محمد ناجي أحمد
من المفارقات السوداوية أن تجمع الإصلاح على المستوى القاعدي هو الأوسع تحشيدا للمستضعفين، وقياداته تعالج قضاياهم بالشفقة والإحسان، والتمويلات الجزئية التي تمدد من عبوديتهم..
عندما يتحول المستضعف إلى وكيل للطغاة فهو ليس أكثر من كرباج ؛ لا يحرر طبقة اجتماعية وإنما يزيف المسار ويؤبد العبودية!
الحديث عن الارتزاق والعمالة صار كوميديا سوداء، ومليئا بالمفارقات السمجة، ليس أكثر من شبيه لثنائية:(الطب الحلال) في إزاحته وإدانته لـ(الطب الحرام).
علاقة الإخوان المسلمين في اليمن منذ عقد السبعينيات وإلى اليوم بالسعودية علاقة تمويل من فائض البترودولار ،باندماج (البترودين) وتوجيهه نحو هدف إسقاط مشروع القومية العربية، ومحاربة ما سُمي بالمد الشيوعي، ثم استمرت الوظيفة والدور في مواجهة كل توجه ثوري في المنطقة يتحرك نحو استعادة السيادة ،والقرار السياسي.
هي علاقة تنفيذية لأجندة السعودية في اليمن شعبيا وأمنيا ،بواسطة المعاهد العلمية وجهاز الأمن الوطني ؛غسل الأدمغة وسحل وإخفاء القوميين والماركسيين..
هناك تكامل بين داعش وماكدونالد، كرمزية على الاقتصاد الأمريكي الشره، فهما يتحركان في النهاية ،بقوتين متساويتين، باتجاهين متعاكسين متكاملين، الأول مدفوعا بأحقاد محلية ضيقة ،والآخر بأسواق كونية موحِّدة ،الأول عاملا على إعادة خلق حدود تحت قومية وعرقية قديمة من الداخل ،والثاني دائبا على جعل الحدود القومية مُنْهدة من الخارج، ومع ذلك فإن لداعش وعالم ماكدونالد صفة مشتركة :كلاهما يشن حربا على الدولة القومية ذات السيادة ،ويعمل – من ثم – على تقويض مؤسسات الدولة القومية الديمقراطية ،كل منهما يراوغ المجتمع المدني ويقلل من شأن المواطنة الديمقراطية ،دون أن يسعى أي منهما إلى إيجاد مؤسسات ديمقراطية بديلة ،لعلَّ الخيط المشترك بينهما هو خليط اللامبالاة بالحرية المدنية ،تقوم داعش باجتراح جماعات قائمة على الدم ،متجذرة في تربة الإقصاء والحقد، جماعات تحتقر الديمقراطية لصالح النزعة الأبوية الاستبدادية ،أو النزعة القبلية القائمة على الإجماع، أما عالم الماكدونالد فيخرج أسواقا عالمية متجذرة في تربة الاستهلاك والربح ، تاركا ليد خفية غير جديرة بالثقة إن لم تكن سرابية بصورة كاملة جملة قضايا المصلحة العامة والخير المشترك التي ربما كانت يوما متمتعة برعاية كتل ديمقراطية من المواطنين…باتت العدالة مستسلمة للأسواق ،على الرغم من أن فيلكس روهانا أقر صراحة بأن “هناك منطقا داروينيا متوحشا في هذه الأسواق،إنها عصابية وشرهة..تعتمد داعش على سياسة هوية دامية ،ويقوم عالم ماكدونالد على أساس اقتصاد الربح غير الدامي ،بانتمائه إلى عالم الماكدونالد لانعدام البديل يكون كل منا مستهلكا؛ وعبر بحثه عن متنفس للهوية يكون كل منا منتميا إلى قبيلة معينة،غير أن أيا منا لا يكون مواطنا،،ومن قال بأن الديمقراطية ممكنة في غياب المواطنين. يمكن العودة إلى ص51-52-العولمة :الطوفان أم الإنقاذ،الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية –تحرير :فرانك جي. لتشنرو جون بولي-ترجمة فاضل جتكر-المنظمة العربية للترجمة-مارس 2004م.فاقتباسنا من هذا الكتاب كان بتكييف وتغيير بما لا يخل بجوهر الاقتباس.
ما يدعو إلى الضحك حين يكون ارتزاق وارتهان توجه ما (ارتزاق حلال) فإذا تم التزاحم في هذا السوق فإن ما يفعله المزاحمون الجدد يندرج ضمن (الارتزاق الحرام).
في ظل غياب وتغييب المشروع الوطني الجامع لليمنيين على أرضية وطنهم الوحدوي يصبح الحديث عن الوطنية في مقابل الارتزاق والعمالة حديثا مفرغا من الصدق ،واستهلاكا لعبارات فارغة من الحق ،ومولغة في قيعان أمراء الحروب ونوت الضمير.
في تاريخ اليمن الحديث حكايات عن عملاء لبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأمريكا.. يمنيون عملوا في خدمة أجندات الغرب..سيوف إسلام، ومنادمين ومترجمين وضباط ومشايخ …الخ.
حين عاد الرئيس عبدالله السلال بعد إقامة جبرية له في مصر طالت لمدة تجاوزت التسعة أشهر،والعجيب أن البعض يحفظون الإقامة الجبرية والسجن لبعض رموز الثورة المضادة والمحسوبين على الثورة صدقا أو حمولة، ويتجاهلون إقامة جبرية لرئيس دولة ،إنه الميزان بمعيارين ،ليس فيهما ميزان الحق- المهم أنه وهو يتأهب للعودة عام 1966م صرح بوجود ثمانية آلاف عميل للكيان الصهيوني في اليمن ،وهو رقم لم يحسب عملاء الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة …الخ.
في أيامنا هذه يعيش أبناء العملاء بذات الوظيفة وذات المؤهلات وذات المكتسبات التي راكمها آباؤهم…
“من الذي يثور؟ من الذي يتمرد ؟ ليس العبد إلّا في ما ندر ،بل هو الطاغية الذي أصبح عبدا .لقد عرف الهنغاريون الطغيان عن كثب لفرط ما مارسوه بكفاءة لا تضاهى ،وفي وسع أقليات الملكية القديمة أن تشهد على ذلك .اتفقوا في ماضيهم لعب دور السادة ،لذلك كانوا في عصرنا أقل أمم أوروبا الوسطى قدرة على تحمل العبودية .وكيف لمن استمرأ طعم القيادة أن لا يستمرئ طعم الحرية ؟ كانوا ذوي تقاليد عريقة في القمع محنكين في طرق الإذلال واللا تسامح ،لذلك سرعان ما انتفضوا على نظام لم يختلف في الكثير عن ذاك الذي سلطوه هم أنفسهم على شعوب أخرى .أما نحن يا صديقي العزيز ،وقد عدمنا الحظ في أن نكون قامعين ،فليس من حظنا أن نكون متمردين .لقد حرمنا من تلك السعادة المزدوجة ولم يبق أمامنا إلاّ أن نحمل أغلالنا كما ينبغي لها أن تحمل .بل إني لن أكون مرتاحا لو أنكرت فضائل دعتنا ونبل خنوعنا ،على الرغم من اعتراضي بأن تواضعنا المفرط يأخذنا إلى أقاصي مخيفة ،وأنّ كل هذا القدر من الحكمة قد يتجاوز الحد ،حتى بت لا آمن أحيانا أن يصيبني بالإحباط .”29ص-تاريخ ويوتوبيا -سيوران -ترجمة احمد فتحي -الطبعة الأولى -منشورات الجمل 2010م