في يوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم ولد الهدى وانتشر النور وانطلق العدل وارسيت شريعة الله التي يحتكم إليها كل من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً ونبيا .
ميلاد نبينا وحبيبنا هو اهم حدث في تاريخ البشرية منذ أن خلق الله الاكوان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
نخبة من الخطباء والمرشدين تحدثوا لـ»الثورة» عن عظمة هذا الحدث الكوني وارهاصات مرحلة الميلاد حتى بعثته صلى الله عليه وآله وسلم وانتشار رسالة الإسلام .. رسالة السلام إلى الإنسانية جمعاء .. وإليكم الحصيلة:الثورة / أمين العبيدي
دار أبو طالب
في البداية تحدث العلامة مطهر عبدالخالق الشامي قائلاً: إن حبيب الله قد ولد يوم الاثنين بلا خلاف وكانت ولادته في دار أبي طالب ، وأضاف: لقد كان الناس في مكة قبل الإسلام يعيشون في ظلمات الشرك والجهل حيث يصور جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أحوال الناس في مكة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وآله فيقول للنجاشي ملك الحبشة: « أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحُسن الجوار» ..
واضاف الشامي بقوله: قد كان هذا الكون قبل وصول النور والخير والبهجة والسرور محمد صلى الله عليه وعلى آله شؤماً بل كان الناس يعانون شتى انواع الظلم فلما اطل محمد -صلى الله عليه وآله زكت الربى وخضر في البستان كل هشيم ..
واختتم الشامي حديثه بقوله: إن مولد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم فرح لكل من عرف شريعته وسار على منهاجه، إنه يوم تغيرت فيه النفوس من دنس الخلود للدنياء إلى الارتقاء لما اعده الله من خير للمجاهدين وللمسابقين إلى نشر شريعته في الارض وفي اليوم العظيم علينا ان نتذكر كيف كان خلقه وجهاده وتعامله وبذله وتضحيته في سبيل الحق ونصرة المظلوم ونقتدي به في واقع حياتنا اليومية .
وأما الأستاذ/ محمد احمد الخطيب، خطيب مسجد الانوار فيقول: يعجز الخطباء والشعراء وكل من عرف روعة الحروف العربية أن ينسجوا من هذه الاحرف كلمات تصف يوم الفرح والسرور الذي يخالط فؤادي الآن وأنا احدثك عن مولد أجل وأعظم إنسان لم ولن تستطيع البشرية أن تجزيه أجر ما عانى وجاهد في سبيل أن يصل إلينا هذا الدين فأجره لا يستطيع أن يعطيه إلا الله جل جلاله .. وإن الاحتفال بمولده يعد أقل ما يستطيع الإنسان أن يعبر به عن حبه لمحمد صلى الله عليه وآله..
وأشار الخطيب بقوله: إنه لا يَخْفى على مسلم المنزلة العالية الرفيعة التي حباها ربنا عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اصطفاه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}(البقرة: 253). قال المفسرن : «فكل الأنبياء لو أدركوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، إنه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الذي سمَّاه الله عز وجل في القرآن الكريم بـ : «محمد»، و»أحمد»، وهما يشتملان على الحمد والثناء، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: «وشقَّ له من اسمه ليُجِلّه فذو العرش محمود وهذا مُحَمّد».
وعن شجاعته وجهاده وقوته صلى الله عليه وآله يقول الخطيب: كان أشجع الناس على الإطلاق وقد تجلَّت شجاعته في أروع صورها جهاداً في سبيل الله، وثباتاً عند الشدائد والنوازل، ودفاعاً عن الحق ونصرة للمظلومين، وقد شهد له بذلك أصحابه وأعداؤه، إذ كان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من الشجاعة بالمكان الذي لا يُجهل، حضر المواقف والمعارك الصعبة، وهو ثابت لا يتزحزح، قال الامام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه : «كنا إذا حمي البأس (القتال)، واحْمرَّت الحَدَق، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه» وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبى طلحة عُرْي (مجرد من السرج)، وفي عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا (لا تخافوا ولا تفزعوا)) وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «ما رأيتُ أشجع ولا أنْجد (أسرع في النجدة) من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» والأمثلة الدالة على شجاعته وقوته صلى الله عليه وآله وسلم من سيرته وحياته كثيرة، ومنها شجاعته صلى الله عليه وآله وسلم في غزوتي بدر وأحد وغيرهما من غزوات قاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعارك والقتال فيها بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه، وقد شُجَّ في وجهه، وكُسِرت رَباعيتُه كل هذا ليصل الينا الدين أفلا نحتفل بمولد من لولاه لكنا في غياهب الجهل والضلال..
وفي ختام حديثه يقول الخطيب: أهنئ نفسي وكل الأمة العربية والإسلامية بمولد خير البشر على الإطلاق محمد صلى الله علية وآله وسلم وأوصيهم بأن يجعلوا هذا اليوم يوم عبادة وذكر لسيرته واكثار من الصلاة والسلام عليه وعلى آله.
وفي نفس السياق يقول الاستاذ/ عبدالحميد محمد المؤيد: لا خير في من لا يفرح بيوم مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد قال بأبي هو وأمي «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده »، هو خيار من خيار من خيار، فقد ذكر كبار العلماء « نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك، ولهذا شهد له به عدوه إذ ذكر أبو سفيان بين يدي ملك الروم «أشرف القوم قومه، وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذه وأشرف فرع من عَشِيرته فرعه» صلى الله عليه وآله وسلم..
وأضاف المؤيد بقوله: إن من اعظم نِعم الله عز وجل على البشرية والناس جميعاً بعثته لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، الذي من أخلاقه وسماته التي اتصف وتحلى بها خُلُق الرحمة، التي شملت الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، والطائع والعاصي، تلكم الرحمة التي كانت له سجيّة، لا تنفك عنه أبداً، لا في سِلم ولا في حرب، ولا في حَضر ولا سَفر، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107). قال المفسرون: «يخبر تعالى أن الله جَعَل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلَّهم، فمن قَبِل هذه الرحمةَ وشكَر هذه النعمةَ سَعد في الدنيا والآخرة، ومن رَدَّها وجَحَدَها خَسِر في الدنيا والآخرة»، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه وعن بعثته: (إنما أنا رحمة مهداة) و (قيل: يا رسول الله! ادعُ على المشركين، قال: إني لم أُبعث لَعَّانًا وإنما بُعِثْتُ رحمة)، والسيرة النبوية الصحيحة بأحداثها وغزواتها تظهر بوضوح أن رحمته صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن رحمة مُتكلَّفة، تحدث في بعض المواقف وتتخلف في أخرى، بل كانت رحمة فِطْرية، فطره الله عليها، واتصف بها، وتعامل بها في جميع أحواله ومواقفه، حتى مع أعدائه..
وأكد المؤيد بقوله: لاقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذى شديداً من كفار قومه، فاحتمل ذلك وصبر عليه، ولم يتعجل هلاكهم، ولم يدع عليهم بالاستئصال رغم تكذيبهم وإيذائهم له، بل رجا الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله ولا يشرك به شيئا فقد سؤل رسول الله وآله بقولهم له (يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لقد لقيت من قومكم ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبن إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (ميقات أهل نجد)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك في ما شئت؟ إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).
وأضاف المؤيد بقوله: حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة زاخرة بمواقفه مع الفقراء، التي علمنا من خلالها أن الرحمة الحقيقية بالفقراء والضعفاء وأصحاب الحاجات، لا تتمثل في مجرد تألم القلب لحالهم ـوإنْ كان ذلك محموداًـ وإنما حقيقة الرحمة هي تلك التي تدفع صاحبها إلى خطوات فعّالة على قدر استطاعته لمساعدتهم وتقديم سبل العون لهم..
ومن هذه المواقف أنه ورد عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه، قال: (كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر النهار، فجاءه قومٌ حُفاةٌ عُراة مُجتابي النِّمار (يلبسون كساء من صوف مخطط) أو العباء (جمع عباءة)، مُتقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضر، فتمعَّر (تغير) وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1)، والآيةَ التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (الحشر:18)، تصدَّق رجلٌ من دينارِه، من درهمه، من ثوبه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تمره، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجز عنها، بل قد عجَزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيتُ كَومَين من طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلَّل (يستنير فرحاً وسروراً) كأنه مَذهبةٌ، فقال رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسلم: من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنة، فله أجرها، وأجرُ مَن عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّة سيئة، كان عليه وزرُها ووِزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيء)..
قال النووي: «قوله (حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلل كأنه مذهبة) فقوله: يتهلل، أي: يستنير فرحاً وسروراً، وقوله: (مذهبة) ذكر القاضي وجهين في تفسيره، أحدهما: معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه، والثاني: شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود، وتجعل فيها خطوطاً مذهبة، يرى بعضها إثر بعض، وأما سبب سروره صلى الله عليه وآله وسلم ففرحاً بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البر والتقوى، وينبغي على الإنسان إذا رأى شيئاً من هذا القبيل أن يفرح ويظهر سروره ويكون فرحه لما ذكرناه»..
وفي ختام حديثه قال المؤيد: يجب أن تكون لنا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله قدوة حسنة وأسوة.