تنمية عوائد الثروة المعدنية
أحمد ماجد الجمال
منذ الأزمان الماضية وحتى الوقت الحاضر نجد أن الاقتصاد لا يستقر على حال بسبب ما تثيره المعادن سواء النادرة أو غيرها من أهمية نسبية، فهو يعتمد في تفسيره للثروة على حجم ما تمتلكه الشعوب من موارد طبيعية منها الموارد المعدنية وهي ما تحتويه القشرة الأرضية من معادن على اختلاف أنواعها وأشكالها كمادة صلبة متجانسة طبيعية وأغلبها توجد بصورة غير نقية, ويعتمد عليها الإنسان كثيرا في مختلف مجالات الحياة.
القرن الواحد والعشرون هو القرن الذي تتجه إليه الأنظار للصناعات الاستخراجية كأداة للتنمية المستدامة لتوفير المواد الخام الضرورية للصناعة والتشييد والبناء والزراعة وغيرها، ويشمل استخراج المعادن مجموعة متنوعة وواسعة الانتشار من الأنشطة على مستوى العالم، والتوجه إلى عمليات التعدين الصناعية الكبيرة جدا وشديدة الاعتماد على الآلات والمعدات بات أمراً حتمياً .
بحسب الأبحاث العلمية يشكل اليمن جيولوجيا تنوعاَ كبيراً في صخوره، كما أن الظروف الجيولوجية تتوافق مع النماذج المثالية المسجلة إقليميا ودوليا من تنوع صخري يشمل الكثير من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة المنتشرة في أرجاء البلاد كلها.
تحتاج إدارة الثروة المعدنية إلى بنية تحتية تشريعية من قوانين وأنظمة ولوائح وسياسات وإجراءات وتطبيقها بمهنية ووضوح, والى أجهزة ومعدات لتنقيتها وتشكيلها ووسائل لنقلها إلى مناطق تصنيعها وهذه الوسائل أيضا تحتاج لمعادن .
تخضع المناجم والمحاجر لإشراف وزارة النفط والمعادن (هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية ) المعنية بإصدار تراخيص المحاجر التي تنتج (الرمل, الكري, الرخام, الجرانيت, الحجر الجيري, الجبس, البازلت, الملح, الكوارتز, الزيولايت……الخ). والمناجم يستخرج منها العشرات من المعادن مثل الذهب, الحديد, الفوسفات, الفحم, النحاس, الكروميت وغيرها، وهي مواد تدخل في مئات الصناعات الثقيلة والخفيفة والمواد الكيمائية والأسمدة ومواد البناء وتعتمد عليها بشكل كبير، والتوسع في تصنيع واستخلاص هذه المواد يقلل من استيراد المستخرجات التي تدخل في تلك الصناعات .
يعتبر القانون رقم (22) لسنة 2010م ولائحته التنفيذية وتعديلاتهما بشأن المناجم والمحاجر المرجع الرئيسي للاستثمار ومنح تراخيص الاستكشاف والاستغلال والإنتاج بعد استيفاء الشروط الفنية والمالية والنظامية المحددة تحت إشراف الجهة المختصة على عمليات استخراج المعدن الخام وهو مؤشر إيجابي ومهم.
على الرغم من ذلك وأهمية هذا القطاع وحيويته في عملية التنمية إلا أنه ظل مغمورا ولم يستغل الاستغلال الأمثل في دعم الاقتصاد واقتصرت مساهمته في عدد من الصناعات الإنشائية، وهذا شكَّل عائقاً كبيراً وأدى إلى ضعف عوائده المتنوعة كون خامات المناجم والمحاجر موجودة ومتوفرة بكميات اقتصادية وتعتبر من مصادر التمويل المستدامة التي لا تنضب كثروة وطنية تنتقل من جيل إلى آخر ولها دور كبير في زيادة عمليات التنمية الصناعية والعمرانية والغذائية والزراعية والتصدير ، إضافة إلى أن هذا القطاع يعد من أهم مصادر الدخل المحلي لتعدد الأوعية الايرادية له.
غالباً المعوقات ترجع إلى الظروف الطبيعية وأخرى ترجع إلى مستوى إدارة هذا القطاع الاستراتيجي ومعوقات أخرى تعود لنواح تنظيمية وتخطيطية وتعدد الجهات العاملة في النشاط التعديني ما يكرر الأنشطة البحثية والإجرائية، وتعارض واختلاف البيانات الصادرة عنها, كما أن الوقوف أمام المعلومات والمعوقات وطرق التغلب عليها دون فعل شيئ لمعالجتها سيؤدي إلى أن تكون النتيجة الحتمية هي الاستمرار في الحلقة المفرغة لمشاريع التعدين .
من الأفضل أن تسبق كلمة التخطيط كلمة الاقتصاد لأن التخطيط يرسم الاتجاه العام ويحدد الأهداف بنسب يسهل الوصول إليها ويمهّد الطريق ، وبالتالي فمن أجمل الأجزاء في التخطيط هو التنفيذ ومؤشرات الأداء وأدوات قياس الانجاز وفريق محترف لمراقبة النمو, لذلك هناك محددات عديدة لاتخاذ القرارات الفاعلة والواقعية التي تعزز الإنتاجية وتعظم عوائدها المالية, سواء كانت في فترات مختلفة أوفي ظل نظم وإجراءات مختلفة.
ومن المهم أن يسبق التخطيط والتنظيم عملية اتخاذ القرارات كي تكون متوازنة وإدارتها بأفضل الطرق لتعطي وزناً اكبر للأدلة، فلا توجد عملية واحدة دائما أكثر عقلانية من الأخرى وإنما يعتمد ذلك على الأسئلة التي يتعين على صانعي القرارات الإجابة عليها في ظروف وسياق العصر أو الفترة أو الحالة لاتخاذ أفضل القرارات الممكنة والرشيدة في إطار زمني محدد وتتسق مع التوقعات العامة, كخلق منافسة ايجابية يتيح فيها طرف مكاناً للطرف الآخرة ويتجلى ذلك فيما تتبناه الجهات الرسمية ذات العلاقة من سياسات استثمارية وتنظيمية وإدارية في إشرافها المباشر, وفي كيفية مراقبتها للسوق لأن دور الدولة يتغير مع مرور الوقت، فمن المفيد أن نتساءل بشكل دوري عمّا إذا كان الدور مختلاً لاتخاذ ما يلزم من تعديلات أولاً فأول.
المشكلة تكمن في ثلاثة محاور: الأول يتعلق بعدد تراخيص المناجم والمحاجر، بينما العدد على أرض الواقع أكبر، الثاني يتعلق بأسعار الرسوم والإتاوات التي لا تتوافق مع المتغيرات السعرية والتراكمات والمديونيات المالية لدى المستثمرين وعوامل التضخم، والثالث بما أن تبعية إدارة استغلال المناجم والمحاجر تتبع جهة رئيسية هي وزارة النفط والمعادن (هيئة المساحة الجيولوجية) وأخرى ذات العلاقة بالمناجم والمحاجر مثل المجلس المحلي ,مصلحة أراضي وعقارات الدولة, ووزارة الأوقاف، ووزارة الصناعة.
هذا الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في الروتين الذي يسيطر على كل تلك الآليات المعمول بها حتى الآن من تلك الجهات، فمن الأهمية بمكان أن تكون جهة واحدة تتمتع بصلاحيات متكاملة لإدارة شؤون المناجم والمحاجر أو عبر النافذة الواحدة لتسهيل المتابعة والإشراف والرقابة السابقة والمصاحبة واللاحقة حتى لا تدخل في تعقيدات تحد من نموه، وتستطيع إدارة هذه الثروات وتحسن استخدامها باختيار أفضل الحوافز لجذب مزيد من المستثمرين كخطوة هامة لنهضة قطاع الثروة المعدنية لينعكس أثرها في تعظيم الاستفادة الإنتاجية والمالية .
فيما يتعلق بدور الدولة في الاقتصاد، من المتوافق عليه أن هذا الدور يتوقف على المواءمة بين العقلانية والمنطق لاعتبارات ثلاثة :
أولها أن السوق أو ميكنة السوق وفلسفته تفشل في تحقيق الصالح العام في بعض الحالات مثل الاحتكار وغياب المعلومات وعدالة التوزيع والرقابة وعدم تكثيف وتطوير الاستكشاف والتحري المعدني واستخدام التكنولوجيا الحديثة في جميع مراحل الأنشطة التعدينية وتشجيع البحث والتطوير بالإضافة إلى تنمية الموارد البشرية.
والاعتبار الثاني أن تدخل الدولة كمشاركة في الإنتاج مع القطاع الخاص أو كمشغل يمكن أن يحقق نتائج ايجابية مثال ذلك مصانع الاسمنت القائمة للقطاعين العام والخاص, حتى لو كانت الأهداف تبدو متباينة كغياب الحافز الفردي وازدواجية المهام والاختصاصات للجهات الحكومية وبطء اتخاذ القرار.
ثالثا أن الدولة تستطيع التأثير في الاقتصاد عن طريق مؤسساتها بالسياسات والإجراءات الاستثمارية وقواعد تنظيم عمل الشركات ونمط الملكية بتيسير المشروعات الاستثمارية بأن يكون الترخيص للمستثمر بمجرد الإخطار طالما أن الدراسة المقدمة مستوفية الشروط والجدوى الاقتصادية ايجابية حسب أحكام القانون .
بما أن التوليفة المناسبة من هذه الأدوات تتغير مع مرور الوقت والمتغيرات الاقتصادية فإذا طبقنا هذه الاعتبارات على الحالة (الثروة المعدنية) لجذب وتنشيط الاستثمارات وفقا لآليات محددة تدعم تعزيز الأداء، سوف يتبين لنا أننا في أمس الحاجة لإعادة النظر في آلية الأدوار التي تقوم بها المؤسسات المعنية في تنمية هذه الثروة المعدنية المستدامة ومدى الالتزام بمعايير عمليات التعدين وإخضاعها للشروط والقواعد، ومراجعة الإجراءات ودليل الاستثمار المعمول به، والتقييم على أسس عالمية منها الاستغلال الأمثل وتطبيق مبدأ الحوكمة كالشفافية والمساءلة والعدالة والمسؤولية والمحاسبة والإفصاح بموضوعية وبالسرعة الكافية والمطلوبة للنهوض بها وتنميتها, فكثير من بلدان العالم استطاعت أن تستغل إمكانياتها الاقتصادية وتصنع ميزة نسبية لم تكن متوفرة لديها، فهل نستطيع عمل المثل؟
* باحث في وزارة المالية.