الدولة بين الغاية المحلية والدور الأممي!!

 

يحيى محمد الربيعي

الدور الذي تمارسه الأمم المتحدة في مهمتها في اليمن, أيا كان, يظل حضوره ثانويا لا يحقق سلاما على الواقع.. فما على الارض هو عدوان لا تنفك عقده بغير القوة.. والقوة لها خلفيات لا بد من توافرها لصناعة النصر.. خلفيات تتمثل في قوة الإيمان والثبات.. الإيمان بقضية هي الدفاع عن الأرض والعرض والثبات في ميادين الشرف والكرامة.
اليمنيون “صمدوا- وقدموا تضحيات وسطروا بطولات في معركة هي الأكبر على وجه الأرض بقوة الإيمان بالله والاعتماد عليه والثقة بوعده بالنصر”.. وهذا ما أكد عليه السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في كلمته التي ركز فيها على الهوية الإيمانية حيث قال: إن “امكانيات العدو الهائلة فشلت أمام ما يمتلكه الشعب اليمني من رصيد اخلاقي ومعنوي.
وهذا هو الثبات الذي أكد السيد القائد – حفظه الله – خلال كلمته على أهمية رعايته وتقوية أواصره بتعزيز الوعي الإيماني ونشر الثقافة المجتمعية في معركة التصدي لكل ما قد يتعرض له شباب الأمة من مؤامرات تفكيكية تعمل قوى الشر ليلا ونهارا على فرضها من خلال وسائل التضليل والاغواء بغرض السيطرة على عقول المتهافتين على بهرجات الحضارة الغربية المتجردة في أغلب تفاصيلها من القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.
كلمة عظيمة في محتواها غزيرة في معانيها وما تحمل من دلالات أكدت في إشاراتها الضمنية على أن “السيف والقلم” شريكان لا ينفصمان عن بعضهما في تحقيق العدالة, وهما سلاحان لا غنى لأحدهما عن الآخر في فرض “أمر واقع” هنا أو هناك.. وعلى أن “الغاية” هي القاسم المشترك بين الشريكين, ولا يمكن لغيرها أن يحتل منطقة وسطى بينهما.. فالغاية تمتلك المقومات كاملة.. وهي وحدها من يمثل إرادة أمة في تحقيق أي إنجاز في مضمار الصراع على “السلطة والثروة” أو في مهمة “بناء الدولة”.
لقد أشار إلى أن “غاية” بناء دولة نظام وقانون وفق “عقد اجتماعي” توافقي بالتكامل الأفقي بين المكونات الفاعلة.. عقد يرسي مبادئ العدالة في القيمة الإنتاجية, والمساواة في القيمة الإنسانية, وحرية الابداع والكسب والتصرف تنهض بالأمة من صفر وجود إلى قمة الحضور التاريخي.. وانحراف “الغاية” إلى اعتبار “الدولة” وسيلة للثراء أو الاستكبار في الأرض فإنها “الهاوية”, وما أدراك ماهي؟.. إنها “الفوضى والحروب” في دمار الوجود الحضاري؟!.
متسائلا في الكثير من أحاديثه وكلماته الإرشادية عن غاية ” بناء الدولة”: هل تتحقق بانتظام المجتمع المحلي ضمن نسيج المجتمع الدولي ومنظومة الأمم المتحدة على وجه الخصوص, وفي اطار الانتماء السياسي والإنساني أم بالتمرد والخروج عن دائرة المجتمع الدولي ورفض الآخر مطلقا؟ أم أن هناك خيارات أخرى؟.
ويجيب السيد القائد في تعليقاته المتكررة على دور الأمم المتحدة في النزاعات بما فحواه: خطاب الأمم المتحدة عن تموضعها السلطوي العالمي كممثل للأبوية السياسية الراعية للأمن والسلام الدوليين والمتبنية- حسب زعمها- حقوق الإنسان, وحق الشعوب في الحرية والديمقراطية والاستقلال والسيادة.. خطاب سرعان ما يتخلى عن ذلك الدور الأبوي الحامي والحاضن ليسقط في بؤرة التناقض والتقلب على ذاته في المفاهيم والأخلاق والقيم السياسية.
فتناول ملف قضية- والحرب في أي من المجتمعات المحلية, تحديداً- قد يحول الدور الأممي من “راع للسلام” إلى “طرف ثالث” محايد يتعاطى الصمت, وفي أحسن الأحوال يمارس القلق المتواطئ في حضور مفرغ من كل معاني ودلالات الانسانية والقيم والمبادئ والأخلاق.. حضور يرسم مشهدا مفتوحا من التنصل عن الالتزامات الانسانية تجاه المجتمعات المحلية.. تنصل عن موقعها الأبوي والسلطة المركزية والسياسية في فض النزاعات وإحلال السلام.
وحضور يمتاز بالتنكر لقوانين ومواثيق ولوائح وأعراف تعهدت من خلالها الامم المتحدة بحماية شعوب العالم والارتقاء بها على كافة المستويات.
تعليق يتضمن في فحواه معاني ودلالات بهذا الحجم من اللامبالاة التي تمارسها الامم المتحدة يطرح عليها سؤالاً مهماً عن هوية غياب دورها الراعي للسلام العالمي, وهو سؤال لا شك سيحصر إجابتها في زاوية ضيقة لا تتعدى خيارات:
– القيام بدور حقيقي في الدفاع عن إرادة الشعوب في فض النزاعات بصيغة عادلة تضمن التعايش والشراكة بين مختلف الأطياف.
– أم إعلان العجز التام عن القدرة على تطبيق ما تدعيه من قوانين وحماية وما تتشدق به من اعلان للحقوق والحريات, وترك الشعوب تقرر مصيرها بالوسائل الممكنة والمتاحة لديها.
صحيح أن سفينة الأمم المتحدة لا تجد أمامها من شاطئ يمكنها أن ترسو عليه سوى الحياد, ولكنها لا تمارس في خيارها الحياد المشروع بقدر ما تستغل هذا المسار لتمرير غاية من يقف خلفها في إطالة أمد النزاع في اليمن من خلال رعاية مفاوضات وحوارات ذات طابع إفراغي يعطل أي تقدم على أرض الواقع من شأنه ترجيح المعادلة لأي من طرفي النزاع وكأنها- أي منظمة الأمم المتحدة – عبارة عن مكتب دعاية وتسويق لدى شركات ومصانع التسليح في العالم لا أكثر.

قد يعجبك ايضا