ولد وعاش في السعودية وقضى فترة اختطافه في معتقلات مارب بين عناصر تنظيم القاعدة

فارس الحمزي- معتقل في الغربة: ضربوا أحد المعتقلين وهو يقرأ القرآن وكسروا يد الآخر لأنه صلّى مسربلاً

تعمّد القائمون على السجون تعذيب المرضى من خلال الاعتداء المباشر أو الإهمال ومعاقبة من يقوم بالاهتمام بهم
حين يعتدي عناصر القاعدة على أحد لا يتخذ الضباط ضدهم أية إجراءات، بل يعاقبون المعتدى عليه وإن كان مطعوناً
تساؤلات: أين النخوة والحمية والشهامة؟ لماذا لا يتحرك رجال مارب لرفض ذلك؟

بينما كان فارس الحمزي، عائدا بسيّارته نحو المملكة العربية السعودية (التي تقود عدواناً على اليمن منذ 2015م)، بعد زيارة أسرة زوجته في صنعاء، استوقفه المسلحون في نقطة الميل على مدخل مارب في الـ 23 من أكتوبر 2017م، محاولين الحصول على مبلغ نقدي، حد قوله.
في نقطة الميل، بقي فارس، الذي ولد وعاش في السعودية، أربع ساعات محتجزاً دون سبب يذكر، “ومن ثم تجمعوا عليّ، ونقلوني إلى سجن الأمن السياسي في المحافظة مباشرة”، كما يقول لـ “الثورة”، ويضيف: “استقبلوني في السجن وأحدهم يقول “حيّ الله بالصيد”، لم أفهم مقصده!”.
الثورة / عبدالقادر عثمان

أُخذ الحمزي إلى الزنزانة وهو غير مدرك لما يحصل من حوله، لأنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها أسرة زوجته خلال فترة العدوان، لكنه وقع هذه المرة ضحية العنصرية العرقية والسلالية التي تمارس بحق العابرين من مناطق سيطرة ما تسمى بـ “حكومة هادي” ومليشيات حزب الإصلاح.
في السجن باشر الضباط التحقيق مع المعتقل، حيث”كانت معظم أسئلتهم مذهبية، وتهدف إلى معرفة ما إذا كانت له علاقة بأنصار الله أو دعم .. وتحدث الحمزي قائلاً”: لم تكن عليّ إدانة وكنت أتوقع أن يخرجوني مباشرة، لكنهم لم يفعلوا” .
معاناة السجن
منعوا فارس من الاتصال بأسرته لمدة سنة كاملة، عاشت أسرته خلالها في قلق البحث عن ابنها، حتى جاءته الفرصة ليخبرهم بأنه في سجن الأمن السياسي بمارب.
يتحدث الحمزي عن معاناة السجن والوضع السيئ الذي لاقاه وبقية الزملاء على كافة المستويات وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، “لم يعذبوني كثيراً، ربما لأنني من مواليد المملكة، كنت أجلد مع بقية المعتقلين بالأسلاك في بعض الأحيان، وهو ما أطلقنا عليه اسم الجزاء” كما يقول الحمزي، ويضيف: “كنت أقل المعتقلين تعذيباً، وكان زملائي يتعرضون بشكل جماعي أو فردي لتعذيب عنيف من قبل أشخاص ملثمين”.
ويعيد الحمزي ذكر ما كشفته “الثورة” في تحقيق “غوانتانامو مارب” الذي كشفت فيه الحالة الرديئة للمأكل والمشرب والوضع الصحي والنفسي في تلك السجون، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسدية والتعذيب النفسي والجسدي المستمر الذي وصل إلى القتل في بعض الحالات، من قبل الجلّادين بحق المعتقلين والأسرى داخل سجون مارب.
وكان تحقيق “الثورة” الذي استند إلى شهادات الأسرى والمعتقلين الذين أفرج عنهم بعمليات تبادل بين “اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى” في صنعاء والطرف الآخر في مارب، عبر وساطات محلية، وقال جميع المفرج عنهم إنهم تعرضوا لصنوف شتى من التعذيب الجسدي والنفسي والتحرش الجنسي والتهديد بالممارسة.
إحصائيات
وبحسب منظمة سام للحقوق والحريات (منظمة مستقلة) فإن السجون الخاضعة لسيطرة العدوان ومرتزقته في مناطق متفرقة من اليمن تمارس فيها جملة من أساليب التعذيب بحق المعتقلين “كالركل، والضرب بالهراوات والقضبان المعدنية، والحرق، والحرمان من الطعام والمياه، كما شملت أيضاً الإعدامات الوهمية، والتعليق لساعات طويلة، والتحرش الجنسي، واستخدام الكلاب البوليسية، والدفن في حفر رملية، واستخدام العقاقير المنبهة، والرش بالماء البارد، والحرمان من الزيارة، والمحاكمات الصورية”.
من جانبه رصد مركز عين الإنسانية للحقوق والحريات (منظمة حقوقية مقرها صنعاء)، (14) سجناً في محافظة مارب يتعرض فيها الأسرى والمعتقلون لصنوف شتى من “التعذيب الجسدي والنفسي وسلب الأموال المرسلة لهم من الأهالي، والتعرض للإهانات والسخرية والحرق والكي والصعق الكهربائي ونزع الأظافر والتعرية، والإهمال الصحي والتغذوي والمنع من أداء الشعائر الدينية”.
مواقف لا تنسى
يحكي فارس الحمزي لـ “الثورة” بعض المواقف التي شاهدها في السجن قائلاً: “ذات يوم دخل الضابط الزنزانة وكان أحد المعتقلين يقرأ القرآن، وحينما نظر المعتقل إليه باشره الضابط بالضرب، تحت مبرر أنه أخطأ بنظرته للضابط وهو بين يدي الله، بينما كسروا يد أحد المعتقلين لأنه صلّى مسربلاً”.
ويضيف: “منعونا من عمل حلقات قراءة القرآن في رمضان بحجة أنها شعائر حوثيّة، وحتى من أن يسمّع لك زميلك آيتين قررت حفظهما”، ويزيد على ذلك:” إن الجلادين نفّذوا حملة تعذيب على الزنزانة المجاورة لزنزانته بسبب الإضراب حتى بقي المعتقلون ثلاثة أيام لا نسمع لهم همساً ولا صوتاً، بالإضافة إلى أن أحد المعتقلين حاول الانتحار بعد أن أصيب بحالة نفسية جراء التعذيب، فيما تعرض معتقل آخر لتكسير أطرافه والضرب بلا رحمة لأنه طلب قليلاً من السكر لأنه أصيب بالهبوط”.
رحلة خلف القضبان
في السياق ذاته، يكشف الدكتور أمير الدين جحاف في كتابه “رحلة خلف القضبان” الصادر في منتصف ديسمبر الجاري، حالات المرضى داخل سجون مارب، مشيراً إلى تعمّد القائمين على تلك السجون تعذيب المرضى من خلال الاعتداء المباشر أو الإهمال ومعاقبة من يقوم بالاهتمام بهم، الأمر الذي أدى إلى وفاة بعض المعتقلين.
من جانبها رصدت منظمة سام خلال أربع سنوات من الحرب على اليمن، “أكثر من ثلاثة آلاف حالة تعذيب في السجون، منها (٨٠٠) حالة فقط في عام ٢٠١٨م، بعضها مورس بصورة فردية وأخرى بصورة جماعية، حيث أدى التعذيب إلى الموت” كما جاء في تقرير صادر عنها في يوليو المنصرم.. وبحسب التقرير فإن “عدد المدنيين الذين قتلوا تحت التعذيب خلال هذه الفترة بلغ (158) حالة منهم (56) حالة عام ٢٠١٨م، منها (30) حالة وفاة في سجون محسوبة على ما تسمى بالقوات الشرعية غير تعز التي قتل في سجونها (10) معتقلين، والمحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها الإمارات”.
عن ذلك يقول مصدر مسؤول في اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى: إن من المحتمل أن تكون المناطق المسماة بالشرعية غير المذكورة في تقرير سام هي مارب، فيما يتحدث عضو اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمعتقلين أحمد أبو حمراء قائلاً: إن هناك أكثر من 1200 مختطف في مدينة مارب، أكثرهم من الطلاب والمرضى والتجار الذين نهبت كل ممتلكاتهم”، مؤكداً أن “قوى المرتزقة تتخذ من اعتقال الناس وسيلة لإجراء عملية تبادل للأسرى”.
إرهاب للتأثير
يكشف المعتقل الحمزي لـ “الثورة” قصة تنظيم القاعدة في سجن الأمن المركزي، حيث “كان هناك مجموعة رجال بلحاهم بين المعتقلين وقد اتخذوا من طارود السجن (الممر العام) مكاناً لهم، كانت معاملتهم من قبل الضباط معاملة خاصة، وكانوا يشكلون تهديداً على كافة المعتقلين”، ويضيف: “كان مسموحاً لهم الاعتداء على أي معتقل حتى أنهم طعّنوا المعتقل همّام مريط ببقايا عظم كانوا يحتفظون بها كسلاح لمهاجمة من يعترض على أي عمل لهم”.
ويعتقد فارس أن تلك المجموعة كانت تلعب مسرحية على المعتقلين من أجل بث سموم الفكر المتطرف في عقولهم من خلال المحاضرات وخطب الجمعة التي يلقونها كل أسبوع، ويردف “فكرهم متطرف والسجن مكانهم المناسب لكنهم لم يكونوا معتقلين، بل دسّوهم في أوساط المعتقلين لغرض التأثير عليهم وليس لإدانتهم، وإلا لما كان لهم أكلهم الخاص بما يعادل أكل 18 معتقلاً، رغم أنهم أربعة أشخاص فقط، وكانت الزيارات لهم مسموح بها بشكل اعتيادي، وحين يعتدون على أحد لا يتخذ الضباط ضدهم أية إجراءات، بل يعاقبون المعتدى عليه وإن كان مطعوناً ومظلوماً”.
.. ومنبر للإرهاب
يذكر فارس أن أحدهم كان يحدّث المعتقلين في خطب الجمعة عن “أهمية الأحزمة الناسفة والمتفجرات والأجسام المفخخة وفوائدها باعتبارها أفضل الحلول لنصرة الإسلام والمسلمين والتغلّب على الكفّار، إلى جانب سرد الجماعات الكافرة في نظره بما فيها معظم أبناء الشعب اليمني” كما يقول، مضيفاً: كان يخبرنا أننا لو فعلنا فعلاً فنحن كفَّار ولو قلنا قولاً فنحن كفّار ولو صمتنا فنحن أيضاً كفّار، كانت خطباً داعشية”.
وعن معاناة الاعتقال يقول الحمزي “إن المرتزقة في مارب “تعاملوا معنا بشكل إرهابي، من خلال قطع الماء في بعض الأحيان، وفي أحايين أخرى منعنا من الذهاب إلى دورة المياه، وحتى من الكلام والنوم إلا متى شاؤوا هم ذلك”، مؤكداً “ليس في تعاملهم معنا أي صلة بالإسلام”.
جنيف الرابعة
ووفقا للقوانين والاتفاقيات الدولية، فإن ما عانى منه الحمزي يعد انتهاكاً للمادة (42) من اتفاقية جينيف الرابعة التي تعد اليمن واحدة من الدول الموقعة عليها، والتي تنص على أنه ” لا يجوز الأمر باعتقال الأشخاص المحميين أو فرض الإقامة الجبرية عليهم إلا إذا اقتضى ذلك بصورة مطلقة أمن الدولة التي يوجد الأشخاص المحميون تحت سلطتها”، خاصة أنه اعتقل دون إدانة ولم يفرج عنه إلا بصفقة تبادل للأسرى، كما تنتهك المادة (79) من الاتفاقية ذاتها، والتي تنص على أنه “لا تعتقل أطراف النزاع أشخاصاً محميين إلا طبقاً للمواد 41 و42 و43 و68 و78″، وهي مواد تتعلق بقيامهم بالعمل كجواسيس أو عملاء أو أنهم يشكلون خطراً على الدولة، فيما تنتهك الممارسات المرتكبة بحق المعتقلين كافة مواد الاتفاقية في فصل المعتقلات.
مارب التاريخ والمعتقل
يقول الحمزي لـ “الثورة”: إنه لم يكن يتوقع أن يحصل له كل ذلك في مارب التي يعرف أن أهلها رجال قبائل وأصحاب حميّة وكرامة ونخوة، ويضيف بغرابة: “كيف سمحوا لأولئك المجرمين أن يشوهوا صورة المدينة بتصرفاتهم الخبيثة، إن كانت تلك ضيافة مارب التاريخ والكرم فالله المستعان، أين النخوة والحمية والشهامة؟ لماذا لا يتحرك رجال مارب لرفض ذلك؟”.
ويختم حديثه عن تجربة السجن قائلاً: “منحني السجن قوة كبيرة، لم أكن أمتلكها، وأعطونا هم بتصرفاتهم قوة من حيث لا يشعرون، جعلني السجن مستعداً لأسوأ الظروف دون خوف”، مقدماً شكره إلى “قيادة أنصار الله على حسن تعاملهم معه وإخراجه من السجن رغم أنه ليس واحداً منهم”.

قد يعجبك ايضا