الثورة/ إسكندر المريسي
الفوضى الأمنية التي تجتاح ليبيا في الظرف الراهن وما تشهده من أعمال عنف ارتفعت وتيرتها مؤخرا وراح ضحيتها العشرات من المواطنين تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ليبيا تواجه تحديات كبيرة.
حيث تواجه ليبيا باعتبارها البلد الثالث من بين البلدان التي شهدت حركة الربيع العربي – تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية ، وبرزت في الآونة الأخيرة مشكلتان أساسيتان تتمثلان بالاقتصاد والأمن عوضاً عن غياب الحكومة وسط انتشار أوسع وأشمل لمليشيات الجماعات الإسلامية المسلحة التي تتواجد في مختلف مدن ليبيا وتختلف تلك الجماعات مع بعضها البعض .
ففي بنغازي يطرح في الأوساط السياسية والإعلامية وقنوات البث الفضائي أنها جماعات إسلامية ليبرالية أي مؤيدة للتوجهات الغربية فيما يتعلق بالحقوق والحريات العامة، وفي طرابلس العاصمة ومحيطها تتواجد مجموعات متطرفة وكذلك في الكفرة وسيرت وبنغازي وترهونه وبني وليد وبراك الشاطئ وغيرها من المدن الليبية تنتشر الجماعات الإسلامية الراديكالية المتشددة وتعمل القوى الخارجية على تعميم ظاهرة المليشيات المسلحة على اعتبار أن الشعب الليبي غير مستفيد من تلك الجماعات .
وهو ما يعني وجود اطراف دولية تغذي الصراعات الجارية في ليبيا وليست أمريكا بمعزل عن التأثيرات السلبية التي يشهدها ذلك البلد في ظل حالة الصراع القائم الذي أخذ في الاتساع بصورة تزداد يوماً بعد يوم وتأخذ أبعاداً مختلفة تهدد امن واستقرار ليبيا وسط غياب ابسط وصل موضوعي يتصل بمفهوم الدولة أو وجود الحكومة عوضاً عن غياب مماثل للقوى الوطنية علماً أن المجاميع السياسية المتصالحة والمختلفة مع بعضها البعض إضافة إلى المليشيات المسلحة كلاهما نتاج طبيعي بحسب مراقبين للتدخل الأجنبي حيث اتسع نطاق ذلك التأثير من خلال اتساع النتائج المترتبة على العامل الخارجي متعدد الأطراف والأبعاد بكل أشكاله المختلفة وادواته المتنوعة التي جعلت ليبيا في الظرف الراهن بؤرة صراع بين الأجندة الخارجية والقوى المحتلة له داخل ذلك البلد العربي .
وما يقابل ذلك من حالة فراغ سياسي لأي قوى وطنية صاعدة او ناشئة مسألة تبدو سابقة لأوانها بالنظر للتداعيات السلبية الجارية حالياً في المشهد السياسي الليبي.
حيث تمثل قوى ليبرالية الشق المدني للعامل الدولي، ومجموعات ومليشيات مسلحة تمثل الشق العسكري لذلك العامل في واقع الفراغ السياسي داخل ساحة العمل الوطني التي تهيمن تلك القوى كمحصلة سلبية للهيمنة الخارجية ما جعل ليبيا دائرة مغلقة لعبث التدخل الأجنبي ووكلائه في الداخل وسط حالة الاضطراب السياسي واسع النطاق .
فقد اتسع نطاق التدخل الأجنبي في واقع ما يجري من تأثيرات واضحه للعامل الدولي المتمثل بأمريكا تتعاظم بشكل سلبي اكثر من اي وقت مضى ويرجع ذلك كما يرى متابعون لغياب الحد الأدنى من مظلة الاستقلال السياسي والوطني ما جعل معضلتي الاقتصاد والأمن تحتلان الأولوية في المشهد السياسي الليبي .
سيما والقوى الغربية من مصلحتها في بلد غني بالنفط مثل ليبيا عدم وجود حكومة وطنية لأن ذلك يهدد مصالحها الاقتصادية ولا يجعلها تتمكن من استثمار ذلك النفط إلا بطريقتين أساسيتين إما احتلال عسكري مباشر أو اضطرابات سياسية وأعمال عنف مسلحة كبديل امثل لأخطار وعواقب ذلك الاحتلال العسكري المباشر وان كانت ليبيا بمعزل فليست بمعزل عن خرائط البنتاجون الأمريكي ومتطلباتة في التقسيم الجاري داخل الوطن العربي فهي بالتأكيد تحتل الأولوية ضمن التقاسم الأوروبي الذي تم فعلاً في ليبيا مقابل تطوير اليات الاضطراب السياسي ودعم المليشيات المسلحة والمجاميع المختلفة كأحد اهم نتائج ذلك التقاسم الذي يضمن استقراراً سياسياً واقتصادياً للقوى الخارجية في بلد يشهد نزاعات داخلية .
بدليل أن ما يجري في الوقت الرأهن هو إشراك ذلك العامل من خلال بقاء القوى الخارجية مسيطرة على ليبيا كشرط أساسي لبقاء الاضطراب السياسي وحالة الاحتراب الداخلي لضمان امن واستقرار تلك القوى بعيداً عن الآمال المشروعة أو الطموحات المرجوة لدى الشعب الليبي من إصلاح الأوضاع الداخلية وإنهاء التحديات القائمة كأمر يتوقف على التخلص من التدخل الخارجي بأدواتة المحلية بدرجة أساسية الضاغطة لزعزعة امن واستقرار ليبيا وإعادتها إلى مرحلة سابقة عُرفت كما يؤكد متابعون بالتقاسم الثلاثي الفرنسي والأمريكي البريطاني مع إغفال إيطاليا التي دخلت كقوة نافذة في انقلاب الفاتح من سبتمبر ١٩٦٩م ولا تزال مؤثرة على المشهد الليبي حتى اللحظة الراهنة ونصف المجموعات المسلحة محسوبة على تلك الدولة الاستعمارية في نظر محللين وسط غياب القوى الوطنية .
علماً أن حلف الناتو ما كان بمقدوره أن ينفذ عمليات عسكرية في ليبيا لو لم تكن دولة غنية بالنفط ولو لم تكن كذلك لنفّذت عمليات عسكرية في الصومال وبالتالي ما تشهده ليبيا من صراع على النفط من قبل القوى الخارجية ليس صراعاً على مركزها السياسي لأنها ليست بلداً يتم التركيز عليها وعلى مكانتها الجغرافية ولكن على ثروتها النفطية وقد كانت الدراسات الغربية منذ منتصف القرن الماضي تركز على عاملين أساسيين إما الاحتلال العسكري المباشر أو من خلال افتعال المشاكل الداخلية كضمان للسيطرة المباشرة طبقاً للإرشادات التي كتبها وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر في هذا المجال وقد تسنى للدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة الخيار الأمثل المناسب بالنسبة لها السيطرة على النفط الليبي من خلال إذكاء الصراعات السياسية كضمانة أساسية لاستمرار سيطرة أمريكا على مقدرات البلاد من الثروة النقطية بالنظر لما تشهدة ليبيا حاضراً من صراعات مختلفة وتحديات قائمة لذلك لن تسمح القوى الدولية في بناء دولة ليبيا ما لم تبرز في المشهد السياسي من وجهة نظر مراقبين وقوى وطنية مناهظة للعامل الخارجي كشرط أساسي لبناء الدولة الليبية المستقلة ذات سيادة كاملة غير منقوصة ولا مرتهنه ولا تابعة لكي يعم الأمن والاستقرار أرجاء البلاد ويعيش الشعب الليبي الشقيق في وئام وسلام.