح في الأفق، وأن العمليات العسكرية السعودية على وشك التوقف، وأن تحرير مارب قادم لا محالة، وبالسيطرة على أهم المواقع الاستراتيجية لقوى العدوان في شمال اليمن، فإن دول تحالف العدوان ستجد نفسها مجبرة على الاعتراف بالمجلس السياسي الأعلى وإيقاف العدوان”.