مطار صنعاء تحت الإقامة الجبرية
عبدالملك سام
بمجرد أن تدخل المطار وتجده خاويا، ترى بعيني الخيال ذلك الزحام الذي كان يملأ المكان منذ أعوام.. هناك العيون المملوءة بالدموع وهي تودع من سيسافر، وهناك عيون تترقب عودة الأحبة الذين سافروا قبل مدة، وهناك الوجوه المتجهمة التي تنتظر عودة توابيت الموتى، وهناك الوجوه الشابة التي تنتظر صديقاً عائداً من الغربة بعد طول غياب، وهناك الوجوه المتعبة التي تنتظر القادمين لحمل الحقائب مقابل بعض ما يجود به القادمون.. باختصار كان المطار يمثل حياة صغيرة لا يدركها إلا من ذهب هناك، وبمجرد أن تخرج تحس بأن كل شيء تغير.
اليوم لا شيء من ذلك.. تحس بغصة في حلقك وأنت ترى من تبقى من موظفين وعمال وهم يبذلون جهداً غير طبيعي للحفاظ على كل شيء جاهزا، وكأنما هم يرفضون ما وصلت إليه أحوال المطار، او انهم يرفضون أن يقروا بحقيقة أن المطار متوقف دون مبرر سوى الرغبة السادية لدى النظامين السعودي والأمريكي بقتل حياة اليمنيين بأي شكل.. لا نشاط هنالك سوى وقت وصول طائرات الأمم المتحدة القليلة والتي اقتصر نشاط المطار على خدمتها فقط، وعادة يأتون ببعض الادوية وأحيانا بطانيات أو عدد من أكياس الدقيق الذي عافته الأسواق وخاف المسؤولون في الأمم المتحدة ان يفسد قبل ان يقبضوا ثمنه.
كان المطار ومازال يعمل رغم العدوان، فالمرضى كانوا يرونه كبصيص أمل لا يملكون بديلا عنه في بلد يعاني من تدهور المنشآت الصحية لعقود من الزمن بسبب الفساد والظلم، فلا طب ولا امكانات ولا ادوية، لقد دمر العملاء اليمن لعشرات السنين وأهلكوا الحرث والنسل، وجاء العدوان ليكمل المهمة.. كان يجب أن يتركوه مفتوحا لفترة! لماذا؟! لأن هناك استنزافاً للعملة الصعبة اولا، وخروجها سيؤدي تدريجيا لضعف اقتصاد البلد، أما ثانيا فهو أن المرتزقة في الخارج كانوا في انتظار أسرهم وسكرتيراتهم ومن يهمهم أن يلحقوا بهم بما خف وزنه وغلا ثمنه طالما مازال لديهم “معاريف” يؤمنون خروجهم.
كانت الإجراءات مجحفة ومهينة، وكان لا بد لأي طائرة تقلع أن تتوقف في مطار “بيشه” ليتم إنزال كل الحقائب وتفتيشها، ومن ثم استجواب الركاب خاصة الذين ينتمون لأسر معينة، وتتم عملية تفتيش الركاب والحقائب الشخصية وحتى المرضى منهم، وبعد هذا كله يجب أن تمكث الطائرة لمدة غير محددة حتى يأذن الموظف السعودي بالإقلاع، وطاقم الطائرة يحاول جاهدا أن يجعل الأمور تسير بهدوء من جهتين، فعليهم ان يهدِّئوا المسافرين الغاضبين من جهة، وأيضا تهدئة عسكر العدوان الذين يبحثون عن أي ذريعة لتعود الطائرة أدراجها لمطار صنعاء.
اليوم.. المطار متوقف بدون مبرر في مخالفة لكل الأديان والثقافات والقوانين الإنسانية، وفي ظل صمت دولي ملعون ومتواطئ.. المرضى يعانون بصمت في انتظار مؤلم لأي بصيص أمل قبل أن يفتك بهم المرض، وهم لا يسمحون لليأس أن يتسلل لقلوبهم لأن معنى ذلك الموت.. ومازال العالم كله يتفرج على المأساة دون اكتراث بحالة هؤلاء التعساء، بعض المنظمات – وهي قليلة – أخذت على عاتقها رفع الصوت ليعرف المجتمع الدولي المضلل بالمأساة على أمل أن يتحرك أحد، ولكن هذا لا يكفي، يجب علينا جميعا أن نتحرك بالوسائل المتاحة، يجب أن نجعل جزءاً من وقتنا في سبيل إيصال مظلومية هؤلاء، ويجب أن نعتبرهم من أهلنا.. معظم الناس في الخارج لا يعرفون ما يجري، وهناك من سيتحرك بمجرد ان يعرف فالنظام السعودي يمتلك اسوأ سمعة في العالم..
لا تقل ماذا يمكن لهذا المجهود أن يفعل، فإذا ما كان العمل جماعيا فلا بد ان يكون مؤثرا، هناك حملات داخلية بدأت هذا النشاط مبكرا وتحتاج للتفاعل معها، أما العالم الخارجي فيمكن أن يتفاعل لسببين، اولهما أن هناك من سيتفاعل من باب الإنسانية وفي الغرب هناك منظمات مدنية لها تأثير إيجابي في هذا الملف، أما البعض الآخر فإنه سيتفاعل لأن له مصلحة من ذلك بسبب أنه على عداء مع النظام السعودي، وهم كثر بالمناسبة فهذا النظام قد حاز على أسوأ سمعة في التاريخ بسبب إجرامه ووحشيته وغبائه.. لذا يجب أن نتحرك بوعي وصدق لاعتبارات عدة أهمها أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ونحن على الحق لذا فالله معنا ولن نخيب طالما نحن لم نسكت ونتحرك جميعا بوعي..