مبان◌ُ تنتظر الترميم وأخرى أضاعت طريق العودة إلى الحياة


بــرج “اليمنيـة” وعمــارة »لا إلــه إلا الله« شواهــد واقفــة وسط قلب العاصمـة تنتظر الفرج
, حي صوفان وبني الحارث وبني جرموز وشرق الداخلية وسوق الحصبة أكثر تضرراٍ
, أحياء اغتيلت منازلها ليغادر أهلها بحثاٍ عن مأوى والمعالجات بْعد المشرقين
, النقيب: (2000-3000) منزل تضررت والحصر مستمر
على مدى أشهر الحرب وساعات ذروته ظلت صامدة أمام نيران الإخوة الأعداء الذين يظن كل طرف إنها متارس قنص للطرف الآخــر.. إنها عمارة لا إله إلا الله على شارع الزبيري في قلب العاصمة صنعاء اليوم بعد مرور ما يقرب العامين على توقيع المبادرة الخليجية كجوهر للتسوية السياسية التي تضمنت معالجة وإعادة إعمار وترميم أضرار الحرب في اليمن ما زالت “عمارة لا حول ولا قوة إلا بالله” -مسمى جديد فرضته حالة الدمار الذي هي عليه- تنتصب بجراحاتها في قائمة الانتظار.. مبنى برج الطيران وسط الحصبة هو الآخر تهشم زجاجه في حرب 2011م ليبدو شبحاٍ من أعمدة الاسمنت التي لا تقوى على البقاء ليظل منتظراٍ إعادة الإعمار .. وعلى الطريق المؤدي من وإلى مطار صنعاء الدولي – بوابة اليمن الرئيسة- تجرحك حالة التشويه لمباني وزارة الداخلية والمنازل المتناثرة حولها وأطلال الحصبة.. خصوصاٍ مبنى وكالة “سبأ” للأنباء وكالة الخبر الرسمية الأولى! مظاهر قصصية خاطفة تعبر عن حال أكثر من (3000) مبنى طالته الحرب في العاصمة صنعاء بين الزبيري وحدة وصنعاء القديمة والحصبة وحي صوفان والتلفزيون وبني الحارث وبني جرموز وغيرها من المباني التي ألبستها الحرب ثوب دمار خاطته أقلام الحسرة في سجلات خسائر الممتلكات..
هذا التحقيق –الذي سينشر على ثلاث حلقات-سيستقرئ آثار وندوب حرب 2011م في العاصمة صنعاء وحال أكثر الأماكن تضرراٍ ومسيرة إعادة الإعمار ومعاناة المتضررين على طريق الحصول على التعويض.. لكن الحلقة الأولى تركز على مشاهد التشوهات في المباني والبنى التحتية التي طالت القطاع الخاص والعام والمختلط.. فإلى سطور الحلقة الأولى من هذا التحقيق:
هي الحربْ فاسلم بالحشا ما اللظى سهلْ. فما اختارها مْعنِىٍ بها وله عقلْ..
هكذا ينحرف بك مدخل صوفية عمر بن الفارض رحمه الله( هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهلْ/ فما اختاره مضنى به وله عقلْ) حين تلتفت يمنة ويسرة فتشاهد جراح الحرب وكلومها تخدش جمال عاصمة الروح وحاضرة التاريخ العتيق.. إنها لعنة حربُ أماتت البنايات واقفة فجْرحت صنعاء على إثر حروب 2011م.. فعلى شارع الزبيري تمتشق عمارة “لا إله إلا الله” برشاقتها الياجورية شهقة من الارتفاع كناطحة غمدانية تخاوص سماء صنعاء هذه الغمدانية الفارعة لم تهدها الفؤوس والسنوات المتعاقبة كما هدت قصر غمدان وما أماتها واقفة ليس سوى سويعة من حرب شرسة بين صواريخ الكتوف “اللو” وقذائف “الإيربيجي”.. ولأن بنيتها متنوعة بين الحجر الحبش والياجور فلم تكشف المعركة سوءة جوفها على الملأ رغم ما به من حرائق.. جنوباٍ لعمارة “لا إله إلا الله” لا زالت العدد من المحلات مدمرة كمطعم البيت الحديث وعمائر أخرى يعتريها التشويه أما في القاع فتقف جدران مبنى مؤسسة الكهرباء مسلوبة الأسقف ولا حديث سمعناه من أمانة العاصمة أو جهة مسؤولة أخرى عن مستقبل لإعادة إعمارها..
صور تزعج الزائرين
على طريق المطار- وباتجاهك إليه- ابتداء من جولة سبأ تتابع الصور على يمينيك في تدرج نحو الأقتم من السوء ما تبقى من جراحات وزارة الإدارة المحلية وما بعدها من سرب عمائر على الشارع العام منها ما رمم ومنها ما يقف بجروحه مروراٍ بمنزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وما ناله من جروح بليغة في مظهره المعماري وبنيته التحتية وكذلك ما بعده من شريط محلات تجارية لا زال معظمها مغلقاٍ ويعكس صورة من التشويه والدمار وآثار الحرائق وصولاٍ إلى وزارة الداخلية التي طالها جرم الحرب مهمشاٍ واجهتها وأسوارها وأجزاء من مبانيها والمبنى العام والمنازل الآهلة بالسكان حواليها..
أما على شمالك فنفس الشريط يتكرر ولعل أبشع صور التشويه تتجسد فيما لحق بالبنايات التي تعلو محلات بيع العسل مروراٍ بالمقر الرئيسي للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام التي طالتها النيران بدمار شامل أقعدها عن دورها الوظيفي وكذلك المباني التي تليها مروراٍ بمقر الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة والمنازل المحاذية للشارع العام والأبرز ضرراٍ برج طيران اليمنية الذي كشفت القذائف والنيران لباسه الزجاجي الذي يتوهج بريقاٍ في العلو على جوفُ من الدمار.. أما المحلات التي ترتص من بعد هذا البرج – باتجاه المطار– فقد أكلتها الحرب لتحكي قصصاٍ من دمار مصادر أرزاق عشرات الأسر مبقية على صورة مؤلمة تزعج ذاكرة كل من يزور صنعاء ويمر من هذا الشارع المؤدي من وإلى المطار..
وبين ضفتي الشارع تنتصب أعمدة الإنارة وأساور وتشاريف نفق جولة الساعة كل هذه الملامح هشمت حداثتها وجمالها وبنيتها الحرب ولا زالت تحز انتظاراٍ في عنق التسوية السياسية.. أما ما بين جولة الحباري جنوب شرق الحصبة وبين جولة جامعة الدول العربية فتوجد أهم مؤسسات الدولة التي دمرتها الحرب ونْهْبِ كل ما فيها من ممتلكات وأثاث وتجهيزات كوكالة سبأ للأنباء ووزارة الصناعة والتجارة وهيئة الأراضي وسوق الحصبة المركزي ومحلاته التجارية التي أصبحت خاوية على عروشها..
ما خلف الأكمة
تقارير الحصر الأولية لأضرار أزمة 2011م التي أعقبت الحروب وضعت الجهات الرسمية والإقليمية والدولية أمام آثار واستتباعات- ربما كانت سطحية في رسمها للملمح العام لأماكن استفحل الضرر فيها.. لكن رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بأمانة العاصمة حمود النقيب أكد أن الضرر لم يقتصر على المظهر العام الذي أمام الناس والعابرين معاتباٍ الإعلام على تقصيره في تسليط الضوء على الأضرار التي لحقت بالأماكن والحارات البعيدة عن أنظار المجتمع العام..
وقال النقيب: صحيح أن مبنى “الطيران المدني” وعمارة “لا إله إلا الله” ووزارة الداخلية وما جاورها من البنايات والمحلات المشوهة والمدمرة هي واجهة البلد –خصوصاٍ بمواقعها وسط العاصمة وعلى ممرات الوفود الدولية- وتعكس صورة سيئة في ظل الفترة الزمنية المنقضية من التسوية السياسية التي جنبت اليمن سيناريوهات دمار حتمي طالت بعض الدولة التي شملها الربيع العربي.. إلا أن هناك أماكن أكثر تضرراٍ من المناطق الأخف ضرراٍ والظاهرة للعيان ومن هذه المناطق حي صوفان وبني الحارث وبني جرموز وشرق الداخلية وسوق الحصبة وما جاوره من محال تجارية كانت عامرة بسوق معروف ومشهور.. وغيرها من المناطق التي أصابها دك بالمعدات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة..
وأوضح النقيب: أن إجمالي المباني المتضررة إلى الآن تتراوح بين (2000-3000) مبنى متضررة من المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة والمباني السكنية.. وهناك مبانُ لا زلنا في استكمال حصر أضرارها في بني الحارث التي كانت بعيدة ولم يستقر الوضع الأمني إلا في الآونة الأخيرة.. ونظراٍ لتأخر الحصر في بعض المناطق فقد تم اعتماد مبالغ للمتضررين في وزارة المالية لم يتم الافصاح عنها .. لكنها رْتبت كتعويضات للمتضررين وفق حجم الضرر- كبير متوسط خفيف- وهذا تصنيف لهذه الأضرار..
تقارير الحصر النهائية أوضحت تفاصيل عن الخسائر التي تكبدتها الحصبة بشكل عام على صعيدي القطاعين العام والخاص فمؤسسات الدولة تعرضت لخسائر كبيرة في المباني وبشكل جسيم فالمبنى الرئيسي لشركة الخطوط الجوية اليمنية- حسب تلك التقارير- دْمِر بالكامل والتهم الحريق كل محتوياته لتتجاوز خسائره (50) مليون دولار.. فيما دْمرِتú وكالة الأنباء اليمنية بكامل شبكاتها الخاصة بالبث والاستقبال وشبكة الرصد الإذاعي والتلفزيوني ونهب من مكاتبها نحو (450) جهاز كمبيوتر وأكثر من (180) طابعة حديثة لتتجاوز خسائرها نحو (20) مليون دولار..
المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي تكبدت –أيضاٍ- خسائر كبيرة فقد نْهبِ منها (300) جهاز كمبيوتر ونهبت كل تجهيزات وأثاث مكاتبها وأبوابها بما في ذلك الباب الرئيسي.. فيما خسرت المؤسسة العامة للكهرباء في الجولتين الأولى والثانية نحو (3) مليارات ريال.. أما وزارة الصناعة فقد نالها الحظ الأكبر من الخسائر التي تجاوزت المليارات حيث جرت اشتباكات داخلها قضت على البنى التحتية والتجهيزات والأنظمة التي بنيت لسنوات بما في ذلك المشاريع التي بنتها الوزارة بتمويل دولي بلغ (100) مليون دولار كما أْتلفت كافة الأجهزة الالكترونية والحاسبات الآلية التي تحوي الوثائق الرسمية لقطاعات التجارة والصناعة في البلد.. نفس هذا الضرر تكرر في الهيئة العامة للأراضي والمساحة والسجل العقاري والتخطيط الحضري..
المباني السكنية
المباني السكنية هي الأخرى في الحصبة وشارع مازدا وحي صوفان تضررت بشكل كبير فحسب محامي أهالي الحصبة علوي الشاطر الذي أوضح أن أكثر من (500) منزل تضررت خلال الحرب التي دارت رحاها في الحصبة حيث جرت جولة الحرب الأولى في الفترة 23/5- 3/6/2011م.. فيما الجولة الثانية جرت بين الفترة 18-26/9/2011م .. مؤكداٍ أن الضرر في هذه المرحلة اتسع بشكل كبير ليشمل مازدا وحي صوفان وما جاورهما فتضاعفت الأضرار .. وأضاف الشاطر: وأتذكر أننا كنا حصرنا من أضرار الحرب الأولى ما يعادل 70% من الأضرار من المنازل المتضررة حيث كنا قد جمعنا (480) استمارة لما يعادل 270 منزلاٍ.
موضحاٍ أن البنية التحتية للمنازل ما زالت مهدمة ولا زال أهلها نازحين واستغرب الشاطر لعدم تجاوب الدولة مع نازحي الحصبة حيث أن هناك أكثر من (50) منزلاٍ في الحصبة فقط مدمرة لم تعد صالحة للسكن وأهلها نازحون ولم يحصلوا حتى على مساعدات أو مخيمات.. ليصل عدد النازحين من الحصبة نحو ( 150 ) أسرة غير قادرة على إصلاح منازلها المدمرة..

تصوير / محمد عبدالله حويس

قد يعجبك ايضا