تهجير وإعاقات ومجاعة وإبادة جماعية وحرمان من التعليم وأمراض نفسية
العدوان وأطفال اليمن.. فصول من الانتهاكات والجرائم اللامتناهية
الشريف: قُتل أكثر من 3809 أطفال وأصيب أكثر من 4035 طفلاً، أي بمعدل خمسة أطفال في اليوم
الحاضري: 800 طفل أصيبوا بإعاقات دائمة جراء القصف المباشر
الشرجبي: شرّد العدوان 1.5 طفل إلى مخيمات لجوء ذات بيئة معيشية ومناخية سيئة
النعمي: العالم يبحث عن جودة التعليم، ونحن نبحث عن حق أطفالنا في الحياة
بين حين وآخر، يستيقظ كثير من أطفال اليمن تحت ركام منازل بلا جدران، لا صوت حولهم غير صوت القنابل ولا يد تضمهم سوى يد الآلة العملاقة التي تحاول إخراجهم من تحت الأنقاض، وخلال خمس سنوات من العدوان على اليمن، عاش الأطفال حياة مريرة بين إصابات وإعاقات ومجاعة ويُتم وأمراض جسدية ونفسية وأوبئة فتاكة وانتهاكات واعتداءات ونزوح وحرمان من التعليم، وما يتجاوز ذلك إلى القتل المباشر بكل الوسائل المتاحة.
الثورة / عبدالقادر عثمان
استهدف العدوان الذي تقوده السعودية والإمارات بدعم ومساندة أمريكية وإسرائيلية، كل جوانب الحياة في اليمن فكانت الطفولة هي الشريحة المجتمعية الأكثر تضرراً، صانعاً بذلك مأساةً هي الأسوأ في العصر الحديث، واستطاعت آلة العدوان أن تحصد أرواح آلاف الأطفال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وساعد الحصار المطبق وتدمير البنية التحتية للمنشآت الطبية على انتشار الأوبئة بشكل مخيف، كما أن الصواريخ الساقطة على شتى مناطق اليمن دمرت مئات المدارس وأبعدت الأطفال عنها، كما دمرت المساكن؛ ليلجأ كثيرٌ من المواطنين إلى ما تبقى من المدارس لاتخاذها ملاجئ نزوح لهم.
في كل مكان
“منذ مارس 2015 حتى نوفمبر 2019، قتل أكثر من 3809 أطفال وأصيب أكثر من 4035 طفلاً، أي بمعدل خمسة أطفال في اليوم”، حد قول مدير التكتل المدني للتنمية والحريات، انسجام الشريف، التي أضافت لـ “الثورة” أن “الوضع الإنساني في اليمن يزداد سوءً، وبات لا ينقضي يوم واحد، دون أن نسمع عن مقتل أطفال”، وبحسب التقارير الدولية فإن “70 في المئة من الضحايا سقطوا بقصف لدول العدوان على منازلهم و20 في المئة في مدارسهم، بينما 10 في المئة بطرق أخرى كالقنابل العنقودية ومخلّفات القصف، ونالت صعدة نصيب الأسد من بين الضحايا بنحو 2200 قتيل وجريح، تليها أمانة العاصمة بنحو ألف قتيل وجريح ومن ثم تعز فحجة فالحديدة فمحافظة صنعاء”.
وبحسب الشريف فإن “عدد الأطفال والنساء المصابين بسوء التغذية الحاد 3.2 مليون طفل وامرأة، ويحتاج ما يقرب من 7.4 مليون طفل يمني إلى مساعدات إنسانية وصحية، فيما أكثر من نصف أطفال اليمن لا يستطيعون الحصول على مياه شرب آمنة وخدمات صرف صحي ملائمة”، وهي أرقام تؤكدها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، كما أن اليمن في الوقت الحالي يعاني من أكبر أزمة انعدام الأمن الغذائي تزامنت مع أكبر جائحة للكوليرا في الوقت الراهن على مستوى العالم، كان ثلث الذين أصيبوا بالوباء أطفالاً دون سن الـ 17.
أمراض وأوبئة
يقول الدكتور يوسف الحاضري، الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة، إن “2.1 مليون طفل دون الخامسة مصابون بسوء التغذية، منهم 400 ألف مصاب بسوء التغذية الحاد الوخيم، يموت منهم طفل كل عشر دقائق، وفي اليمن 1.2 مليون امرأة متزوجة مصابة بسوء التغذية، سينعكس ذلك سلباً على صحتها وصحة الجنين أثناء الحمل وبعد الولادة”، ويضيف لـ “الثورة” أن “60 في المئة من ضحايا الأوبئة التي اجتاحت اليمن خلال فترة العدوان هم أطفال، وأن هناك 800 طفل أصيبوا بإعاقات دائمة جراء القصف المباشر، وأن التشوهات الخلقية لدى المواليد ارتفعت بنسبة ثلاثة في المئة جراء القنابل المحرّمة”، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن نحو 80 ألف طفل دون سن الخامسة يموتون سنوياً في اليمن بسوء التغذية الحاد”.
وتعاني اليمن بين حين وآخر، منذ خمس سنوات، من اجتياحات لأمراض وأوبئة فتّاكة، كالكوليرا والدفتيريا وإنفلونزا H1N1 والحصبة والملاريا وحمى الضنك والحميات النزفية والالتهابات الرئوية الحادة والتهاب السحايا الدماغية وجدري الماء والسعال الديكي، إلى جانب النكاف والليشمانيا وداء الكلب والتهابات الكبد.
“وساهم العدوان بتدميره البنية التحتية للقطاع الصحي وإخراجها عن نطاقها في جعل اليمن بيئة خصبة لانتشار الأوبئة، وضاعف من تلك المعاناة، نقل البنك المركزي إلى عدن والحصار المطبق المترافق مع العدوان وإغلاق مطار صنعاء الدولي، ومنع 200 ألف مريض من السفر لتلقي العلاج في الخارج، 30 في المئة منهم أطفال، توفي منهم 10 آلاف طفل” بحسب الحاضري.
أرقام أممية ورسمية
تشير أرقام اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، إلى وجود “مليون طفل يمني يواجهون خطر الإصابة بمرض الدفتيريا (الخُناق) الذي ينتشر بوتيرة سريعة في البلد الذي يعاني أيضاً من انتشار الكوليرا، وكشفت منظمة إنقاذ الطفولة، أن “أكثر من 100 ألف حالة من الذين أصيبوا بالكوليرا في اليمن منذ مطلع العام 2019، كانوا دون سن الـ 15″، فيما بلغ عدد ضحايا الكوليرا من الأطفال خلال فترة العدوان على اليمن نحو ألف حالة وفاة و500 ألف إصابة، بحسب التقديرات الرسمية.
وفي عام 2015، تُوفي أكثر من 10 آلاف طفل بأمراض يمكن الوقاية منها بسبب النظام الصحي المتدني، كما جاء في تقارير سابقة لليونيسف، أشارت أيضاً إلى سقوط أعداد مماثلة في السنوات التالية.
يقول الحاضري إن “المرضى من الأطفال في اليمن يعيشون أوضاعاً مأساوية في ظل استمرار العدوان وتردي الوضع الاقتصادي في البلاد جراء الحرب الاقتصادية، وكثير منهم فقدوا حياتهم على الرغم من إمكانية شفائهم، من جراء عدم توفر الأدوية والسماح بدخولها اليمن”، من أولئك مرضى السرطان الذين يعانون من انعدام المحاليل الكيميائية اللازمة في مراكز العلاج الحكومية، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن إجمالي عدد المصابين بمرض السرطان في اليمن بلغ 35 ألف شخص، بينهم أكثر من ألف طفل.
أمراض نفسية
لا تقتصر مأساة أطفال اليمن الصحية جراء العدوان عند هذا الحد، بل إن الانفجارات الناتجة عن القصف خلّفت أضرارا نفسية على شريحة واسعة من الأطفال، إذ يقول الحاضري إن “الأمم المتحدة قدّرت إصابة 90 ألف طفل بمشاكل نفسية”.
في ذات السياق، وجدت دراسة استقصائية نشرت عام 2018، وأجريت على ما يقرب من ألف طفل في صنعاء وحدها، أن “79 في المئة منهم أظهرت علامات على عواقب نفسية خطيرة”، وتكشف الدراسة أنه “في السنة الأولى من العدوان، بدأ أفراد العائلة في ملاحظة التبول اللاإرادي للأطفال، ورفضهم أن يكونوا وحدهم أو لا يرغبون في مغادرة المنزل” كما جاء في ورقة عمل لنشطاء يمنيين عن “معاناة الأطفال في ظل الحرب على اليمن” خلال الندوة الخاصة بـ (رسالة أطفال اليمن من بين ركام الأنقاض) المقامة في صنعاء بتاريخ 1 سبتمبر 2019.
فيما قالت منظمة إنقاذ الطفولة أنها حصلت على أدلة لما أسماه الخبراء “الإجهاد السام”، وهو أخطر أشكال الإجهاد التي يمكن أن يتعرض لها الطفل، والتي تسببها المحن القوية أو المتكررة أو الطويلة دون تقديم الرعاية الكافية.
“وفي المناطق التي تعرضت للقصف يواجه الأطفال: التبول اللاإرادي والكوابيس واليقظة والحزن والاكتئاب والقلق والعدوان والشعور بالانسحاب والعديد من التحديات الأخرى، وهي مؤشرات نفسية يقول الخبراء إنها “ستضعف قدرتهم على الانخراط في الحياة اليومية، بما في ذلك عدم القدرة على التركيز أو الأداء الجيد في المدرسة، وتعلم معلومات جديدة، وتشكيل علاقات ومرفقات، أو إيجاد شعور بالأمان” بحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة حقوق الإنسان، طلعت الشرجبي.
نزوح وتشريد
يقول الشرجبي لـ “الثورة”: “شرّد العدوان نحو 1.5 طفل من منازلهم إلى مخيمات لجوء ذات بيئة معيشية ومناخية سيئة، وأسهمت عملية النزوح في: ارتفاع معدل سوء التغذية، وانتشار الأوبئة بشكل كبير نتيجة شحة المياه وقلة النظافة، إلى جانب موت الكثير من الأطفال نتيجة البرد وشحة المخيمات الطبية أو نقص العلاج، وحرمان آلاف الطلاب النازحين من مواصلة تعليمهم الأساسي والثانوي، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة مما انعكس سلباً على حياة الأطفال، وارتفاع ظاهرة التسول لدى الأطفال النازحين وإصابة الكثير منهم بأمراض جلدية خطيرة”.
وأدى تصعيد العدوان أواخر العام 2018، في السعي للسيطرة على ميناء الحديدة، إلى تشريد نصف مليون طفل إلى مناطق نزوح في حجة وصنعاء وعمران والمحويت.
ويضيف طلعت الشرجبي: “أسهم العدوان بما صنعه من أزمات معيشية واقتصادية في تفشي ظاهرة عمالة الأطفال الذين ضاقت بهم سبل العيش في منازل لا يجدون فيها ما يسدون به رمق جوعهم بعد انقطاع رواتب آبائهم الموظفين نتيجة نقل البنك المركزي إلى عدن”.
عمالة وزواج مبكّر
تشير أرقام التقارير الصادرة عن منظمة إنقاذ الطفولة إلى “وجود 1.4 مليون طفل يعملون في اليمن وهم محرومون من أبسط حقوقهم”، كما أدّى القصف المباشر للمنشآت التعليمية إلى تسرّب الأطفال من مدارسهم واتجاه الكثير منهم نحو الأعمال في مشاهد تنتهك حقوقهم في التعليم والترفيه والرعاية والحياة.
وتقدر آخر الإحصاءات الرسمية أن عدد الأطفال العاملين في اليمن يفوق 400 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين (10 – 14 سنة)، نسبة الذكور منهم 55.8 في المئة، بينما نسبة الإناث 44.2 في المئة.
وتفيد منظمة العمل الدولية في تقرير لها أواخر 2018، أن نحو 34.3 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 – 17 عاماً يعملون في اليمن، وتشير إلى أن العدد في ارتفاع متواصل، فيما تسبب العدوان في ارتفاع نسبة الزواج المبكر للفتيات تحت سن الـ 18 سنة بمعدل 142 في المئة منذ عام 2016 نتيجة بعدهن عن المدارس والخوف عليهن من الاستغلال.
وبحسب الشرجبي، فإن الكثير من الأطفال الذين يتركون مدارسهم للبحث عن فرص العمل يتعرضون للاغتصابات والتحرشات الجنسية والاعتداءات الجسدية واللفظية في محافظات مختلفة منها تعز وعدن، من قبل أصحاب العمل أو بعض العاملين، بالإضافة إلى أن هناك عمليات اغتصاب نفذها الاحتلال في المحافظات الجنوبية والساحلية”.
استهداف التعليم
“منذ اللحظات الأولى، استهدف العدوان العملية التعليمية استهدافاً مباشراً، ففي البنية التحتية دمرت طائراته وصواريخه 3500 مدرسة، بعضها بشكل كلّي، واستهدفت الطائرات طلاب اليمن بشكل مباشر كان أبرزها استهداف حافلة أطفال ضحيان – صعدة في أغسطس 2018 التي راح ضحيتها 51 قتيلاً و79 جريحاً، ومدرسة الراعي في أبريل الماضي، وعلى الجانب الآخر انقطعت رواتب المعلّمين منذ ثلاث سنوات وعجزت الوزارة عن طباعة الكتاب المدرسي، ما انعكس بشكل سلبي على الطالب في مستوى تحصيله وتأثرت نفسيته” كما يقول عبدالله النعمي، وكيل وزارة التربية والتعليم لقطاع التعليم.
يضيف النعمي لـ “الثورة” إن “طلاب اليمن استهدفوا في مدارسهم ومنازلهم وفي الطرقات والمنتزهات والحدائق وأماكن الرعي”، وأدى العدوان إلى توقف 4500 مدرسة عن العمل، وساهم في إبعاد مليوني طفل عن التعليم.
وأردف عبدالله النعمي في أسى “أطفالنا ليسوا كأطفال العالم؛ فالعالم يبحث عن جودة التعليم ويسعى إلى ذلك، لكننا في اليمن لا زلنا نبحث عن حق أطفالنا في الحياة وحقهم في التعليم”.
تجنيد الأطفال
إلى جانب تلك المعاناة، يقع الكثير من المتسربين عن مدارسهم وسط اليمن وجنوبها ضحايا التجنيد إلى محارق الموت، حيث تشير بعض الأرقام إلى وجود أربعة آلاف طفل يقاتلون في صف العدوان، وقد كشفت قناة “الجزيرة” القطرية في العام الجاري، أن منطقة البقع على الحدود الشمالية محرقة لأطفال اليمن الذين تجندهم المملكة لقتال الجيش واللجان الشعبية، حيث يقتاد السماسرة أطفال اليمن إلى منطقة البقع، من أجل حماية حدود المملكة مقابل حفنة من المال تتراوح بين 1500 و3000 ريال سعودي، بعد أن يصبح الطفل جندياً وهمياً في صفوف التحالف السعودي الإماراتي والمرتزقة.
من جانبها، تشير التقارير البريطانية إلى أن “40 في المئة من مرتزقة العدوان السعودي الإماراتي في اليمن هم من الأطفال”، وهو ما يعد انتهاكاً للقانون الدولي.
استهداف المستقبل
معاناة الأطفال لا تنتهي هنا، فالعدوان على اليمن أسهم في إيجاد أكثر من ثمانين آلاف يتيم فقدوا أسرهم بقتل مباشر، فيما عدد الأيتام دون السابعة نحو 47 من بين كل 1000، وهي أرقام أولية.
يقول الشرجبي إن “مرحلة ما بعد العدوان ستكشف المزيد من الأرقام التي لم تسجّل اليوم”، مضيفاً أن “العدوان يعمل بشكل حثيث على إنشاء جيل مشوّه وضائع يستطيع التحكّم في قراره”، ويؤكد أن ذلك يعني يستهدف الماضي من خلال قصف التراث وتدميره، والحاضر بمحاولة إبادة الجيل الحالي الذي يحاربه في كل ميادين القتال، ويسعى إلى تدمير والمستقبل من خلال قصف الأطفال ليقتل أكبر عدد ممكن منهم؛ لأنه يدرك أن هذا الجيل القادم هو الجيل الذي سيحاربه وسيساهم في رفد المعركة بمزيد من القوة العسكرية والفكرية والثقافية والسياسية وما إلى ذلك.
وفيما يستمر العدوان على اليمن، تستمر الأرقام في الارتفاع، وتستمر معاناة الأطفال في ظل الصمت العالمي، ومع مجيء يوم الطفل العالمي سيطالب كل أطفال العالم بتجويد حق الترفيه والتعليم والصحة، أما أطفال اليمن فمازالوا يفتقدون لحقهم في العيش بسلام.