فلسطين”المقاومة الاولى بغزة 2020 تنتهني بهدنة

الثورة نت|..

أنقذ الوسيطان المصري والأممي بنيامين نتنياهو من جولة تصعيد نفذتها المقاومة الفلسطينية بدقة وأداء أفضل عن المواجهة التي سبقتها في نهاية 2019، وكانت تنوي أن تمدّها حتى الانتخابات الإسرائيلية، إلى حدّ خرج فيه الإعلام العبري وقال إنه أمام أيام على الانتخابات نتنياهو «يصلي» كي لا تسقطه غزة في استطلاعات الرأي. وبعد شائعات حول موعد التهدئة، الهشّة حكماً، انتهى القصف عند الساعة 11.30 قبيل منتصف الليل.

بعد يومين من المواجهة والقصف المتبادل بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، رسّخت الأولى معادلة جديدة في قواعد الاشتباك ترفض فيها أي اعتداء على غزة، بغض النظر عن الواقع السياسي والوساطات والتحسينات الاقتصادية، إضافة إلى تأكيدها قاعدة «القصف بالقصف». فمنذ بداية الرد على التنكيل بالشهيد محمد الناعم، استطاعت المقاومة تجاوز المحاولات الإسرائيلية للاستفراد بـ«سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، وبث دعاية تمّ تجريبها في جولات سابقة عن انكفاء الفصائل و«حماس» عن المشاركة، وأن إسرائيل تقصف أهداف «الجهاد» وحدها. لكن المقاومة هذه المرة أخذت وقتها وتشاورت ونسقت الرد ليكون أولاً من دون إعلان، ثم بتبنّي «الجهاد»، تتبعها قوى أخرى. ثم ردّت «حماس» بوضوح أمس بعدما زاد منسوب تهديدات العدو، بالقول إن ما قامت به المقاومة يأتي ضمن «استراتيجية الفهم الموحد لدى الفصائل بأن الدم الفلسطيني خط أحمر، وأن تهديدات العدو بتوسيع العدوان ستواجه بمقاومة لم يعهدها من قبل، ولن يتحمل ثمنها ونتائجها»، فيما أكدت «الجهاد» أن «أي فعل مقاوم في أي وقت وأي مكان وتحت أي ظرف أو تعقيد سياسي هو فعل مشروع ويحظى بإسناد شعبي وإجماع مقاوم».
بدا واضحاً خلال هذه المواجهة التطورُ الكبير في قدرات الوحدة الصاروخية للسرايا التي نجحت في إطلاق عشرات الصواريخ على الأراضي المحتلة من دون أن يستطيع الاحتلال استهداف أي من عناصرها، خلافاً للمواجهة السابقة التي استشهد فيها 15 من عناصرها، في وقت كشفت فيه مصادر في الحركة أنه حتى المجموعة التي قصفها الاحتلال أول من أمس وأصيب اثنان منها هي من «المرابطين» وليست من «الوحدة الصاروخية». وضمن تكتيكات تشمل رشقات كثيفة في وقت قصير، وبالتزامن مع مواعيد الأذان، تواصل أمس إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون تجاه مستوطنات «غلاف غزة» ومدينة عسقلان، رداً على جريمة التنكيل شرق خانيونس ومن ثم الاستهداف لمقر يتبع لـ«الجهاد» في العاصمة السورية دمشق نتج عنه استشهاد كادرين في الحركة دُفنا أمس، بعدما شُيّعا من مخيم اليرموك.

منذ الصباح هدّد نتنياهو بالحرب خمس مرات وبينت ثلاث مرات

في المحصلة، اعترف العدو بأن أكثر من ستين صاروخاً أُطلقت حتى الخامسة مساءً (على الأقل)، زاعماً أن «القبة الحديدية» اعترضت 90% منها. لكن مصادر إعلامية عبرية أفادت بوقوع إصابات في عدد من المنازل في المستوطنات، إضافة إلى سقوط صاروخ من نوع «بدر» المطوّر، على مصنع في المنطقة الصناعية بعسقلان، ما تسبّب في أضرار واسعة، كما سقط أحد الصواريخ على سكة الحديد التي تربط مستوطنة «سيديروت» بعسقلان. وأطلقت «سرايا القدس» اسم «بأس الصادقين» على عملية الرد، وكان لافتاً أنها أعلنت انتهاء الرد قبيل السابعة مساءً، لكن ما إن واصل الاحتلال غاراته الجوية، حتى أكملت السرايا الرد، قائلة إنه «قد أعلنا إنهاء ردنا على جريمتي الاغتيال في خانيونس ودمشق، لكن العدو لم يلتزم وقصف مواقعنا ومقاتلينا، لذلك نعلن أننا قمنا بالرد تأكيداً على معادلة القصف بالقصف»، وذلك قبيل أن تُثبّت التهدئة في تمام الـ11.30.
في المقابل، تجاوز عدد غارات العدو خمسين غارة، استهدفت بها مواقع للمقاومة من دون أن يؤدي ذلك إلى إصابات أو شهداء، كما استهدف مجموعتين للمقاومة وسط القطاع وشماله، ما أدى إلى إصابة مواطن واحد كان يستقل دراجته النارية شمالاً. وقبل دقائق من دخول التهدئة حيز التنفيذ، سقطت بقايا من صاروخ لـ«القبة الحديدية» على منزل شرق الشجاعية، ما أدى إلى إصابة 13 فلسطينياً بجراح مختلفة. بالتوازي، أعلنت «كتائب المقاومة الوطنية»، الجناح العسكري لـ«الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» مسؤوليتها عن «اشتباك مسلح» بين عناصرها وجنود العدو قرب موقع «إيرز» شمال القطاع، قائلة إن مقاوميها أصابوا الموقع بقذيفة «آر بي جي» مباشرة، ومضيفة: «بعد انسحاب المجموعة جرى إطلاق عدد من قذائف الهاون على الموقع، وأصيب أحد عناصرنا أثناء الانسحاب».
طوال اليومين الماضيين، تقول مصادر مطلعة إن الجهود الأممية والمصرية أخفقت لمرات في تحقيق التهدئة نتيجة رفض الاحتلال وقف العدوان وإصرار المقاومة على أن تكون لها «اليد العليا والأخيرة» في المعركة. وشدّد المتحدث باسم «الجهاد»، مصعب البريم، أمس، على أنه «لا تهدئة العاشرة مساء كما يتحدث بعض وسائل الإعلام،» لأن «التهدئة ستكون عندما يتوقف الاحتلال بشكل كامل عن عدوانه على شعبنا». وللضغط أكثر، أعلن الاحتلال جملة «عقوبات» ضد غزة تحت مسمى «الإغلاق الشامل» بدأها منذ الصباح بإغلاق حاجز «بيت حانون ـــ إيرز»، ومنع زيارة أهالي أسرى غزة، إضافة إلى إيقاف تصاريح التجار، ثم اختتمها في المساء بإعلان إغلاق بري وبحري يشمل المنفذ التجاري الوحيد «كرم أبو سالم»، باستثناء إدخال الأدوية والمعدات الطبية والوقود، كما أغلق بحر غزة أمام الصيادين حتى إشعار آخر.
وكان مستوى التهديدات الإسرائيلية قد وصل إلى ذروته أمس، بعدما حذّر رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بالذهاب إلى حرب، خمس مرات في تصريحات مختلفة منذ الصباح، كما هدّد بذلك وزير الأمن، نفتالي بينت، في ثلاثة تصريحات. نتنياهو لوّح بتفعيل ما سماها «الخطة الجديدة للحرب» في القطاع في حال استمر التصعيد، إضافة إلى توسيع العدوان ليشمل «حماس» واغتيال قادة المقاومة، مضيفاً: «إذا لم يكن هناك مفر من عملية عسكرية… فإسرائيل جاهزة لذلك. حملة عسكرية مختلفة كلياً عمّا عرفناه إلى الآن. الحرب على غزة ستكبّدنا ثمناً باهظاً».
إلى ذلك، وفي الوقت الذي كانت فيه غزة تتعرض لعدوان، استقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «لجنة التواصل الفلسطينية مع المجتمع الإسرائيلي» التي تعرضت لانتقادات واسعة أخيراً بسبب عقدها زيارات واستقبالات لإسرائيليين، مؤكداً أن ما «تقوم به اللجنة عمل وطني لإيصال الصوت الفلسطيني إلى المجتمع الإسرائيلي»، ورافضاً استقالة رئيس اللجنة محمد المدني.

كان رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتمنى أن ينجح في تظليل الأيام الفاصلة عن الانتخابات، مطلع الشهر المقبل، بالتهديد والوعيد، مقابل ارتداعٍ فلسطيني عن الردّ على اعتداءات جنوده وضباطه وهمجيّتهم. كان يأمل أن يبدو كزعيم نجح في أن يفرض الأمن جنوب فلسطين المحتلة، وأن تبدو المقاومة خاضعة لسياسة الابتزاز التي يحاول ممارستها مقابل تخفيف المعاناة عن قطاع غزة. لكن حركة «الجهاد الإسلامي» أسقطت هذه الرهانات، ووضعته وجيشه أمام اختبار ميداني انقلبت فيه الصورة، وبدت معها إسرائيل حريصة على ألّا تدفع نحو معركة متدحرجة يُضرب فيها العمق الإسرائيلي. ومع إدراك نتنياهو الرسائل السلبية التي حملتها صواريخ «الجهاد»، حاول أن يعوّض بتوسيع نطاق اعتداءاته باتجاه الساحة السورية، على أمل أن يسهم في ردع الحركة، لكن النتائج جاءت مُخيّبة أيضاً له ولجيشه.

أراد نتنياهو من وراء التصعيد الذي انطوى على أكثر من رسالة، أن ينعكس ذلك في صناديق الاقتراع، لكن المقاومة نجحت في أن تسلب منه هذا الإنجاز الذي يطمح إليه، وجَبَت منه أثماناً في أمن المستوطنات الجنوبية. كذلك، نجحت في أن تُبدّد آماله في أن تبدو المقاومة كَمَن يسارع إلى الهدوء بأيّ ثمن، وهو ما برز في كلام رئيس أركان جيش العدو، أفيف كوخافي، خلال حديثه مع جنود الاحتياط أمس، حيث قال: «لا أعرف متى ستنتهي الحادثة (الجولة مع «الجهاد»). جزء من الحروب بدأ بالضبط كما يحدث (الآن)». القلق من انعكاسات ردّ «الجهاد» دفع نتنياهو إلى رفع منسوب التهديد، قائلاً إن «القصف سيستمرّ حتى يعود الهدوء»، ملوّحاً باستهداف قادة «الجهاد»: «إذا لم يعد الهدوء، فسيأتي دوركم». وفي محاولة لرفع منسوب القلق والتوتر بين الغزّيين والمقاومة، توعّد بأن «المعركة المقبلة ستكون واسعة النطاق، وستتخلّلها مفاجآت لم يُكشف عنها في المواجهات السابقة»، مشيراً إلى أن إسرائيل نفّذت هجمات أمس في غزة ودمشق، وأنها مستعدّة لعمل ذلك في المستقبل، في محاولة منه لإضفاء مصداقية على تهديداته، التي تُظهّر – من ضمن ما تُظهّر – موقع العاصمة السورية في معادلة الصراع، وكونها عمقا ً استراتيجياً للمقاومة الفلسطينية.

وضعت الحركة نتنياهو وجيشه أمام اختبار ميداني انقلبت فيه الصورة

مع هذا، أظهر رئيس حكومة العدو حرصاً على تجنّب الحرب، وأن تكون «الخيار الأخير» في حال اقتضت الضرورة، بالمعايير الإسرائيلية. وهذا يعود إلى إدراكه أنه ستكون للحرب أثمان مؤلمة جدّاً لإسرائيل، من ضمنها أن الردّ سيمتدّ إلى العمق، إضافة إلى إدراكه أن الإسرائيليين أبعد ما يكونون عن دعم مثل هذه المعركة التي من غير الواضح كيف ستنتهي، فضلاً عن أنها لن تنهي المقاومة. إزاء تلك المعطيات، بدا نتنياهو مهتمّاً بألّا يمتدّ التصعيد إلى وقت الانتخابات، لأنه إن حدث ذلك، فسيكون مضطراً إلى رفع مستوى اعتداءاته، إذ إن ما دون ذلك سيظهره ضعيفاً ويقوِّض الصورة التي يروّجها. وعليه، يمكن التقدير، منذ الآن، أن نتنياهو سيعمد إلى تقديم الجولة الأخيرة وكأنها محطة إضافية في تعزيز الردع الذي يوفّر الأمن للمستوطنات، بالقول: «إذا لم يتوقفوا عن إطلاق النيران كلياً، وأنا لا أقصد يوماً أو يومين بل كلياً، سنضطر إلى تفعيل خطة المعركة الواسعة التي أعددناها. الويل لحماس والجهاد إذا وصلوا إلى هذا اليوم. سنقوم بما يجب لإعادة الأمن الكامل».
وكان لوزير الأمن، نفتالي بينِت، نصيبه في هذا التحدّي الذي نجحت «الجهاد» في أن تفرضه على كيان العدو، إذ لم تمضِ سوى أيام على تهديدات بينِت ضدّ المقاومة، حتى عَدَل الوزير عن مواقفه بالقول إن إسرائيل لا ترغب في عملية واسعة النطاق، «لكنها ستلجأ إلى هذا الخيار إذا لم يكن هناك مفرّ منه». وكما في محطات مشابهة، تحوّلت جولة التصعيد الحالية إلى مناسبة للتنافس الانتخابي وتبادل الانتقادات بين المسؤولين الإسرائيليين. وفي هذا السياق، رأى رئيس تحالف «أزرق أبيض»، بيني غانتس، أن «ردع إسرائيل سُحق في السنتين الماضيتين بصورة خطيرة، وتمّ فقدان المبادرة». لكن غانتس اعتبر انطلاقاً من تجربته الشخصية أن «الجولات (مع غزة) ستؤدي في النهاية إلى معركة واسعة، أو أن توافق حماس على تسوية فورية وفعالة وملموسة، ومن ضمنها إعادة الأبناء (الجنود الأسرى)»، محاولاً المزايدة على نتنياهو بتقديم نفسه أكثر يمينية وتطرّفاً في ما يتعلق بالقضايا الأمنية، عبر التوعّد بأن إسرائيل «لن تتردّد في احتلال غزة إذا كان هذا ما تتطلّبه إعادة الهدوء».

الاخبار

قد يعجبك ايضا