قواعد التباين للنمو والتنمية في ظل الحرب

احمد ماجد الجمال

تتعرض المفاهيم الشائعة إلى تباين في تفسيرها وكثير ما تختلط على غير المتخصصين وحتى على البعض ممن هو متخصص بين مفهومي النمو والتنمية الاقتصادية، فهما كلمتان مترابطتان وتستخدمان معا وفي نفس الوقت كل منهما يؤثر ويتأثر ويعتمد على الآخر رغم أن الفارق جوهري بينهما, وهما الهدف الرئيسي للإدارة الاقتصادية وأكثر المواضيع التي تهم المجتمع لأثرها البالغ والمباشر عليه.
النمو الاقتصادي يعني في الغالب حدوث زيادة في متوسط الدخل الفردي الحقيقي مع مرور الزمن والذي يعبر عن الدخل الكلي مقسوماً على عدد السكان فزيادة الدخل الكلي لا تعني بالضرورة زيادة في النمو الاقتصادي إذ أن علاقة التناسب القائمة بين الدخل الكلي والسكان يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار, وذلك لتأثير نمو السكان على النمو الاقتصادي لأي دوله ,بمعنى أن النمو الاقتصادي يكون مصاحبا للتقدم الاقتصادي إذا كان نمو إجمالي الناتج المحلي اكبر من معدل نمو السكان أو مساو له, مع ذلك لا يطلق عليه حكم الزيادة إلا إذا تحقق فيه شرط الاستمرار لذا فمفهوم النمو الاقتصادي هو مفهوم كمي بحث يركز على التغيير في الكم الذي يحصل عليه الفرد من السلع والخدمات في المتوسط دون أن يهتم بهيكل توزيع الدخل الحقيقي بين أفراد المجتمع أو بنوعية الخدمات المقدمة .
وبطبيعة الحال تؤدي العلاقة بين الزيادة في الاستثمارات والأرباح والدخل وفرص العمل والإنفاق العام إلى مزيد من النمو الاقتصادي وعند الحديث عن تلك الزيادة عادة ما يثير اهتمام أفراد المجتمع إذ تترجم التوقعات الايجابية إلى تحسين في أوضاعهم المعيشية سواء عن طريق ارتفاع الأجور أو تطور الخدمات التي تقدمها الدولة إليهم .
أما التنمية الاقتصادية فتشكل محورا أساسيا للتعبير عن رؤية أوسع واشمل للتطور وتحسين أوضاع المجتمع بارتكازها على مخطط اقتصادي متكامل يستهدف حدوث تغيير هيكلي وتوزيع الدخل وزيادة الإنتاج وفرص العمل ليلبي الحاجات الإنسانية المتنامية من حيث الكم والكيف ويحافظ على استدامة الموارد الطبيعية ودعم مختلف القطاعات الاقتصادية مثل تنمية قطاع الصناعة كتطوير المصانع والاعتماد على التكنولوجيا واحدث التقنيات وتوفير المواد الخام الجيدة ,وتنمية قطاع التجارة كتطوير وتدعيم العلاقات التجارية وتنظيم حركة التجارة سواء الداخلية أو الخارجية ,وتنمية القطاع الزراعي والحيواني والسمكي باستغلال المساحات الزراعية وتطوير آلياتها وتجويد طرق الري وتربية المواشي والدواجن وتحسين أساليب التسويق والتخزين لعمليات الاصطياد, وتنمية قطاع التعدين بتشجيع الاستثمار فيه وتسهيل عملية التصدير وتنمية قطاع النقل والمواصلات والاتصالات من خلال تشييد الطرق والبنية التحتية وصيانتها, وتطوير شبكات تقنية الاتصالات وهكذا لبقية القطاعات الاقتصادية .
وبذلك يجمع مفهوم التنمية الاقتصادية بين الكمية والمعيارية فبجانب إشباع الاحتياجات الضرورية والأساسية للفرد يهتم بجودتها وعدالة توزيعها وتأثيرها العلمي الاجتماعي والثقافي وعلى المدى المتوسط والبعيد وكلما زادت نسبة التنمية الاقتصادية زادت نسبة ومؤشر التنمية البشرية, وهذه دلالة على تحقيق معدلات التنمية الاقتصادية هدفها كمعيار اصيل لنقل أفراد المجتمع من مستوى معيشي متدن إلى مستوى معيشي كريم ومناسب .
بما أن التنمية عملية تغيير مخطط شامل يرتبط بإرادة في التغيير الجذري في المجتمع مع استخدام كفاءة الموارد العامة والبشرية واستقطاب التكنولوجيا ,فهو على عكس النمو الذي يعتمد على مقياس واحد هو التغيير الرقمي ,لان النمو السريع والقصير الأجل لا ينتج بالضرورة عن تنمية اقتصادية حقيقة بمعنى حدوث تغيير في هيكل أو بنيان الاقتصاد الذي يؤدي إلى تحسين حياة أفراد المجتمع فربما يحدث بسبب انتعاش قطاع اقتصادي واحد مثل عوائد ريع من الموارد الطبيعية(كالنفط والغاز والمعادن …) فعملية استخراج النفط والغاز والمعادن لا تتطلب إلا عملا سهلا وضئيلا كما ان علاقاتها الإنتاجية سرعان ما تؤدي إلى سلاسل إنتاج خارج البلد المنتج ولان التجارة المعتمدة على مبادلة المنتجات الأساسية لا تخلق قيمة مضافة, ويحدث في الأجل القصير بعكس التنمية التي ترتبط بالأجل الطويل وتحتاج التنمية نموا مستمراً وغير منقطع للأجل الطويل لأنها ليست تغيراً ماليا ً سطحياً مرحلياً عابراً يقتصر على نتائج حساب الناتج المحلي الإجمالي لكنها خطة معقدة متشابكة تستهدف تغيير جوهري في البنيان الاقتصادي ويسفر عنها رفع معدل النتائج الايجابية في كل القطاعات الاقتصادية وتعمل بنظام متناغم بين كل تلك القطاعات وهذا ما يسمى بجودة الاقتصاد ويؤدي الى ارتفاع بنيان المستويات العلمية والاجتماعية والثقافية في المجتمع.
السؤال أين موقع النمو والتنمية الاقتصادية في ظل الحروب والأزمات والظروف الشبيهة بواقع بلادنا الذي يمكن أن يفسر كثيرا من افتقاد السياسات الاقتصادية للفاعلية وتراجع نمو الناتج المحلي من المؤكد أن الحرب تضعف مرافق الإنتاج والمرافق الخدمية, والتشوه الناتج عن الحروب لا يمكن تجاوز آثاره في إنتاج هياكل اقتصادية مشوهه وظهور أبعاد مختلفة تتوارى خلف مصالح آنية تنمو وتزدهر فيها ,وتبعثر الأيدي العاملة وتهدر الطاقات البشرية والمادية وتعيق عمليات التبادل الاقتصادي وتزيد من تكاليف النقل وينتج عنها تعطيل واعاقة حركة التجارة الداخلية والخارجية بانسياب وترتفع الاسعار وفي كل الأحوال اقتصاد الحرب حاله يتيح غياب الاستقرار وحرمان الاقتصاد من الفرص وحالة مشوهة لأن الأضرار المباشرة للحرب تفرض عوائق على النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية, وقد تزيد من هوامش للفساد والإفساد والظواهر الغامضة.
باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا