يظل يوم السابع من يوليو 1994 سيظل محفورا◌ٍ وراسخا◌ٍ في الذاكرة الوطنية¡ كيوم مجيد وخالد انتصرت فيه إرادة الشعب اليمني لقيم الخير والوحدة والمحبة والسلام¡ على دعاوى الجهالة والفرقة والتشرذم والتجزئة والارتداد. حيث أكد الشعب اليمني بتلك الملحمة العظيمة على جملة من الحقائق الثابتة والراسخة التي لم يفقهها طابور العمالة والتآمر والارتزاق ممن حملوا معاول الهدم وسولت لهم أنفسهم المريضة والعليلة الخروج على وحدة الصف والتمرد على الإجماع والثوابت الوطنية¡ وإعلان الحرب على الوحدة مقابل ما استلموه من المال المدنس والحرام¡ على حساب دماء الشهداء والجرحى الذين سقطوا جراء تلك المؤامرة الدنيئة والخبيثة. ومن أهم تلك الحقائق التي تجلت ملامحها في هذا اليوم أن الوحدة بالنسبة لهذا الشعب تمثل قدره ومصيره وحتمية وجوده¡ وأنها وجدت لتبقى¡ وأن من يراهن على النيل منها أو المساس بها سيلقى نفس المصير الذي كان مآل من تآمروا على هذا الإنجاز¡ وخططوا وراهنوا على إسقاطه فسقطوا هم في مزبلة التاريخ ومهاوي الخزي والعار¡ فيما ازداد الإنجاز الوحدوي شموخا◌ٍ وصلابة وقوة ومنعة. ومع أن درسا◌ٍ كهذا كان كافيا◌ٍ لكي تستوعب عناصر الخيانة والعمالة والارتداد أن مراهناتها البائسة القديمة والجديدة محكوم عليها سلفا◌ٍ بالفشل الذريع كونها تتصادم مع إرادة الشعب التي هي من إرادة الله القائل في محكم كتابه “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” صدق الله العظيم. إلا أن من تشرب العمالة وأدمن الخيانة والارتزاق وألف العيش في مستنقعات الذل والحقارة يصعب عليه العودة إلى طريق الرشد والصلاح والتوبة والأوبة بعد أن أعمت العمالة بصره وبصيرته¡ ليضل السبيل في الدنيا والآخرة ومصيره جهنم وبئس القرار. ويستحيل على من استوطنت في نفوسهم كل تلك المساوئ أن يستفيدوا من تجاربهم وأخطائهم وخيباتهم وانتكاساتهم المريرة¡ وها هي نفس الوجوه القديمة الجديدة الكالحة تطل علينا من جديد بقرونها الشيطانية بنفس تلك الأساليب والسيناريوهات للتآمر على الوحدة وأمن واستقرار الوطن¡ ومن زوايا مختلفة مستخدمة شتى أنواع الخديعة والمكر والوسائل الدنيئة¡ دون إدراك من هذه الحفنة أن أجندتها الخفية والظاهرة صارت مكشوفة أمام كل أبناء الشعب اليمني وأن مكرهم سيرتد إلى نحورهم وأنهم ومهما أنفقوا من الأموال الحرام التي سبق وأن سرقوها من خزينة هذا الشعب بغية إغواء بعض الحمقى والمغرر بهم والسذج ودفعهم إلى إثارة الفوضى والقيام بأعمال الشغب والترويج لثقافة الكراهية وزعزعة الأمن والاستقرار¡ فإنهم لن يفلحوا في الوصول إلى مراميهم وغاياتهم الدنيئة وسيكون لهم هذا الشعب بالمرصاد¡ وسيلقنهم الدرس تلو الدرس حتى يعلموا أن الله حق وأن الوحدة حق¡ وأن الحق حق والباطل باطل¡ وأن هذا الشعب الذي يتآمرون عليه هو اليوم أقوى من أي وقت مضى ولن يتخلى عن واجباته في الذود عن وحدته وثوابته ومنجزاته وحقه في العيش الكريم والآمن والمستقر مقتديا◌ٍ بمسار أجداده¡ الذين انطلقوا من أرض اليمن الطهور حاملين مشاعر الهدى والتغيير ليضيئوا بها الآفاق¡ فاستحقوا شهادة رسول البشرية الكريم الذي قال فيهم “الإيمان يمان والحكمة يمانية”. وليس غريبا◌ٍ أن يستهدف شعب ووطن يحمل كل هذه الصفات من حفنة مأجورة وعميلة احترفت الارتزاق والتآمر والخيانة والمتاجرة بالقيم والمبادئ¡ فذلك ديدنهم على الدوام¡ فقد تدثروا بالفكر الماركسي الشيوعي إبان الاتحاد السوفيتي المنهار فتمترسوا خلف هذا الفكر من أجل التنكيل بالناس وسحل العلماء وتصفية رموز الفكر والثقافة والأدب الذين يخالفونهم الرأي¡ وحينما سقطت هذه النظريات هربوا بجلودهم إلى الوحدة وتقمصوا ثوب الوطنية¡ وحينما وفرت لهم الوحدة فرصة النجاة انقلبوا عليها وأعلنوا العداء لها وسعوا إلى الارتداد عنها وعندما فشلوا وسقطت مؤامراتهم وتكسرت على صخرة التلاحم الوطني الذي شكل السياج المنيع والدرع الواقي للوحدة¡ استكانوا لبعض الوقت¡ لمجرد التقاط الأنفاس وهاهم يعودون من جديد يمارسون نفس اللعبة القذرة التي لن يجنوا من ورائها سوى الندامة والخسران المبين. وليعلم هؤلاء ومن لف لفهم الذين يتآمرون على اليمن والأمة أن كل مخططاتهم هي أعجز ما تكون من أن تنال من صلابة هذا الشعب وتلاحمه¡ وأنه يستحيل للخفافيش التي تعيش على مص الدماء أن تطال من هامات هذا الشعب الأبي ووحدته المظفرة التي أتحدت في ظلها إرادته وآماله وتطلعاته وصارت هي أداته للحفاظ على هويته وذاته الحضارية وتراثه التليد وأصالته الضاربة في أعماق التاريخ وبوصلته وهو يشق الطريق باقتدار نحو الغد المشرق والمستقبل الأفضل. وفي ملحمة السابع من يوليو عام 1994م عظة لمن يتعظ وعبرة لمن يعتبر.