فلسطين وقيامة الأمة
محمد ناجي أحمد
من جرحها النازف يخط المقاومون مسار الوجود العربي
(الطريق إلى تل أبيب يمر بالرياض) جورج حبش.
في بداية القرن العشرين سمح السلطان عبد الحميد الثاني ليهود أوروبا بالاستيطان في فلسطين ،فبدأت عشرات المستوطنات تتكاثر داخلها ،مما أفزع عرب فلسطين فثاروا ورفضوا ،لكن المستوطنات استقوت بالجنود العثمانيين الذين مكنوا اليهود من تلك الأراضي في طبرية وغيرها .
ومع سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ،تحولت المستوطنات إلى نواة دولة استعمارية مكن لها تصريح بلفور، المشهور بـ(وعد بلفور) عام 1917م،الذي أطلقه وزير خارجية بريطانيا آنذاك.
لقد هيأ الانتداب البريطاني كل ممكنات التمكين العسكرية للعصابات والميليشيا الصهيونية كي ترث عنه مستعمرة فلسطين ،وتقوم بوظيفة الذراع الامبريالي المتقدم في المنطقة .
شنت العصابات الصهيونية حرب إبادة للفلسطينيين في القرى والمدن ، واستمرت عمليات الإبادة والتهجير والمذابح الجماعية طيلة العقود الماضية.
سعى الكيان الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين إلى تغيير الخارطة الطبوغرافية ، محولاً الفلسطينيين إلى أقلية مؤسرلة ، أي تابعة لإسرائيل وليس لها المواطنة الكاملة ، يجب عليهم أن يحتفلوا بما يسمى بعيد الاستقلال، فيوم النكبة العربية وإعلان الكيان الصهيوني دولة عام 1948م يتم الاحتفال به عيدا للاستقلال ، ولعلى الفلسطينيين أن يرفعوا أحد الأعلام الاثني عشر التي تشير إلى أسباط بني إسرائيل، وأن يرفعوا العلم الصهيوني، في تهجين ومسخ للقضية الفلسطينية من قضية استعادة وطن محتل ومستوطن إلى قضية مواطنة منقوصة، لعرب 48، أو ما يطلق عليهم صهيونياً (عرب إسرائيل)!
ماذا يعني احتلال الكيان الصهيوني الاستيطاني لفلسطين؟
تعامل العرب باسترخاء وبعضهم بتواطؤ بخصوص تنامي المستوطنات الصهيونية في فلسطين ، لتصل الأمور بغفلتهم إلى هزيمتهم (نكبة) في 1948م وهزيمتهم (نكسة ) حزيران /يونيو1967م.مما ترتب على ذلك الاستيلاء على الأراضي العربية في ما تبقى من فلسطين ، والجولان وسيناء وأراض لبنانية وأردنية، وضمها للاحتلال الصهيوني.
وها هم عرب اليوم يتعاملون مع (مشروع إسرائيل الكبرى) بذات الغفلة وبعضهم بانخراط يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة العربية.
بالرغم من وضوح الخارطة التي وضعها (هرتزل ) عام 1904م لإسرائيل الكبرى ، وجددها فيشمان عام 1947م.وهي موجودة بحدودها الاستعمارية ، موثقة في أرشيف ووثائق هيئة الأمم المتحدة .وتشمل الكويت وشمال الجزيرة العربية بما فيها مكة والمدينة المنورة ، ومجمل الأراضي العراقية الواقعة غربي الفرات ، ومجمل الأراضي السورية واللبنانية والأردنية ، وكل الأراضي الفلسطينية وسيناء والنقب ، ومجمل الأراضي الواقعة شرقي نهر النيل من ساحل البحر الأبيض المتوسط وحتى بدايات النوبة المصرية!
إن الأمر لا يخص معركة حول جغرافيا حدودية ، وإنما هي حرب وجودية مستمرة في مواجهة استعمار استيطاني تمددي ، ينطلق من أساطيره ليحقق المصالح الأمريكية بشكل خاص والغربية، لهذا نسميه بذراع الامبريالية المتقدم في المنطقة العربية. من فلسطين إلى باب المندب ، ومن المغرب العربي إلى الخليج العربي.
أكثر من مائة عام من سياسة الاستيطان واجتثاث الفلسطينيين من أرضهم ، لكن الشعب العربي المقاوم يؤمن بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة، ولهذا تستمر راية المقاومة ، من اليسار العربي والقومية العربية إلى المقاومة الإسلامية ، فكل ممكنات الأمة وعوامل حضورها تستمر في مقاومة هذا الكيان السرطاني ، الذي يستهدفنا وجودياً ، ويستغفلنا بسياسات التطبيع التي يراد منها القبول بدور العبيد .
القضية الفلسطينية هي لُبّ وجوهر القضايا العربية ، فلا حرية ولا سيادة دون هزيمة هذا المشروع الصهيوني ، والذي أصبح اليوم يتواجد اقتصاديا وعسكريا واستخباراتيا في قطر والإمارات وله علاقات متينة مع كل دويلات محطات البنزين في الخليج العربي.
ويشكل النظام السعودي دوراً محورياً في تمكين إسرائيل من أن تكون شرطي المنطقة المسيطر على البحر الأحمر وخليج العقبة ، والبحر الميت وجنوب البحر الأبيض المتوسط!
تعي إسرائيل أهمية حلفها مع تركيا وأثيوبيا واريتريا، ولهذا سعت منذ البدايات إلى تعميق تحالفاتها وشراكتها الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية مع هذه الدول، فتركيا لها أطماعها في سوريا وفي العراق، وأثيوبيا لها مشاريعها في التحكم بمياه نهر النيل المغذي لمصر ، كما هو شأن تركيا ومشاريعها في الأنهار التي تغذي العراق وسوريا!
فإسرائيل تعي أهمية حرب المياه في إخضاع العرب ، وأهمية البحر الأحمر في التجارة ، والسيطرة على ثروات الخليج العربي، ضمن تفكير استراتيجي في جعل العرب جغرافية ومقدرات تحت هيمنتها وسيطرتها وكالة عن الغرب.
الإيمان بالقضية الفلسطينية ليس ترفاً نضالياً وإنما وعي حتمي بما تقتضيه معركة المصير في أن نكون أو لا نكون ، وهي معركة وعي تترجم إلى فعل مقاوم على الأرض.