الثورة/ حمدي دوبلة
بات واضحا أن دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها الأنظمة الحاكمة في الرياض والمنامة وأبوظبي” انتقلت بسرعة من الدعم المعلن والقوي لصفقة القرن التي طرحها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” رسميا في 28ينايرالماضي إلى السباق المحموم باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب .. ويرى محللون سياسيون أن الدعم الخليجي الواسع لصفقة القرن وما أنفقت من أموال طائلة هي أموال الأمة في سبيل التودد لأعداء الأمة لم تكن سوى مرحلة مبدئية لإعلان التطبيع الرسمي أو شبه الرسمي مع العدو الإسرائيلي، وكان صائب عريقات ”أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قد قال في يوليو2019م إن “الفلسطينيين هم من يدفعون ثمن التطبيع العربي ، والورشات الاقتصادية التي تعقد لدعم صفقة القرن الأمريكية” – في إشارة لورشة “المنامة” التي عقدت في يونيو 2019م التي ناقشت الشطر الاقتصادي من الصفقة- وشدد على أن “علاقات التطبيع دائما ما تكون نتائجها الكارثية على ظهور الفلسطينيين من قتل وتهجير وعنصرية وهدم منازلهم وتصفية قضيتهم العادلة ، ومازال هناك المزيد من جرائم الحرب التي ينتظر الاحتلال الضوء الأخضر لتنفيذها”.. وأنتقد “يحيى رباح ”عضو المجلس الثوري لحركة فتح ما سماه “التهافت العربي على تطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال الزيارات الرسمية للمسؤولين الإسرائيليين إلى الدول العربية ، وكانت آخرها زيارة وزير خارجية الاحتلال للأمارات”، معتبرا ذلك “تجاوزا يضر بالقضية الفلسطينية ، وخيانة لها”، كما انتقد “عبد الله عبد الله” السفير الفلسطيني السابق ، والقيادي في فتح ما سماه لهث ”بعض الدول العربية خلف التطبيع العلني مع إسرائيل”،. مؤكدا “أن كل هذه المظاهر التي تجري في العواصم العربية تضر بالقضية ، والمشروع الوطني الفلسطيني”، وقال في حديث سابق “التطبيع بكل أشكاله يدينه الفلسطينيون ، ويرفضونه جُملة ، وتفصيلا ، وعلى الشعوب العربية التحرك فعليا لمواجهة هذا الخطر الذي بدأ يسلكه حكام بعض الدول العربية”، وهاجم “نبيل شعث” مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الخارجية والدولية الإمارات حين أعلنت (إسرائيل) مشاركتها في معرض “أكسبو الدولي2020م ”المقرر إقامته في مدينة دبي ، واعتبر ذلك تطبيعا يشكل “خطأ فادحا في حق القضية الفلسطينية ، والموقفين العربي والإسلامي”.
ويقول ”محمود حلمي”المختص في الشؤون السياسية “إن التطبيع الخليجي مع دولة الاحتلال شهد تقدما غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي ، والزيارات المتبادلة على مستوى الوزراء ، والعلاقات الاقتصادية جعلت الأمريكيين يجعلون أحد أهم أدوات الصفقة (صفقة القرن) العرب أنفسهم” وفي أحدث مسلسل التطبيع الإسرائيلي –الخليجي أصدر (إسرائيل) قرارا يسمح لمواطنيها بالسفر إلى السعودية في حالات معينة.
ويبدو أن (إسرائيل )تحاول استغلال صفقة القرن المشبوهة لتوظيف دول الخليج في عملية التطبيع معها ، وفي حال حدوث ذلك ستعمل (إسرائيل) على غزو الأسواق الخليجية بالبضائع الإسرائيلية ، حيث تدرك (إسرائيل)أن القدرة الاقتصادية ، والمالية لدول الخليج يمكن أن تدعم الاقتصاد الإسرائيلي .
خطوات للتطبيع الرسمي
في منتصف فبراير 2017م وخلال زيارته الأولى إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بالآتي: “إن بلدان المنطقة العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً، وإنما ترى فيها، أكثر فأكثر، حليفاً”، أما وزير الطاقة الإسرائيلي فقد صرّح- في نوفمبر من العام نفسه- لإذاعة الجيش الإسرائيلي بما يلي: “لدينا علاقات مع دول إسلامية وعربية جانب منها سري بالفعل، ولسنا عادة الطرف الذي يخجل منها، الطرف الآخر هو المهتم بالتكتم على العلاقات، ونحن نحترم رغبة الطرف الآخر”.
وفي 27 أبريل 2018، قال بنيامين نتنياهو، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك -إن الاتفاق النووي مع إيران “قرّب أكثر من أي وقت مضى إسرائيل من دول عربية عدة، باتت اليوم أقرب إلى إسرائيل، على أساس علاقات حميمة وصداقة لم أكن أتصورها طوال حياتي، ولم يكن في مقدور أحد تخيّلها قبل سنوات”، وأضاف: “آمل أن تصل إسرائيل في يوم قريب إلى توسيع نطاق السلام، السلام الرسمي، ليتجاوز مصر والأردن ويشمل جيراناً عرباً آخرين”، وعقب الزيارة الرسمية التي قام بها، في أواخر نوفمبر من العام نفسه، إلى مسقط أصدر مكتبه بلاغاً جاء فيه: “تشكل الزيارة خطوة مهمة على طريق تنفيذ سياسة رئيس الوزراء نتنياهو الرامية إلى تعميق العلاقات مع دول المنطقة، واستغلال ما تتمتع به إسرائيل من أفضليات في مجالات الأمن والتكنولوجيا والقطاع الاقتصادي”.
وفي تصريح لاحق له، قال نتنياهو: “لقد اعتقدنا دوماً أننا سنفتح أبواب السلام مع العالم العربي بمعناه الواسع عندما نجد حلاً للقضية الفلسطينية، لكن لعل من الصحيح أننا إذا ما انفتحنا على العالم العربي وطبّعنا العلاقات مع دوله، فهذا سيفضي في نهاية الأمر إلى فتح باب الصلح والسلام مع الفلسطينيين”.
وقد رحبت المعارضة الإسرائيلية بهذا التوجه نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، إذ أعرب النائب يائير لبيد عن ترحيبه بزيارة بنيامين نتنياهو إلى عمان و”برغبة السلطان في الكشف علناً عنها”، معتبراً أن العلاقات مع العالم العربي “لها أهمية استراتيجية لدولة إسرائيل، فنحن نمثّل جزءاً من الشرق الأوسط ويتوجب على دول المنطقة أن تعي أننا هنا كي نبقى”.
وفي الجانب الخليجي، كان وكيل وزارة الخارجية البحريني قد أشار، منذ سنة 2013م، إلى “إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل”، ثم قدم وزير الخارجية البحراني، في أبريل 2016م، عبر حسابه الرسمي على تويتر نعياً للرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس، ورد فيه: “ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريس، رجل حرب ورجل سلام لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط”، وصرّح مصدر رسمي بحريني، في يونيو 2018م، أن البحرين “لا تعتبر إسرائيل عدواً”، مؤكداً أن بلده قد يكون أول بلد خليجي يقدم على إقامة علاقات دبلوماسية معها.
وكانت البحرين قد بررت في شهر مايو من العام نفسه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بذريعة أنها تستهدف الوجود العسكري الإيراني في هذا البلد، وصرّح وزير خارجيتها في تغريدة نشرها على حسابه الشخصي على توتير آنذاك أنه “ما دامت إيران تهز استقرار الوضع القائم في المنطقة وتعتبر أن في وسعها مهاجمة البلدان الأخرى كما تشاء بقواتها وصواريخها، فإن لأي بلد في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، الحق في أن يدافع عن نفسه من خلال تدمير مصادر الخطر عليه”.
ويرى يوئيل غوزانسكي- الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب -أن من بين أهداف دول الخليج الرامية إلى التقارب مع إسرائيل إرضاء واشنطن وتعزيز العلاقات معها، وأضاف: “أعتقد أن إدارة ترامب طلبت من دول الخليج، لا سيما الصغيرة منها، اتخاذ خطوات تجاه إسرائيل، وتعزيز الثقة بها”. بينما اعتبرت المؤرخة فريدريك شيلو أن دول الخليج التي أضعفها “الربيع العربي”، والمهووسة بالتهديد الإيراني باتت أكثر تبعية لواشنطن التي ترغب في أن تقوم هذه الدول بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
بينما اعتبر دنيس روس الدبلوماسي الأميركي والمستشار الرئاسي السابق بشؤون الشرق الأوسط “أن إسرائيل تعتبر في نظر الزعماء السُنَّة الآخرين بلداً ذا مصداقية في معارضة إيران وفاعلاً لا يكتفي بالأقوال بل يلجأ إلى الأعمال”، لكنه قدّر في الوقت نفسه أن هذا “الإعجاب” بإسرائيل لن يتجسد في مستقبل قريب في علاقات عامة مختلفة بصورة جذرية عن السابق.
وكان اتحاد كرة القدم البحريني قام باستضافة اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بمشاركة ممثلين عن اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، وأعلنت “الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني” رفضها هذه المشاركة معتبرة “أن قبول تدنيس وفد من الصهاينة المحتلين أرضنا وقبول التطبيع معهم بحجة أن استضافة مؤتمر الفيفا حدث رياضي عالمي مهم هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً”،بينما عقدت مجموعة تتحدث باسم شباب الخليج المناهضين للتطبيع مع إسرائيل مؤتمراً في الكويت “من أجل مناقشة إمكانيات تفعيل حملات المقاطعة في الخليج وسبل تعزيزها وتكثيفها” وبغية “توعية شباب المنطقة بالنضال العربي الفلسطيني المشترك وأهمية المقاطعة وكيفية المساهمة فيها”، كما جاء في بيان أصدرته اللجنة المنظمة.
وتنقل الصحافية نزيهة سعيد عن مراد الحايكي عضو اللجنة المنظمة للمؤتمر ومسؤولها الإعلامي قوله: “يأتي تنظيم هذا المؤتمر رداً على التوجهات التطبيعية مع العدو الصهيوني التي تشهدها المنطقة، ما يدعو لضرورة إبراز الصوت الشعبي في الخليج الرافض للتطبيع، والتصدي لمحاولات التطبيع بكافة أشكاله المباشرة وغير المباشرة، حيث تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة تجاه حماية دولنا من خطر المشروع الصهيوني وكذلك إزاء شعب فلسطين وقضيته العادلة”، كما تنقل عن مريم الهاجري إحدى المشاركات في مجموعة “شباب قطر ضد التطبيع” قولها: “نسعى لدعم القضية الفلسطينية من خلال التركيز على خطر التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم، الذي يهدد وجوده أمن كل من هم/هن على أرض فلسطين، علاوة على تهديده أمن المنطقة واستقرارها”، كما تشير إلى مقال كتبه الكاتب البحريني المعروف علي فخرو ونشر في صحيفة “القدس العربي”، تساءل فيه عما إذا كان نهج الحركة الصهيونية العدواني موجهاً “ضد شعب فلسطين العربي فقط، ومقتصراً على أرض فلسطين التاريخية المسروقة، أم انه كان ضد كل شعب عربي، وشاملاً لكل الأرض العربية؟”، معتبراً أن التبريرات التي يسمونها “واقعية وعقلانية” التي تبرر الوثوق بإسرائيل “كحليف استراتيجي لهذه الدولة العربية أو ذاك النظام العربي”، لا تصدر سوى عن “عقل معتوه”.
الدور الإماراتي
لم يعد خافيًا الانفتاح الإماراتي العريض على «إسرائيل» في كل المناحي، لكن الجديد هو ظهور إثباتات تؤكد مساعي حثيثة تقودها الدولة الخليجية بهدف إقامة تطبيع عربي واسع مع دولة الاحتلال.
ففي نهاية شهر نوفمبر 2018م، فتحت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس التشادي إدريس دبّي إلى «إسرائيل»، وإعلان إنهاء القطيعة معها، وسادت تكهنات حينها بأن السودان ستكون الدولة التالية في سلم التطبيع.
ورأى عندها محللون أن زيارة “دبّي” لـ«إسرائيل» تمت بإيعاز وترتيب من دولتي السعودية والإمارات، وبما أن الخرطوم لعبت دورًا محوريًا في انضمام إنجمّينا إلى عدوان التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، فذلك مثل مؤشرًا على أن السودان ليس بعيدًا عن هذه الزيارة، وهذا ما ظهر قبل أيام.
حيث أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الثالث فبراير 2020م، أنه ناقش “تطبيع” العلاقات خلال لقائه سياسيين سودانيين كبارًا في أوغندا.
وبحسب بيان مكتب رئيس الوزراء، التقى نتانياهو رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الذي وافق على بدء التعاون لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وتستعد إسرائيل للمشاركة في معرض إكسبو 2020م بإمارة دبي، آملة أن يساعدها هذا الحضور النادر على الإسراع في إقامة علاقات مع العالم العربي.
وتسعى إسرائيل إلى توطيد علاقتها مع الإمارات وبقية دول الخليج العربية بزعم المشاركة معها مصالح أمنية على رأسها العدو المشترك إيران.
وسمحت الإمارات في الآونة الأخيرة لرياضيين ومسؤولين إسرائيليين بالدخول إلى أراضيها كما استقبلت وفوداً وزارية وحكومية إسرائيلية متعددة.
وسيمثل الجناح الإسرائيلي في المعرض العربي كما يقول المسؤولون فرصة فريدة لتسريع عجلة تطبيع العلاقات والتواصل مع العرب العاديين.
وفي تصريح له قال اليعازر كوهين مؤول المعرض في وزارة الخارجية الإسرائيلية “القيمة المضافة في هذا المعرض بالنسبة لنا هو الزائر العربي والمسلم”.
وأشار كوهين إلى أن الوجود الإسرائيلي في دبي سيثير ضجة كبيرة، مضيفًا أن المشاركة الإسرائيلية لن تمس السياسة لأن الجناح الإسرائيلي سيركز على ما تقدمه «إسرائيل» عوضًا عن ذلك.
ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو جناح المعرض الإسرائيلي كجزء من “التقدم المستمر للتطبيع مع الدول العربية”.
وقال المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد إن الوجود شبه الدبلوماسي للجناح الإسرائيلي في دبي هو واحد من عدة تطورات لها تأثير تراكمي.
ولفت غولد إلى أن المسابقات الرياضية وافتتاح ممثلية إسرائيلية لدى المنظمة الدولية للطاقة المتجددة في العام 2015م، ومقرها إمارة أبو ظبي، معتبرًا أن هذا ليس تطبيعًا؛ لكنه تعزيز للوجود الإسرائيلي.
وأوضح المدير العام السابق أن دول الخليج العربية لم تفقد الاهتمام بالقضية الفلسطينية؛ لكنها في الوقت نفسه تبحث عن مصالحها، بما في ذلك تعزيز التعاون الأمني مع «إسرائيل» في مواجهة التهديد الإيراني المشترك.
Prev Post
قد يعجبك ايضا