النضال من أجل عروبة عدن ويمنية الجنوب
أنس القاضي
تعرضت مكتسبات الحركة الوطنية اليمنية للعديد من الانتكاسات بفعل العدوانات الأجنبية وأنساق الحكم الاستبدادية المحلية، وتبقى الهوية اليمنية هي ما تبقى من مكتسبات الحركة الوطنية وهي الأهم.
ونحن إذ نتغنى اليوم بيمنيتنا، ونتحدث عن يمنية الهوية كأمر مُسلم بهِ، فإن هذا الأمر لم يكن بهذه السهولة فيما مضى، وخاصة في المحافظات الجنوبية، فقد اجترح المناضلون الأوائل عظيم المعجزات وقدموا قوافل الشهداء حتى غدت يمنية اليمن، أمر لا شك فيه، وهوية وطنية تعلو على ما دونها من الهويات.
قبل أكثر من سبعة عقود مضت كانت عدن ساحة لأعظم معركة وطنية تصدى لها اليمنيون في مواجهة الاستعمار البريطاني والتجزئة الإقطاعية السلاطينية، ألا وهي معركة الدفاع عن عروبة عدن وعن يمنية الجنوب.
نشطت مشاريع الاستعمار في تلك الحقبة إلى تكريس التجزئة السياسية، وطمس الهوية اليمنية وتلفيق هويات دون وطنية، أبرزها ما تسمى بهوية «الجنوب العربي» التي عادت اليوم لتبرز في المحافظات اليمنية الجنوبية، كردة سياسية ضالة ومضادة للتاريخ وأحد التداعيات الخطيرة لحرب صيف 94 المؤسفة.
لكنها دعوة سبق أن قضى عليها اليمنيون في ثورة الرابع عشر من أكتوبر، وإلى ما قبل عام 90 ، فالهوية السياسية في المحافظات الجنوبية هوية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهي هوية وطنية، لا صنيعة استعمارية.
دافع اليمنيون بكل جسارة عن عروبة عدن، ففي ثلاثينيات القرن الماضي كان العرب قد أصبحوا أقلية في محمية عدن، بفعل السياسة البريطانية الاستيطانية حيث دعمت هجرة الهنود والفرس والإنجليز واليهود الى عدن، وقامت بتوطينهم ليعملوا في خدمة الإدارة الاستعمارية. فكانت الطبقة العاملة اليمنية القادمة من المناطق الوسطى والمرتفعات الشمالية، تلك الطبقة المبدعة التي قامت على سواعدها عدن الحديثة، كانت هي الحامي الأول لعروبة عدن، والمدافع الأساسي عن يمنية الجنوب، وعن قضية الوحدة اليمنية فقد تشكلت الطبقة العمُالية في موانئ ومصافي عدن من كل أرجاء اليمن السعيد.
لم يتوقف اليمنيون في جنوب الوطن يوماً عن مقاومة الاستعمار البريطاني، بمختلف الوسائل، وحين عمل الاستعمار البريطاني على مشروع توطين المهاجرين من بلدان الاتحاد البريطاني، صدح صوت الشعب اليمني في غناء الفنان اليمني الكبير محمد مرشد ناجي: امنعوا الهجرة .. انها خطرة امنعوا الاجنبي من دخول الوطن يا شباب .. يا شباب اعلنوا الاضراب .. واغلقوا كل باب في سبيل الوطن
وفق نظرية فرق تسد، اعتمدت الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية على تكريس تجزئة الجنوب اليمني المحتل، إلى أكثر من 22 سلطنة وامارة، كان لكل امارة وسلطنة هويتها الخاصة وإدارتها الخاصة التابعة المرتبطة مع الإدارة الاستعمارية بمعاهدات الحماية، ولولا ثورة الرابع عشر من أكتوبر، لكانت ترسمت هذه السلطنات ككيانات هزيلة على غرار دويلات الخليج في العصر الراهن.
أسهم الرواد الأوائل من القادة السياسيين للحركة الوطنية اليمنية الحديثة، من حركة القوميين العرب والماركسيين والبعثيين، ومناضلي النقابات العمالية والمثقفين الثوريين والصحافيين والأدباء والفنانين، في معركة الدفاع عن الهوية اليمنية، ناضل الجميع بإيمان عميق بهذا الانتماء الوطني، والتعويل عليه كحامل تقدمي لهموم الشعب اليمني وتطلعاته، وفي مقدمتها الاستقلال والوحدة والديمقراطية. وفي هذا المضمار الثوري دفع الرواد الأوائل ثمنا باهظاً لتمسكهم بالمشروع الوطني، حيث رُمِيَ بهم في عتمة السجون وتعرضوا للنفي والاضطهاد.
ونجد الثبات على الموقف اليمني في فكر المناضل التقدمي عبد الله عبد الرزاق باذيب مؤسس حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي، يقول باذيب في مقاله المعنون “دفاعاً عن الوحدة اليمنية”، والذي كتبه في خمسينيات القرن الماضي:
«إن دعوتنا إلى الوحدة اليمنية ليست نزوة مؤقتة أو عاطفة غامضة ولكنها دعوة وطنية صادقة عميقة يؤكدها منطق التاريخ والمفهوم العلمي للشعب الواحد، وتفرضها الروابط الأصيلة المشتركة وضرورات الكفاح المشترك. إن الضمان الوحيد لإنجاز أهدافنا الوطنية في التحرر الوطني الكامل والوحدة هو ربط قضيتنا الوطنية باليمن الأم!…. ولإن كانت هناك أوضاع متخلفة في الشمال فهي ليست خالدة، ولا بد لها أن تتطور وتتقدم، أما الشيء الثابت والأساسي والخالد فهو وحدة شعبنا اليمني في الجنوب والشمال!…. ليس هناك يمنان، ولا جنوب ولا شمال بل يمن واحد، وشعب يمني واحد.. عاش كفاح الشعب اليمني من أجل التحرر الوطني والوحدة اليمنية، عاشت الوحدة اليمنية طريق الوحدة العربية”.