الثورة / محمد الجبري
تسببت الولايات المتحدة وخططها الخبيثة في أفغانستان منذ حوالي عشرين عاماً في تدمير بلد بكامله والقضاء على بنيته التحتية ومقدراته الاقتصادية في مختلف الجوانب وذلك بتأجيج الصراع بين مكونات الشعب الأفغاني.
وقد حاولت الولايات المتحدة إفشال جميع المبادرات للتوصل لاتفاق يجمع أطراف النزاع هناك بين السلطات الأفغانية وحركة طالبان والتي تقتضي وقف الحرب والدخول في عملية سلام حقيقية تضمن ما من شأنه الحفاظ على مصالح الشعب الأفغاني ومقدراته .
ومع ذلك كانت قد انطلقت عملية حوار بين السلطات الأفغانية وحركة طالبان برعاية قطرية إلا أنها لم تحقق أي شيء حتى الآن .
وبنجاح عملية السلام في أفغانستان قد تنتهي أطول الحروب العالمية والمعاصرة على الإطلاق لصالح الشعب الأفغاني ومقدراته والنهوض به من ركام الدمار والفشل.
حيث أنفق الجيش الأمريكي مليارات الدولارات منذ عام 2001م في محاربة مسلحي حركة طالبان في أفغانستان.
وسبق للرئيس الأفغاني أشرف غني أن قال إن الحرب قد «كلّفت الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي نحو 500 مليار دولار».
فهل يعكس هذا الرقم حقيقة الإنفاق العسكري في أفغانستان، وكيف تم حسابه؟
وكانت القوات الأمريكية قد غزت أفغانستان في أكتوبر 2001م، بعد أن اتهمت حركة طالبان الحاكمة في كابول آنذاك بإيواء زعيم «تنظيم القاعدة» أسامة بن لادن وغيره من زعماء التنظيم بالمسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر 2001م.
ونجحت القوات الأمريكية في إزاحة حركة طالبان من السلطة، ولكنها (أي الحركة) لجأت عقب ذلك إلى شن تمرد مسلح واسع النطاق شمل كافة أرجاء أفغانستان.
إهدار الأموال
ووصلت تكلفة الإنفاق العسكري بين عامي 2010 و2012م، عندما كان عدد الجنود الأمريكيين نحو 100 ألف عسكري يخدمون في أفغانستان، وقد بلغت كلفة الحرب نحو 100 مليار دولار سنويا، حسب الأرقام التي نشرتها الحكومة الأمريكية.
وبينما حوّل الجيش الأمريكي تركيزه من العمليات العسكرية الهجومية نحو تدريب وإعداد القوات الأفغانية، انخفضت التكاليف بشكل ملحوظ بين عامي 2016 و2018م، إذ بلغ الإنفاق السنوي نحو 40 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يبلغ الإنفاق في السنة المنتهية في مارس 2019م حوالي 18 مليار دولار فقط.
ولذا، وحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، يبلغ مجموع ما أنفقه الأمريكيون عسكريا في أفغانستان من أكتوبر 2001م إلى مارس 2019م نحو 760 مليار دولار وهذا رقم أعلى من ذلك الذي ذكره الرئيس الأفغاني.
ولكن دراسة مستقلة أجراها مشروع تكلفة الحرب في جامعة براون الأمريكية خلصت إلى أن الأرقام الرسمية التي نشرتها الحكومة الأمريكية لا تعكس الواقع إلى حد كبير.
وخلصت الدراسة إلى أن الأرقام الرسمية لا تشمل تكاليف الإنفاق على العناية بالجرحى من العسكريين الأمريكيين ولا الأموال التي أنفقتها وزارات الدولة الأمريكية الأخرى والمتعلقة بالحرب في أفغانستان ولا الفوائد التي تكبدتها الحكومة بسبب القروض التي أخذتها لسد نفقات الحرب.
وقدرت دراسة جامعة براون كلفة الحرب في أفغانستان بأنها أقرب إلى تريليون دولار (ألف مليار دولار).
وتم إنفاق الجزء الأكبر من الأموال على عمليات محاربة حركة طالبان وعلى احتياجات القوات الأمريكية من طعام ولباس وعناية طبية ورواتب ومخصصات.
كما تظهر الأرقام الرسمية أن الولايات المتحدة ساهمت بنحو 133 مليار دولار (أي 16 % من مجموع الأموال التي أنفقت في السنوات الـ 17 الماضية) في جهود ومشاريع إعادة الإعمار في أفغانستان، وأنفق أكثر من نصف هذا المبلغ (أي 83 مليار دولار) في بناء قوات الأمن الأفغانية من جيش وشرطة.
وتكبدت قوات الأمن الأفغانية خسائر جسيمة في الحرب مع مسلحي حركة طالبان أما المبالغ المتبقية فقد ضاعت نتيجة «الإسراف والغش والاحتيال والعبث» في السنوات الـ 11 الماضية.
وقالت الوكالة إن هذا الرقم قد لا يمثل «إلا نسبة صغيرة» من الهدر الحقيقي، مضيفة أن الأموال الأمريكية، في كثير من الأحيان، «تفاقم الحروب وتشجع على استشراء الفساد وتدعم التأييد للمسلحين».
الخسائر البشرية
منذ اندلاع الحرب الأمريكية ضد حركة طالبان في عام 2001م، تكبدت القوات الأمريكية 3200 قتيل ونحو 20.500 جريح.
وحسب الأرقام الرسمية، كان عدد العسكريين الأمريكيين الذين يخدمون في أفغانستان في يونيو 2018م يبلغ نحو 14 ألف عسكري، ولكن كان هناك في البلاد أيضا أكثر من 11 ألفاً من المدنيين الأمريكيين يعملون كمقاولين.
ولكن هذه الخسائر الأمريكية لا تقارن بالخسائر التي تكبدها المدنيون والعسكريون الأفغان.
وكان الرئيس الأفغاني قد قال في وقت سابق من العام الحالي إن أكثر من 45 ألفاً من العسكريين الأفغان قتلوا منذ توليه منصبه في عام 2014م.
وكان قرار الرئيس غني بالكشف عن حجم الخسائر التي تكبدها الأفغان قرارا غريبا، إذ لم تتعود الحكومتان الأمريكية والأفغانية على نشر عدد الضحايا في صفوف الشعب الأفغاني.
ولكن ثمة تقارير تقول إن عدد القتلى في صفوف القوات الأفغانية كان مرتفعا إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، وبلغ أحيانا 30 إلى 40 قتيلاً يوميا.
وحسب بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، فقد قتل أكثر من 32 ألف مدني أفغاني وأصيب أكثر من 60 ألفاً بجروح منذ بدئها في تسجيل الخسائر في صفوف المدنيين الأفغان في عام 2009م.
وكان الرئيس الأمريكي في سلسلة تغريدات، قد أعلن إلغاء محادثات سلام مع حركة طالبان الأفغانية، وكشف أنه سبق أن وافق على عقد اجتماع سري مع قادة طالبان في كامب ديفيد بولاية ماريلاند ا، لكنه أُلغي بعد إقرار الحركة بمسؤوليتها عن هجوم في العاصمة الأفغانية كابول الشهر الفائت والذي كان من المفترض أن يلتقي ترامب أيضا مع الرئيس الأفغاني أشرف غني.
وتنشر الولايات المتحدة حاليا قرابة 14 ألف جندي في أفغانستان، وكان يفترض أن تسحب 5400 جندي من 5 قواعد خلال 20 أسبوعا بموجب اتفاق السلام المقترح.
الدعايات والأكاذيب
ويرى محللون سياسيون أن نشر الدعايات حول أن الاتفاق التي دعت إليه حركة طالبان الأمريكان لم يعالج قضايا أخرى مهمة، فهو لم يضمن استمرار وجود قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية لقتال القاعدة، ولا يضمن استمرار الحكومة المدعومة من أمريكا في كابول، أو حتى نهاية القتال في أفغانستان.
زعامة حركة طالبان في أعقاب مقتل أختر محمد منصور
وأكد ذلك أحد المسؤولين الأفغان قائلا: «لا أحد يتحدث عنه بشكل يقيني أبدا، فالجميع يتحدث عن الأمل ولكن لا توجد ثقة، لا يوجد تاريخ من الثقة وليس هناك دليل على الأمانة والإخلاص من قبل طالبان فهم يعتقدون أنهم يخدعون الأمريكيين، بينما يعتقد الأمريكيون أنه لو مارست طالبان الخداع فسوف تدفع الثمن غاليا».
وكانت طالبان قد دعت بومبيو إلى توقيع الاتفاق مع إمارة أفغانستان الإسلامية، وهو الاسم الرسمي الذي أطلقته حكومة طالبان على أفغانستان عام 1996م، وذلك بحسب مسؤولين أمريكيين وأفغان وأوروبيين على صلة بالمحادثات.
ولو كان بومبيو قد أقدم على ذلك لاعتبرت وثيقة الاتفاق اعترافا بطالبان ككيان سياسي، لذلك رفض وزير الخارجية الأمريكية التوقيع بحسب مسؤول أفغاني.
بنود الاتفاق
وقال المتحدث باسم وزير الخارجية الأمريكي في رسالة إلكترونية لمجلة تايم: «لا توجد اتفاقية بعد لتوقيعها، فإذا وجدت ووافق عليها كل الأطراف ومن ضمنهم الرئيس دونالد ترامب، فسوف يوقعها وزير الخارجية حينئذ».
واشترط كل من الأمريكان والسلطات الأفغانية على حركة طالبان وهو ما نقل على لسان مصادر أمريكية وأفغانية، لم تكشف عن هويتها، بأن يكون ذلك الاتفاق ينص على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول نوفمبر 2020م إذا أقدمت طالبان على ثلاثة أمور: فتح مفاوضات مع حكومة كابول المدعومة من الولايات المتحدة، وكبح العنف قرب القواعد التي تسيطر عليها قوات أمريكية، وإبقاء المقاتلين الأجانب خارج المناطق التي تسيطر عليها طالبان. بالسلام
وقد أعرب مسؤولون عسكريون ودبلوماسيون واستخباراتيون عن انزعاجهم من أن ثمن السلام قد يكون باهظا، ويشمل التراجع عن الخطوات التي أنجزت في أفغانستان على صعيد حقوق الإنسان والمرأة والحقوق المدنية، وضعف الحكومة المركزية وإدارات الأقاليم، وتدهور الحملة العسكرية ضد طالبان، وانتشار الفساد فضلا عن أن انسحاب القوات الأمريكية سيكون خطوة يصعب النكوص عنها.
وكان تسعة مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى قد حذروا في رسالة من أنه ليس من الواضح إمكانية إقرار السلام، فضلا عن أن «الثمن قد يكون أسوأ من الأمر الواقع وأقله عودة الحرب الأهلية الشاملة التي استنزفت أفغانستان».
وقد ظهر ذلك بشكل واضح عقب هجوم كابول الأخير والذي أسفر عن مقتل 12 شخصا من بينهم جندي أمريكي، فقد لفت الهجوم إلى أن الاتفاقية لا تلزم طالبان بنبذ الإرهاب أو التوقف عن مهاجمة القوات الأفغانية.
عملاء أمريكا
وكان مسؤولون أفغان على صلة بالمحادثات قالوا لمجلة تايم إن الحركة أبلغت مقاتليها بأن واشنطن ستسحب قواتها في غضون عام، وأن الاتفاق لا يوجد به شروط تسمح بتجميد الانسحاب الأمريكي أو النكوص عنه.
وأضافوا قائلين إن قادة طالبان دعوا أنصارهم للاستعداد للنصر بالترحيب بالأفغان الذين انحازوا للجانب الأمريكي بدلا من الانتقام، مشيرين إلى أن الانتصار لن يتطلب سوى عدم الاستسلام وفي النهاية سوف يوقف الأمريكيون القتال.
وقال بيل روغيو، من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها : «إن أهداف طالبان في أفغانستان لم تتغير، فهي تريد طرد أمريكا، وإعادة فرض إمارة أفغانستان الإسلامية».
وبالنسبة للمسؤولين الأفغان فإن هذه الاتفاقية بمثابة نقطة تحول سوداء في العلاقات مع واشنطن بل وإهانة، وقد نقلت مجلة التايم الأمريكية عن مصادر لم تسمها إنه قد سمع صياح متبادل خلال اجتماعات الرئيس أشرف غني والمبعوث الأمريكي خليل زاده الذي أبلغ غني بأنه يقبل الاتفاق لأن أفغانستان تخسر الحرب.
وقالت مصادر مطلعة إن الخلافات بين الطرفين وصلت إلى حد رفض خليل زاده تقديم نسخة من الاتفاق لغني، الرئيس الأفغاني المنتخب، الذي لا يميل إلى تأجيل الانتخابات المقررة أواخر الشهر الجاري والذي من المتوقع أن يفوز فيها بفترة رئاسية جديدة مدتها 5 سنوات.
ولكن بالنسبة للجانب الأمريكي ربما بدت تلك الاتفاقية أفضل تسوية للولايات المتحدة وحلفائها للخروج من أفغانستان قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020م بعد 18 عاما من حرب مازال الرأي العام الأمريكي لا يفهم: لماذا مازالت قواتهم هناك.