زوجات يشتكين من تسرع أزواجهن بيمين الطلاق وعلماء يحذرون من عاقبتها !!

تحقيق / أسماء حيدر البزاز –
غياب التوعية الدينية والتسرع والغضب واللامبالاة من أسباب الظاهرة
يمين الطلاق أو الحلف بالطلاق ظاهرة أخذت مؤخراٍ بالتفشي والانتشار بين أوساط المجتمع لأمور ما أنزل الله بها من سلطان, بعبارات ظاهرها اليمين وعاقبة تؤدي إلى دمار الأسرة وتفككها وفك الارتباط الأسمى علاقة إنسانية كرمها الإسلام وأعطى لها قدسيتها… فمتى يقع الطلاق ومتى يغدو يمينا هذا ما سنعرفه في زمام التحقيق الآتي.
العديد من الزوجات تعالت أصواتهن شاكيات جراء ما يقدم عليه أزواجهن بالحلف بيمين الطلاق على كل كبيرة وصغيرة حتى أصبح يمين الطلاق روتيناٍ يوميا عند الكثير من الأزواج متغافلين أو غير مبالين بخطورة ذلك وتداعياته على الكيان الأسري والمجتمعي ككل, وبهذا الصدد تقول لنا أم إسراء غالب- ربة منزل: والله لم أعد أدري أما زلت على ذمة زوجي أم أنني لم أعد أحل له من كثر ما يحرم ويطلق في اليوم الواحد مائة مرة!!
وأوضحت قائلة: فإذا خرجت من المنزل لزيارة أهلي, يقول إذا تأخرت إلى بعد صلاة المغرب أنت طالق, وإذا دعاني ولم أنتبه لمناداته يقول أنت طالق إذا طنشت صوتي وإذا شاهد الأطفال الصغار يزعجونه بلعبهم يقول علي الطلاق بالثلاث إذا لم تهدئيهم الآن صار الطلاق عنده كشربة الماء فأحيانا أستطيع تنفيذ أمره وأحيانا كثيرة أعجز عن ذلك, فأفتوني في أمري!!
لا حياة لمن تنادي
وربما حال أم إسراء لا يختلف كثيرا عن آية العشي – موظفة والتي تساءلت قائلة: ما علاقتي أنا بمشاكل زوجي مع أصدقائه حتى يحرم ويطلق عندما يجاريهم في أي موضوع أو يختلفون حول مسألة ما فزوجي للأسف الشديد يحلف بعلاقتنا الزوجية حتى لو كان كاذبا وقد نصحته وأخبرته مرارا بأن هذا إثم عظيم ولكن لا حياة لمن تنادي!!
محمد شليح – أعمال حرة: أنا أعمل في محل والدي للأقمشة والملابس الجاهزة وما يؤلمني حقا أنه إذا جاء زبون لشراء أي سلعة في المحل يرمي والدي يمين الطلاق بأنها بعشرة آلاف شراء مع أن سعرها الحقيقي لا يتجاوز خمسة آلاف ريال وهكذا حاله فقلت له يا والدي: اتق الله في نفسك وفينا فاشتط غاضبا وقال: التجارة شطارة يا ولدي وأمك في البيت لم يصبها أي مكروه!!
وأما سلطان بن سليمان – موظف: أحيانا أحلف يمين طلاق على زوجتي بغرض تأديبها لا أقل ولا أكثر وأحيانا في ساعة غضب!!
حكم الحلف بالطلاق
طرحنا هذا الموضوع الهام على عدد من العلماء والدعاة فجاء الرد من الشيخ عبدالحميد القانص: ذهب جمهور الفقهاء أن من علق طلاق زوجته على أمر وتحقق ما علق عليه طلاقها وقع الطلاق وهنا يقول الكثير من الأزواج نحن لم نقصد الطلاق بقدر ما ننوي منع الزوجة عن أمور لا نرضاها أو من باب النصح والإرشاد لا المراد الطلاق ولهذا أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الطلاق في هذه الحالة لم يقع لأن الحلف جاء لغرض آخر ويتوجب إخراج كفارة يمين.
وحذر القانص من حرمة الحلف بغير الله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “من كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر”
بوابة الضياع
من جهته يقول الشيخ مصطفى الريمي: الحياة الزوجية علاقة مودة ورحمة وتفاهم علاقة مقدسة متينة الروابط لما فيها الحفاظ على استقامة الأسرة والمجتمع لا ينبغي التهاون بها أو التقصير والإفراط في الحفاظ عليها ولهذا فإن أبغض الحلال إلى الله هو الطلاق لما يترتب عليه من التفكك وضياع الأبناء ليغدو بعد ذلك الطلاق سهل التناول والتلفظ عند البعض فذاك يطلق زوجته ليقنع فلانا برأيه وذاك في البيع والشراء وذاك يحلف بالطلاق من أجل مسلسل تلفزيوني أو مباراة حتى وصل الأمر إلى قمة الاستهتار من قبل البعض فالطلاق لم يأت ليكون يمينا وإنما اليمين بالله.
وأوضح قائلا: وكما بين لنا السلف الصالح أن الحلف لا يكون إلا على وجهين الأول: أن يحلف بالله تعالى فإذا قال: والله لأفعل كذا أو لا أفعل كذا انعقد يمينه وإذا خالف فيه لزمته الكفارة وإذا حلف بما يترتب عليه التزاماٍ لله تعالى كما لو قال: إذا لم أفعل كذا فعلي مائة ألف درهم صدقة لله أو لأحج ماشياٍ أو لأصوم ثلاثة أشهر أو أربعة انعقدت أيمانه وإذا حنث فيها لزمته الكفارة ومن العلماء من لم يجز مثل هذا الحلف ويراه حلفاٍ غير صحيح لأنه حلف بغير الله فلا يعتد به.
والوجه الثاني: أن يحلف بغير الله كالحلف بالملائكة أو الأنبياء أو بالأولياء ونحوهمº فهذا حلف بالمخلوق لا ينعقد ولا يعتد به وليس على الحالف كفارة لأن الحلف فاسد في أصله لقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) وقوله : (من كان حالفاٍ فليحلف بالله أو ليصمت) .
في المذاهب الأربعة
في مذهب الإمام أبي حنيفة أن الحلف بطلاق ونحوه تعتبر فيه نية الحالف ظالماٍ أو مظلوماٍ إذا لم ينو خلاف الظاهر فلا تطلق زوجته لا قضاء ولا ديانة بل يأثم لو ظالماٍ إثم الغموس ولو نوى خلاف الظاهر لكن تعتبر نية ديانة فقط فلا يصدقه القاضي بل يحكم عليه بوقوع الطلاق إلا إذا كان مظلوماٍ.
وفي مذهب الإمام مالك من حلف بالطلاق أو غيره ألا يفعل شيئاٍ ثم فعله عامداٍ أو ناسياٍ حنث إلا إن أْكúرهِ أو غلب أو فاته من غير تفريط وعند المتأخرين من أصحاب المذهب أن الطلاق لا يقع بالحلف به.
وفي مذهب الإمام الشافعي قد تحمل الأيمان بالطلاق على العرف وقالت طائفة من أصحاب المذهب: لا يقع الطلاق وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد.
وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الألفاظ التي يتكلم بها الناس في الطلاق ثلاثة أنواع هي: صيغة التنجيز: كقول الرجل لزوجته: أنت طالق أو مطلقة فهذا يقع به الطلاق وصيغة القسم: كقول الرجل: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا أو لأفعل كذا فهذا يمين باتفاق أهل اللغة والفقهاء والعامة.
فما له من مكرم
من جهته يقول الشيخ أحمد عثمان الطيب: أمرنا الله سبحانه وتعالى بتجنب الحلف باليمين في كل حال وموطن لما قد يستسهله البعض وتغدو عادة على ألسنتهم في الحلف على الحق أو ما دونه لقوله تعالى الإجابة: (وِاحúفِظْواú أِيúمِانِكْمú) فكيف بأولئك الذين يحلفون بغير الله فيحللون ويحرمون بين لحظة وأخرى بأمور الطلاق وفك الارتباط بدون مبالاة ولا إدراك لفداحة ما أقدموا عليه أو أولئك الذين تستهويهم عقولهم في لحظة غضب فيضربون بيمين الطلاق في أمور ما أنزل الله بها من سلطان كمنع الزوجة من زيارة أهلها وأقاربها أو منعها من الخروج من المنزل تحت أي ظرف كان أو تجده يقول لزميله علي الطلاق بالثلاث إن لم تتناول وجبة الغداء اليوم عندي وغيرها من الترهات التي إثمها وعواقبها أعظم من الموضع الذي قيلت فيه ومن يهن الله فما له من مكرم فإذا كان الحلف بغير الله حرام فما بالك بيمين الطلاق!!
وأوضح الطيب أن من حلف لغرض التحريم والمنع يجب عليه حينها كفارة يمين وهي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .

قد يعجبك ايضا