تحولت الجبال إلى محارق انتهت عندها أحلام المرتزقة بالوصول إلى صنعاء

(( الثورة )) تقتفي خطى الأبطال.. من نهم صنعاء إلى مجزر مارب

شُقَّت الطرقات إلى قمم الجبال لمحاولة السيطرة على التباب المحيطة
عربات ومدرعات ودبابات لم تمكّنها مواصفاتها الحديثة من الصمود أمام أصحاب الأرض

لطالما كانت جبهة نهم، المحيطة بالعاصمة صنعاء من الشرق، مربط الفرس الذي يحاول من خلاله أتباع ومرتزقة تحالف العدوان على اليمن، توجيه مسار المعركة نحو الطريق الذي يمكن أن يخدم مطامعهم الرامية إلى دخول المدينة وبسط السيطرة على عاصمة الثورة، هدف سعوا لتحقيقه بكل ما أوتوا من إمكانيات عسكرية وإمكانات بشرية وتحالفات دولية كان قدرها أن تتفتت وتتراخى أمام ما لاقته من مقاومة يمانية وصمود ليس له مثيل، لكن تلك الأهداف، تحولت إلى أضغاث أحلام في ليلة وضحاها، حينما دحرت طائفة من الجيش واللجان الشعبية كتائب وألوية الحلفاء إلى ما وراء مفرق الجوف وزادت قليلاً، حتى صار بإمكان عدسة الإعلام الحربي أن تلتقط صورة واضحة المعالم لمدينة مارب من على بعد كيلومترات معدودة.

الثورة / عبدالقادر عثمان

تلك النتيجة هي ما أسفرت عنها معارك الستة أيام الأخيرة التي انطلقت في يناير الماضي، بعد تصعيد جماعة حزب الإصلاح في جبهة نهم، قبلها كانت النتيجة مغايرة، إذ أن حزب الإصلاح وميليشياته التابعين لدول العدوان كانوا قد وصلوا في العام 2016م إلى معسكر فرضة نهم وتجاوزوا ذلك إلى السيطرة على سلسلة جبال يام، فيما تحوّلت جبال «القتب والمنارة وعيدة وما بينهم وجبلي رشا والمعراضة» خلال السنوات الأربع الماضية إلى مناطق اشتباكات بينهم من جهة والجيش واللجان من جهة أخرى، بحسب ما توصلت إليه خلال زيارتي أواخر الأسبوع الماضي إلى المناطق المحررة في نهم ومارب.

 

في الطريق إلى مارب ثمة حكايات عسكرية مليئة بالدهشة، تفوح منها رائحة الهزيمة والخسارة الفادحة، أبطالها مليشيات وجيش غير وطني، شخوصها بين دجال ومرتزق وعميل وشباب باعوا أنفسهم لقاء ريالات ودراهم دول العدوان فكانوا لنيران الجيش واللجان الشعبية حطبا.

على الجانب الآخر كان الحفاة من اليمنيين يتسلقون جبال نهم من جهات عدة، يحملون أسلحتهم البسيطة وإيمانهم الكبير بالله وعدالة قضيتهم، تقاتل إلى جانبهم الأرض وتسندهم الجبال، ويطلبهم العدو ليلقى حتفه.

خراب الطريق

كان الطريق مليئاً بالخراب الذي خلفه القصف المباشر لطائرات العدوان، وعلى جانبيه تركت المدرعات والآليات العسكرية الحديثة، إما تالفة أو معطوبة، ومن حولنا تنطلق سيارات المقاتلين المتينة بسرعة هائلة، فيما نحن نمضي بما أتاحته لنا سيارة رئيس التحرير من سرعة معقولة، توقفنا خلالها لمشاهدة الدمار الذي خلفه قصف الطيران والمدفعية في المناطق التي عجز الحلفاء عن الوصول إليها، وظلت صواريخهم ومدفعيتهم وطائراتهم تمطرها بمختلف الغارات صباح مساء، كما شكا لنا الأهالي الذين غمرتهم مشاعر الفرحة بنتائج المعارك الأخيرة، وألسنتهم تهتف «الحمد لله، قاهر الجبارين».

خلال الأربع سنوات الماضية، حاول الحلفاء الزحف من جبل المنارة وجبل قتب ووادي بران باتجاه مفرق أرحب الذي يتفرع منه الخط الواصل إلى جامعة أرحب، كان الوصول إلى المفرق هدف المرتزقة، يرون أن السيطرة عليه كفيلة بإسقاط صنعاء؛ إذ يمكن للطيران أن يصنع لهم غطاءً جوياً يسند زحفهم إلى أرحب ويدخلهم من شمال شرق العاصمة، غير أن الجيش واللجان حالوا دون ذلك، وتحول جبل المنارة إلى مقصلة أعدم عليها كل من حاول العبور باتجاه خطوط الموت التي هيأها المقاوم اليمني، في المنطقة ذاتها، استهدف الطيران كافة القرى المنتشرة على امتداد المدى، ما اضطر أهلها إلى النزوح باتجاه صنعاء، فيما تركت مساكنهم ومزارعهم عرضة للسلب والنهب والخراب كما شاهدناه بأم أعيننا.

بني حشيش

على الجهة المقابلة لمعسكر الفرضة، باتجاه الوادي، دارت معارك عنيفة؛ تحدثت عنها الآثار التي خلفتها المواجهات، وحجم التموين العسكري والمعيشي والعدد الهائل لمخلفات الجنود المرتزقة بجوار المساكن التي استباحوا حرمتها وأقاموا فيها بعد تخريبها، تلك المعارك كانت تهدف إلى دخول صنعاء من جهة الشرق، حيث تقع مديرية بني حشيش؛ ما يمكن أن يشكل مع الزحف باتجاه مفرق أرحب عامل قوة يسهّل سقوط العاصمة، لكن النتيجة لم تكن بهذه السهولة؛ إذ استنزف الحلفاء مقاتليهم وتحولت الجبال إلى محارق انتهت عندها أحلام الوصول إلى صنعاء واضمحلّت كافة الشعارات التي ظلت، خلال خمس سنوات وسيلة لكسب المزيد من الدعم العسكري والمالي السعودي الإماراتي.

وصولاً إلى معسكر الفرضة كان علينا المرور بمناطق منكوبة هجرها سكانها بعد أن تحولت منازلهم إلى أهداف يومية لمدفعية المرتزقة وصواريخ العدوان وطائراته، ففي سوق خلقة شواهد حية على العبث الذي مورس بحق أبناء المنطقة، وسجّل سوق القرية الشعبي جريمة كان ضحيتها العشرات من العمال وأصحاب المتاجر البسيطة، فيما تعرض مسجد القرية للدمار، ومثل ذلك قرى «بني زتر والبطنة ومسورة وغيرهم»، فيما استهدف طيران العدوان الجسور على امتداد الطريق الواصل بين صنعاء ومفرق الجوف في مديرية مجزر بمارب عندما عجزت قواته عن التقدم، حتى يقطع الطريق أمام الجيش واللجان من محاولة الزحف باتجاه قواته.

نهاية القافلة

على طول الخط الذي أوصلنا إلى مفرق الجوف وجدنا هناك عربات ومدرعات ودبابات لم تمكّنها مواصفاتها الحديثة من الصمود أمام أصحاب الأرض، فكانت أهدافاً سهلة على المقاتلين اليمنيين، كانت العشرات منها مبعثرة في مناطق مختلفة، حتى إذا ما وصلنا أسفل نقيل الفرضة باتجاه مارب شاهدنا طوابيرها متراصّة بعدد يزيد عن أربعين آلية ومدرعة ودبابة، لعل بعضها قابلة للصيانة فيما ما تبقى منها ستصبح في المستقبل مزاراً ومتحفا مفتوحا أمام السياحة المحلية والخارجية، لأخذ صورة حية عن اليمن التي اشتهرت قديماً وحديثاً بأنها مقبرة الغزاة.

إلى جانب ذلك، تتوزع معسكرات أساسية ومستحدثة للمرتزقة وقد أعطي كل واحد منهم أسلحته ومعداته وصيانته ومخازن تموينه الخاصة وتحولت القرى والمنازل إلى مراكز للقيادة ومعسكرات صغيرة، فيما شقّت الطرقات إلى قمم الجبال لمحاولة السيطرة على التباب المحيطة، وعززت المواقع العسكرية بالأسلحة المختلفة وصناديق الذخيرة وحشد العدوان ما يزيد عن 17 لواءً و20 كتيبة، كان الهدف الأول والأخير لها احتلال صنعاء، وإن اقتضى ذلك إبادة كل ما يقف في طريقهم، وهي صورة تجلت دلالتها من خلال ما شاهدناه من قرى تحولت إلى مناطق أشباح خاوية على عروشها، على عكس القرى الواقعة في مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية؛ والتي لا تزال عامرة بالحياة.

ثقة النصر

خلال الطريق قابلنا المقاتلين اليمنيين من أبناء الجيش واللجان، فكانت أعينهم تشع بالنور وهم يستقبلوننا بابتسامات الثقة، وهي ثقة نابعة من حجم الانتصار الذي استعادوا من خلاله في ستة أيام ما حققه العدو خلال خمس سنوات، كانت تلك الثقة بمثابة الوقود الذي أوصلنا إلى مفرق الجوف، حيث صادفنا إعلام الشارع وهم يرسمون شعارات النصر في جدران معسكرات مارب، وحيث لم يعد لأصوات الاشتباكات أي أثر، ما يدل على أنها أصبحت بعيدة عن المفرق باتجاه العمق، وباتت على مشارف المدينة التي وزّع الإعلام الحربي صورها مؤخراً.

في طرق العودة، توقفنا كثيراً بالقرب من بعض المعسكرات التي تركها المرتزقة وولّوا هاربين، كما عرضتهم عدسات الإعلام الحربي، حيث كان العدد الكبير للمعسكرات التي سقطت دليلاً واضحاً على حجم الهزيمة التي منيت بها قوات الحلفاء، لقد أحرقوا مخازنهم وبعض منازلهم (من الخيام) بأيديهم وأيدي المؤمنين، مستخدمين سياسة الأرض المحروقة، غير أن سرعة تهاوي صفوفهم لم تترك لهم فرصة لإحراق وتدمير كل شيء حيث تتكدّس المواد الغذائية وصناديق الذخيرة المفرغة في مخازن المعسكرات والقرى الخاوية ومتارس التجمعات الصغيرة.

وادي ملح

بالوصول إلى معسكر الفرضة، كان علينا السير في طريق وعر باتجاه الجنوب نحو وادي ملح وقرى بيت سيد والنعيمات، للوصول إلى المناطق التي استطاع من خلالها الجيش واللجان ليّ ذراع المرتزقة وإجبارهم على القبول بالهزيمة، تلك القرى المنكوبة بكل ما تركته الشواهد الحية من مآثر تحكي بشاعة الممارسات اللاأخلاقية لأتباع تحالف العدوان بحق الأهالي الذين أجبروا على النزوح، وحكايات الذين قتلهم الطيران وهم في طريق النزوح، والسيدة المسنّة التي عايشت أربع سنوات من الخوف والإرهاب والجوع من أجل نعاجها التي سلبها المرتزقة، ولنا معها وقفة في قصص تنشر على حلقات خلال الأيام القليلة المقبلة.

في ذلك الطريق المتعرج، كانت دبابات الحلفاء المدمرة متناثرة بشكل يثير الشفقة وهي تسجّل خيبات الذين هُزِموا وهم يحلمون بالوصول إلى صنعاء التي تحوّلت إلى سراب لم يجدوه، ووجدوا أنفسهم في صحارى مارب بعد أن فقدوا جبال نهم الشاهقة وما تمثّله من مناطق استراتيجية لا يمكن العودة إليها، خاصة بعد تطور القوات اليمنية والصناعات العسكرية.

لقد ترك المرتزقة جبال نهم شاهدة على ضعفهم وظلمهم وطغيانهم، بعد أن نالوا من كل شيء فيها واستخدموا كل السبل فتفرقت بهم، وأدركوا أن صنعاء بعيدة، وأن كل الطرق التي كانت تؤدي إلى صنعاء مسدودة تموت عندها كل الأحلام، فيما أصبحت الطرق نفسها تؤدي إلى مارب، في الوقت ذاته كانت أطقم الجيش واللجان تردد «الوعد بين السد والجوبة».

تصوير/فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا