خطة أمريكية جديدة لمواجهة محور المقاومة
إيهاب شوقي*
بين الترقب الحذر لدول العالم التي تعرف القراءة السياسية وتتمتع بمشاريع حقيقية جادة للأمن القومي، وبين دول أخرى لا تكاد تفقه في الأمن القومي قولا، تتصاعد حدة المواجهة الدولية والاقليمية في منطقتنا وتتغير تكتيكاتها.
تعرف جيدًا الدول الجادة خطورة الصراع، بينما هناك دول في وطننا العربي تبدو وكأنها مغيبة، ولا تفصل بين مصالحها الاستراتيجية وخياراتها التكتيكية الخائبة التي ألقت بأوراق رهانها كلها على العدو الصهيو – امريكي.
ويبدو أن هناك دولًا عربية لم تصدق بعد أن هناك مرحلة جديدة قد افتتحت في المواجهة بين أمريكا ومحور المقاومة، ولا تزال تلعب لعبتها التقليدية في التبعية العمياء وتشويه المقاومة وتسفيه خطابها ومصداقيته.
والعجب هنا، هو أن هذه الممارسات من قبل كانت تحدث إما طمعًا في استرضاء الامريكي والصهيوني، أو خوفًا من بطشه. واليوم وبعد المستجدات الأخيرة اتضح أن العدو ليس له لا جزرة ترجى ولا عصا تخيف، فالسؤال على الرهان يخرج من دائرة التصور البرغماتي الخالي من المبادئ، الى دوائر أخرى مثل الجهل أو السكرة أو الحقد الاعمى!
والشاهد هو أن هناك ملامح بدأت في التشكل لتعاطي الولايات المتحدة و”اسرائيل” وذيولهما مع المرحلة الجديدة، ويمكن رصدها من تواتر التقارير الامريكية والصهيونية ذات الصلة بالاستخبارات ومراكز الفكر، ومدى التقارب الواصل للتطابق، واتساق ذلك مع بعض التطورات على الارض والانعكاسات على بعض الممارسات العربية، ونحاول هنا العرض بإيجاز شديد:
أولا: هناك تواتر للتقارير الامريكية الخاصة بمراكز الفكر، في شكل توصيات للإدارة الامريكية بشأن التعامل الأمثل مع إيران ومحور المقاومة، بعد المواجهة الاخيرة التي اثبتت عدم جدوى الحل العسكري. ولعل الجمع بين هذه التقارير يمكن ان يتركز في نقاط رئيسية. وليس مصادفة ان مركزا بحجم مركز الدراسات الاستراتيجية csis)) والذي يعد أحد أهم مراكز الفكر الامريكي قد لخص هذه النقاط:
* منع إيران من أن تصبح قوة مهيمنة إقليميا، قادرة على السيطرة على دول أخرى في الشرق الأوسط.
* وقف الانتشار النووي في المنطقة و”منع إيران من تطوير أسلحة نووية”، بما في ذلك منع إيران من متابعة تخصيب اليورانيوم المستخدم – حسب زعمهم – في صنع الأسلحة وتطوير الرؤوس الحربية وإعادة معالجة البلوتونيوم.
* كبح “التوسع الإيراني” السياسي والإيديولوجي الكبير في المنطقة، بما في ذلك “تصدير” الإيديولوجيا الثورية الإيرانية، على حد تعبيرهم.
* تشجيع عملية التغيير داخل إيران نحو نظام سياسي واقتصادي أكثر تعددية يتم فيه تخفيض سلطة المؤسسة الدينية تدريجياً.
ثانيا: التقدير السنوي للاستخبارات العسكرية الصهيونية “امان” لعام 2020، يكاد يتطابق مع التقديرات الامريكية، حيث أشار تقدير الموقف الى نقاط رئيسية هي:
* يزعم التقرير أن بإمكان إيران أن تصنع قنبلة نووية خلال عامين، إذا ما أرادت ذلك، وعززت من مشروعها النووي بقوة.
* أن “سوريا ستظل أرضا خصبة للقتال عبر الحدود ، وستواصل تركيا احتلال الأراضي وستواصل روسيا تعزيز وجودها في سوريا”.
وأشارت التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية إلى أنه “سيُطلب من حكومة الرئيس بشار الأسد خلال السنة الجارية اتخاذ قرار بشأن الوجود الإيراني في بلاده”.
* على صعيد الوضع في لبنان، فمن المرجح أن “يستمر عدم الاستقرار السياسي نتيجة للمشاكل الاقتصادية وستستمر الدولة في بناء قوة متقدمة ضد إسرائيل”. ويفيد التقرير بأنه “سيُطلب أيضا من لبنان تحديد موقفه بشأن التأثير الإيراني ومستقبل مشروع الصواريخ الإيرانية الدقيقة الذي يجري على أراضيه”.
وقبل مناقشة الشواهد التي تمثل تطبيقات لهذه الأفكار بما يؤكد أنها بدأت على الارض، من المهم أن نشير الى تطابق تصريحات ترامب ونتنياهو بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
إننا أمام عدو يئس من المواجهة العسكرية لعلمه بقوة المحور، وحسم أمره باستهداف جبهات المقاومة ودولها بوسائل أخرى، بعضها ليس جديدا، وربما يعد وسائل مستحدثة، على رأسها حلفاؤه من الاعراب والذين علت لهجة الصراع (العربي الفارسي) لديهم، وهناك معلومات مؤكدة عن تمويلات جديدة اخترقت بعض الحركات، فغيرت لهجتها التي كانت مساندة للمقاومة، وبدأت تتحدث عن (طائفية المقاومة)!
ربما يظن كل هؤلاء أن محور المقاومة سيقف صامتًا يتلقى لكمات متنوعة، ولا يعلم هؤلاء أن المحور أعلن تدشين مرحلة إنهاء الوجود الامريكي، وهو لا يتاجر بالشعارات وإذا وعد وفى، والصبح ليس ببعيد.
* كاتب مصري